Thursday 23rd December, 1999 G No. 9947جريدة الجزيرة الخميس 15 ,رمضان 1420 العدد 9947


الرياض والثقافة
خيول ومربعات
علي الدميني

لا يبدو الأمر جليا كما ينبغي حين النظر في اشتراطات اختيار عاصمة ما للثقافة، رغم ان اختيار مكان ما لهذه التسمية يثير الاعتزاز ويفتح نوافذ الحلم أمام عيني مثقف ذلك المكان، وحين تعلن الرياض عاصمة بلادنا الحبيبة كعاصمة للثقافة لعام 2000م فإن فضاء الاختيار يقودنا للتساؤل على دلالية فعلنا الثقافي وتحديات التسمية التي وضعتنا في هذه اللحظة التاريخية المحددة بدخول الألفية الثالثة كبؤرة ثقافية تعتصم بها الثقافة العربية المعاصرة.
وضمن احتفالية الاختيار وبهجة التوقعات أجدني متجها برؤية تساؤلية حول مغزى أن تكون عواصم الأطراف كالشارقة ابتداء والرياض ثالثة محطات متتالية للثقافة العربية، فيما يتم تأجيل اختيار المراكز الثقافة العربية الكبرى كالقاهرة، والرباط وبغداد وسواها إلى زمن قام, ولعل تفسيري لذلك يأتي باستدعاء بيروت كإحدى عواصم الثقافة العربية المعاصرة التي اختيرت لتقع بين الشارقة والرياض، لأقرأ في ذلك الترتيب ما يلي:
1 ان المشرق العربي وخاصة الجزيرة العربية كان يمتلك دوراً كبيراً في تكوين تاريخ الثقافة العريبة إبداعيا وفكريا، وان الوقت متسع امامه ليقدم اضافته الى منجز المعاصرة.
2 إن حواضر المراكز المعاصرة للثقافة العربية لم تعد تحتكر في راهنية لحظتنا التاريخية المعاشة مطلقية إنتاج الثقافة وواحدية تشكيلها، وأن البدء بتسمية الأطراف قبل المراكز يعد فعلا تحفيزيا للأطراف لكي تسهم في صنع ثقافة تعدد المنابع ومشروعية الاختلاف.
3 وباختيار بيروت احدى حواضر المناخ الثقافي الحضاري المنفتح، والفقير ماليا بعد الحرب الأهلية إشارة إلى ما تتمتع به دول الخليج من امكانات مادية ومن حماس ثقافي بارز يؤهلها ان تراوح في تطوير فعلها الثقافي بين الامكانية المادية المتاحة وبين ايجابيات رمزية بيروت كمناخ ثقافي وحضاري.
***
وفي ضوء القراءة الأولية لمعنى تسمية الرياض كعاصمة للثقافة العربية لعام 2000م سأشير باقتضاب إلى ثلاث مهمات أساسية يجدر بنا الوقوف امامها ببصيرة حضارية معاصرة.
أولها : أن مغزى الالتفات إلى الجزيرة العربية كاحدى المرتكزات للثقافة العربية يعني الالتفات التاريخي لدورها ولكنه لا يعني استنساخ أطر الدور وفعاليته التاريخية بقدر ما يعني الاستحثاث لفاعلية المراكمة والاضافة المتميزة بمفهومها الحضاري المعصر.
ثانيها : ان الاعتزاز بهذا التشريف المبكر يجب الا يخدعنا بتوهم بلوغ ثقافتنا ومنتجيها مرافىء الطموحات أو تجاوز ما ينتجه متقفو المراكز الثقافة العربية، ولكنه يعني التقدير للمنجز المادي الذي بنته الرئاسة العامة لرعاية الشباب من خلال الاهتمام الثقافي في الاندية الرياضية، وإنشاء الاندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في كل انحاء المملكة، وكذلك احتفاء بتميز مهرجان الجنادرية الثقافي وتقديراً للجهد الثقافي البارز الذي تقدمه صحافتنا الأدبية.
أما المهمة الثالثة والأخيرة فيمكن اختصارها بالقول ان هذه التسمية تتحدى ممكناتنا المادية والابداعية مراهنة على ما يتوجب علينا انجازه من ثقافة محايثة ومحفزة لمناخ مؤات يحفظ للثابت موقعه وللمتغير دوره.
وضمن هذا الافق تضع تحديات التسمية امامنا ضرورة الاشتغال بانتاج ثقافة تعمل على إشاعة فضيلة التسامح، والاعتراف بامكانية الاختلاف، والاحتكام الى ساحة الحوار التي ترد على الحجة بالحجة والشبهة بالبيان، كما تدعونا إلى ضرورة التفريق المعرفي والفقهي بين منطق النص الابداعي والنص الفكري فلا يتم تأويل عناصر التخييل والقلق والتساؤل المكونة للابداع على انها حقائق أو قناعات فكرية بقدر ما هي حياة أخرى موازية للواقع ومتقاطعة معه تتغيا رصد تقلبات نفسيات شخوص الابداع في سعيها الى الحقيقة أو إلى التساؤل عن أبوابها، والفن في ذلك يفرق جذريا عن الطرح الفكري الواضح والمحدد بدلالاته ووضوح مراميه.
وفي ختام هذه الملاحظات أتمنى على المعنيين بالهم الثقافي ألا ينظروا لهذه المناسبة بشكل احتفالي أو ادعائي عابر وإنما عليهم احتراف فعل الثقافة الحقة وامتهان وظيفة المثقف النقدي المعاصر في سبيل ان تصبح بلادنا عاصمة دائمة للثقافة وليس لعام 2000م وحسب,>على ضفاف الواقع
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved