الحمد لله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول، وأشهد ان لا إله إلا الله لا إله إلا هو إليه المصير,, الرحمن الرحيم يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون وهو القائل في محكم كتابه (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله دعا الله في السراء والضراء فكان الله معه مستجيباً وناصرا ومؤيدا, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين طهروا أنفسهم عن الحرام ومأكلهم ومشربهم عن الحرام ودعوا الله فاستجاب دعاءهم اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم.
أما بعد:
فيا ايها الناس، اتقوا الله ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا,, اتقوا من وعده الحق وحديثه الصدق وعلمه الشامل واطلاعه الكامل يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير.
اتقوا الله اتقوا يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور, عباد الله,, كيف يتقى هذا اليوم؟ وكيف يخشى منه؟ ذلكم بأنه لا تقع رؤية الله منك على مكروه، وليكن اطلاعه منك على كل محبوب له فالله يحب المتقين، وهذه المراقبة تتحتم وتجب في كل وقت وحين وفي كل مكان وزمان وبها يصدق على المسلم الإسلام، وبالغفلة عن هذه المراقبة يحصل نقص الإيمان او الكفر والنفاق, إن الله سبحانه يثيب على الاحسان احسانا ويجزي الذين اساءوا بما عملوا (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ويرزقون فيها بغير حساب) واعلموا اننا في وقت يجود فيه الرب بالفضل والمن والعطاء وزاد فيه اجتهاد الرسول بالاكثار من العبادات وانفاق الصدقات وتلاوة القرآن والالحاح على الرب بالدعوات فتأسوا بنبيكم تكثر اجوركم وتتيسر اموركم، أمرتم بالدعاء ووعدتم بالإجابة (وقال ربكم ادعوني استجب لكم).
وإن احدكم ليغضب إن سئل والله يغضب إذا لم يسأل, (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) وليحضر الداعي قلبه وانكساره وذله وخشوعه وخضوعه بين يدي ربه ويثني على الله في بدء دعائه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم وليحرص الداعي بأن يتصف بأسمى الآداب واحسن الصفات بأن يكون في صلاة او مستقبل للقبلة إذا كان بغير صلاة ومتطهرا ويتحين اوقات الاستجابة في آخر الليل وآخر النهار وعند الاذان وبين الاذان والإقامة وعند صعود الإمام ليخطب الجمعة حتى ينتهي وادبار الصلوات، وآخر ساعة من يوم الجمعة فإن ذلك كله من اسباب الإجابة فليكن حذرا من موانع الإجابة فمن أتى بالاسباب لاستجابة الدعاء ولم يحذر من الموانع فدعاؤه غير مستجاب ولا يدع بإثم كقطيعة رحم او ظلم او عقوق او بأي إثم كان ففي الحديث حديث يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم وليتجنب الحرام فإي جسد نبت من سحت فالنار اولى به، وعن ابوهريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ثم ذكر الرجل اشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه الى السماء يا رب,, يا رب,, ومأكله حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له.
وقد قرئ عند النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا) فقال سعد بن ابي وقاص ادع الله ان اكون مستجاب الدعوة، فقال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفسي بيده إن الرجل ليرفع اللقمة الحرام إلى فيه لا يقبل الله له صلاة اربعين يوما وإن من موانع الاستجابة ان يتعجل العبد الدعاء ويستبطئ الاجابة وفي الحديث يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي فاجتهدوا في هذه الاوقات التي جعلها الله مواسم خير وبركة فأول هذا الشهر رحمة واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار يرحم الله عباده فيمحوا ما عليهم من الذنوب والآثام وافضل رمضان ليالي العشر الاواخر ففيها من الفضل ما لم يكن في غيرها, خصها الله بهذا الفضل كرما منه على خلقه ليدركوا الاجر الكثير في هذه الليالي المحدودة التي هي ليالي الاعتاق من النار، نسأل الله ان يعتقنا من النار وجميع المسلمين.
وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم صريح بأن هذه الليالي فرصة لا ينبغي للمسلم تفويتها، فتحكي عائشة رضي الله عنها ما اطلعت عليه من فعل الرسول وهو احياء الليل وشد المئزر وايقاظ اهله ومعنى احياء ليله عبارة عن الاستيقاظ اي احياؤه بالطاعة وبتعبير عائشة عن الاستيقاظ بالاحياء لأن النوم اخو الموت الذي هو ضد الحياة ومعنى شد المئزر اي اعتزال النساء والجد في قيام الليل وايقاظ اهله للصلاة كما روت ام سلمة لم يكن صلى الله عليه وسلم إذا بقى من رمضان عشرة ايام يدع احدا من اهله يطيق القيام إلا اقامه، كل ذلك تشريعاً لأمته ومحبة الخير لهم وامتثالا لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم ناراً) وقوله تعالى: (وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) وقال تعالى مادحا لنبيه اسماعيل: (وكان يأمر اهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) وفي العشر الاواخر ليلة القدر التي فضلها الله سبحانه وتعالى على الف شهر، بمعنى ان العبادة فيها تفوق على العبادة في غيرها بألف شهر ولهذا شرع الله الاجتهاد فيها وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا كان ممن كان قبلنا حمل السلاح ألف شهر بمعنى ان العبادة فيها تفوق على العبادة في غيرها, فتعجبوا من صبره ومثابرته وأجره الذي يحصل عليه.
فاتقوا الله، ايها المسلمون، وشمروا عن سواعدكم، وانتهزوا مواسم الغفران واكثروا من الدعاء بقلوب صافية,, اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إنا انزلناه في ليلة القدر (1) وما ادراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من الف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل امر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر (5) ).
* عضو هيئة كبار العلماء