بدايات محمد عبدالرزاق القشعمي |
7
عند مجيء موسم الصرام أي جمع التمر من العذوق بعد شذبه وإنزاله من النخل، ووضعه على مفارش من السعف أو البسط تمهيداً للقطه وفرزه الى فئات مثل: التمر اللين لوحده، ثم اليابس، ثم البسر وهو البلح وأخيراً الحشف والذي يكون من نصيب الحيوانات, كان كل شىء من النخلة له مهمة، فالعسبان عند إزالة الزائد عن حاجة النخلة تجرد من الخوص، فتحول للنساء لسفة وصناعة مفارش أو سجادات للصلاة أو صحون للتمر المطعم او مبارد للقهوة او مراوح مهاف وغيرها كثير كالاستفادة من الكرب للتدفئة والليف لفتله وتحويله الى حبال، والنخلة عندما تشيخ وتهرم وتنحني ثم تموت يقطع جسمها النبع يصنع منه أبواب او مصد لمجرى الماء وقت مداهمة الامطار,, وغيرها كثير, اما الجريد وهو العسيب المجرد من الخوص فيخصص لسقف المنازل فيوضع فوق خشب الاثل وتحت الطين في الغما ، او يعمل منه صريفه كحائط تسور به المزرعة لمن لا يستطيع بناء جدار من طين، او يعمل منه عشة وتقسم منها الغرف الصغيرة، او حوش للبهائم، كما يعمل منه اشياء لا حصر لها، من أهمها في نظر الفتى عمل مصيدة مفقاس وهو الذي يصطاد بواسطته العصافير والدخل وغيرها من طيور الصيف والتي تنافسهم على اكل التمر عند نضوجه.
كما عمه يقطع الجريدة من منتصفها فيربط رأسها بحبل ويباعد بين طرفيه الآخرين بشكل منفرج ويوصل بينهما بخيط صغير، فيحدث فتحة صغيرة في ساق الجريدة القائمة والمغروسة في الارض الى جوار الساقي مجرى الماء، أو بجوار البركة، يدخل الخيط الصغير والمربوط في نهاية الجريدة القسم الضعيف منها والمربوط في القائم الاساس، والذي يقل طوله عن الاولى بحوالي الثلثين فيربط الحبل السلك في طرف الجريدة الاضعف ويدخل طرفه الآخر بالفتحة المحدثة في ساق الجريدة الاساس, يترك طرف الحبل الخارج من الفتحة مرتخياً ويوضع على عود صغير يثبت به ويكون مقسوماً من المنتصف واذا لم تكن المصيدة المفقاس فوق الساقي وهو مليء بالماء فيوضع ماعون صغير به ماء بجواره، فيأتي العصفور حذراً اذ بعد ان اكل من التمر يحتاج الى الماء ليطفىء ظمأه، فينزل الى اعلى المصيدة، ثم ينتقل الى قرب الماء بعد ان يتلفت فلا يرى احداً حوله، اذ يكون الاطفال مختبئين خلف النخل فيقفز العصفور الى العود الصغير الذي يرتفع قليلاً عن الماء فيسقط العود فتكون رجله داخل الخيط الذي يمسك بها فيبدأ بالزقزقة ويحاول الافلات قبل مجيء الاطفال لاخذه، وكثيراً ما يفلت ويترك رجله مقطوعة, يأتي الفتى ليخلص العصفور فيعضه بمنقاره فيدمي يده وكثيراً ما يذهب باكياً لامه فتأتي مسرعة لتخليص العصفور قبل فراره.
عند قرب نهاية المقيظ الصرام وتجميع العذوق بعد ازالة التمر يأتي رجل كبير محني الظهر من المدينة الى القرية وغيرها من القرى ومهمته دق العذوق وهي رطبه ويدعى حريد فكنا نفرح به وبقدومه اذ يحكي لنا القصص المسلية ويقدم لنا الحقاق , صحيح انه قليل اذ يعطي كل واحد منا عدد خمس حبات من الحمص الابيض اللذيذ، كأنني اراه الآن وقد افترش الجهة الجنوبية من المسجد وقريباً من باب المنزل الرئيس المؤدي الى النخل، فتأتي النساء الحريم بحزم العذوق وتضعها بجواره، وكان قد استعد باحضار قطعة كبيرة من الخشب ليضع فوقها العذوق فيضربها بمطرقة كبيرة من الخشب تسمى كابون فاذا تحول الى ما يشبه الليف فتله وحوله الى حبل طويل او مجموعة حبال.
ويذكر ان عمه كثيراً ما يسخر منه فيدعوه بانه كابون ما خرق اي لا يوجد به مقبض ليستفاد منه الفائدة المرجوة، ففتحة الكابون هي التي يدخل بها النصاب وهو مكان مقبض اليد ليستخدم بسهولة.
يذهب الفتى مع امه الى النخل وهي تروس الماء او تحصد العلف للغنم والبقر فتأتي غزوا ام محماس، وهي ام البدو الذين اقاموا بيت الشعر الخيمة كمسكن لهم خارج سور النخل، وكثيراً ما يأتي البدو وقت الربيع ليقيموا هنا وهناك بعض الوقت فيرحلوا طلباً للماء والكلأ, كانت غزوا تسولف مع امه .
واذا بابنها محماس يناديها من بيت الشعر بصوت عال ويقول يا يمة جتني,, .
وتجيبه امه يا وليدي بوبز واترشها فضحكت امي فاستفسرت منها عن سبب الضحك .
فقالت: ام محماس قد ألبست ابنها سروالاً لاول مرة وقد احس بوجود هواء في بطنه وخاف ان يكون من الوزن الثقيل فيسبب للسروال اما تمزيقاً او توسيخاً فتعاقبه امه ولهذا فهو يطلب رأيها.
كان الشاوي راعي الغنم يذهب بها خارج القرية لتسرح وترعى في الاماكن التي يوجد بها عشب، فاذا ما احست بالظمأ عادت الى القرية لتشرب عندما يكون الراعي منشغلاً ولا يدري بها الا بعد وصولها القرية فيلحق بها مسرعاً، اذ انها لا يجب ان تعود قبل غروب الشمس.
عند أذان العصر كان يناديها لتعود معه الى اماكن الرعي فكان يقول لها احيس بالنسبة للماعز، اما الضأن فيناديها إر فتسمع له وتلحق به كان عم الفتى يؤذن للعصر فشاهد الراعي الشاوي وهو يسوق الغنم الى خارج القرية فناداه ان يعود للصلاة فأجابه بأن كروته اذا كانت ستصرف له في وقتها فخذ صلاة وقراية، اما اذا كانت من اجل السرح بالغنم فيجب ان يصلي هناك بالبر فيكفي ان يصلي بالليل بالمسجد، وكان يرى الجد وهو يقرأ بمصحف كبير فيقول يا وجه الله ياكبر مصحف يقرأ الجشعمي .
|
|
|