وللثقافة ميتم!! حسين المناصرة |
ثمة أزمات عديدة مميتة تعيشها الثقافة العربية المعاصرة داخل تعقيد بنية المثقفين أنفسهم، وهي أزمات لا شك أنها تجعل الثقافة العربية عاجزة غير تواصلية، ولا تصلح لبناء وضع ثقافي صحيح, وبالتالي من الجور والمجازفة، أن يقال على سبيل المثال: إن ثقافتنا قادرة على بناء حياة عربية أفضل بكثير مما هي كائنة الآن، أو مما كانت عليه في الماضي، إلى حد قد نتصور أنفسنا مثقفين، وأشباه مثقفين، ومدعين للثقافة أننا ننتج كيانات فاضلة وأخلاقية في كتابتنا الطليعية التي لا يتبناها الواقع الذي نصفه بالرديء من هذه الناحية,.
ولعل من يقول الكلام السابق يعد رأس الفتنة والنفاق,, إذ ليس الوضع الثقافي العربي المعاصر، من وجهة نظر مضادة، هو الأسوأ حالاً من أي وضع تعيشه فروع الحياة الأخرى,, ولكن الصحيح ان الثقافة أحياناً كثيرة تستحق أن توصف بأنها أكذوبة للانتهازية والشللية والادعاء,, شئنا التعامل مع هذا الوصف أم رفضناه.
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا في هذا السياق هو: لماذا هذه النظرة التشاؤمية غير المرضية للكثيرين، تورق لتسلب المشهد الثقافي العربي حيويته، وروحه الإنسانية، وقيمه الحضارية والجمالية التي نظّر لها الكثير من المثقفين؟
وإذا عددنا تداخل فروع الحياة المختلفة بعضها مع بعض محاولة لانتاج قيم حياتية أفضل دوماً، فإن البعض، من المثقفين، قد يتصور الثقافة، هي الأهم من بين هذه الفروع، لأنها تمثل انتاج الوعي، وبناء النظرية، وتشكيل الرؤى، وتعميق الروابط، وتكريس القيم الايجابية، وصياغة جماليات الحياة، وأنسنة روحها,, الخ, وفوق ذلك عندما تتجرد من هذه الأشياء كلها تمسي ميتم حياتنا، ومسكن تعازينا.
ومن الكبائر، من وجهة نظر التصور المطبل للثقافة العربية المعاصرة بغثها وسمينها، في مثل هذه الحالة، ان يخرج بعض الهادمين للثقافة العربية وهم المتأملون بالمأساة من جحورهم ارتداداً على ما هو سائد، ويهاجمون ذواتهم، أو يأكلون لحومهم، خاصة بعد فشلهم في الاندماج مع الآخرين في الطنطنة لعظمة الثقافة العربية المعاصرة.
واذا كانت المسألة، قد تعني مهاجمة الثقافة العربية وتعريتها، لا نقدها فحسب، على اعتبار أنها مهاجمة لسقف الهرم في بنية الحياة، فإن أي محاربة للثقافة قد تثير، بطريقة أو بأخرى، حالة من الغثيان لدى المثقفين المنتفعين الذين مازالوا يرون الثقافة العربية هي عصب حياة المجتمع وروحها، وربما يكون أصحاب الصحف والمجلات ودور النشر، والكتاب الفارضون لأسمائهم,, وكل هؤلاء، بكل تأكيد، يتمتعون بميزات اجتماعية ووظيفية ومالية ممتازة نتيجة علاقتهم بالثقافة المدعومة، فالثقافة عندهم بخير والحمد لله، بل وفي أفضل حالاتها، لأن هؤلاء مستنفذون من جهة، ومستنفذون لاخلاقيات الثقافة من جهة أخرى، فهم ثقافياً يعيشون القيم الازدواجية، حيث ينظّرون لغة للمثال، ويمارسون خفية للمصالح والانتهازيات واللااخلاق، دون التعميم أو الاطلاق في هذا الوصف.
وعلى أية حال، كيف ندعي بهذا السوء الذي نلطم به وجه الثقافة العربية، في وضعها الراهن، ولا نبرر ذلك منطقياً؟ ثم أليس من حق المتلقي أن يعرف شيئاً ما عن أسباب انحطاط هذه الثقافة شبه الرديئة التي ينتمي إليها المتلقي مهما كانت ثقافته؟ وبالتالي ما أبرز مبررات هذا الهجوم الذي يقبض سكينه ليطعن ذاته؟
إن الرائي لمشهد الثقافة العربية المعاصرة، لابد، أن يرى مجموعة من العلامات السلبية التي تميز هذا المشهد، وكل علامة منها هي طعنة عميقة في جسد ثقافتنا التي قد تغدو بمجمل الطعنات القاتلة جثة هامدة تفتت حتى أمست عفنا، إن لم تكن تحولت إلى وباء أصاب مجمل فروع الحياة الأخرى، على اعتبار ان الحياة جسد، إذا مرض فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى,وستتضاعف الكارثة المرضية، لكون الثقافة هي الرأس الذي هو العضو الأكثر حساسية، وبالتالي الأكثر مركزية، حيث الثقافة منهج حياة، وطريقة للتفكير والبناء والهدم، وبالتالي هي العمود المحرك لانتاج المجتمع القوي المؤثر القادر على الوقوف فوق أرضية ثابتة غير خادعة,.
وبذلك يمكن أن نشير إلى رؤوس أقلام مرضية كثيرة تنتهك جسد الثقافة العربية المعاصرة وروحها، مما يعني انها تشير إلى أن ثقافتنا العربية ثقافة مجهضة، وأنه قد آن الأوان لاخراجها من قبرها.
وبعث روح التجدد والانتاج فيها لتتمحور الثقافة الأصيلة البناءة من غير شعارات ومزايدات وفذلكات ليس من ورائها طائل يطيل عمر الأمة,.
أليس بوسعنا أن نشير إلى الأمراض التالية:
التشرذم والشللية,, وأحياناً تشكل الكيانات المافوية الثقافية الرديئة!!
التسطح، والفذلكة النظرية، والطلسمية الشكلية، وغياب القدرة التواصلية!!
التعالي الثقافي واحتقار الواقع والمألوف والشعور بنرجسية الخروج من عباءة التاريخ إلى المطلق الذي هو في الحياة وهمي!!
الانتهازية وشراء الذمم وتأزم المثقفين خلقياً!!
اليد الطولى للادعياء ولاعبي السيرك من المثقفين!!
الأحكام النقدية المريضة والحروب الهمجية من غير جدوى!!
التبعية الثقافية والضياع بين الآخر التراثي، والآخر الأجنبي,,!!
الغرور الثقافي من جهة،ومازوخية احتقار الذات من جهة أخرى!!
تكريس صنمية بعض الأسماء، ومحاربة ظهور غيرها!!
البوقية وتنميط الثقافة في اطر ببغاوية غير قابلة للتطور وتجاوز السلبيات!!
احتفالية الذكور الثقافية المدعية بالجمالية النسوية في تزوير الكتاب ضمن أزمة اخلاقية تكرس الأزمة النقدية,فهذه احدى عشر قيمة سلبية، ويمكن أن نعدد مثلها، وأكثر من ذلك، لو أردنا ان نطيل الكلام،ونخض المزيد من الرؤى,,
ولعل كل اشكالية من الاشكاليات السابقة تصلح عنواناً لصفحات وصفحات، لكن المسألة ليست محاورة الثقافة العربية في سلبياتها العديدة، إذ كتب عن هذا الموضوع دراسات كثيرة، لكن القصد هنا، ذر رماد بعض الأفكار العامة التي تجعل مصيرنا الثقافي موبوءاً بعوامل تآكله وموته، وان الحال لن تكون هي الأفضل في الألفية القادمة ما لم يتدارك المثقفون الجادون اشلاء ثقافتهم وقيمها البائسة، ويعيدوا بناءها من جديد، لتكون الحال أفضل مما هي عليه,.
ولكن المشكلة تبقى في تحديد من هو المثقف الجاد الأفضل من غيره؟!! وما هي الأفكار الرئيسية الصالحة لبناء سياج ثقافي حضاري صحيح؟!
إن التعقيد في بعض الأحيان يولد اليأس,,!!
فهل نحن يائسون فعلاً؟!! ربما,,!!
|
|
|