لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفى ويعظم شهراً بكامله من شهور السنة مثلما كان يفعل في رمضان، فقد كان عليه الصلاة والسلام يجتهد في العبادة من قراءة القرآن وقيام الليل والذكر وصلة الرحم والتوسع في الانفاق في هذا الشهر الكريم أكثر من غيره, ولا غرابة في ذلك فهو سيد الشهور وشهر البركة والرحمة وغفران الذنوب والآثام، وشهر تضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات، ويكون الصوم فيه وقاية لصاحبه من الوقوع في المعاصي فيكون سبباً لدخول الجنة، وهو شهر القرآن الذي أنزله الله من أعظم كتبه وخاتمها للناس عامة إلى قيام الساعة, قال سبحانه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ,, وهو شهر الصبر وشهر المواساة والاحسان والجود، وهو موسم الدعاء الذي لا يرد والاستغفار، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, الى غير ذلك من الفضائل الخصال الكريمة التي تتوافر في هذا الشهر الفضيل دون غيره, ولذا حرص السلف الصالح على اغتنام أوقاتهم فيه، وتعظيمه ودعاء الله أن يبلغهم إياه ثم أن يتقبل منهم الصيام والقيام وصالح الأعمال، كما أن الصوم شعار للقوة والجهاد والعمل لا للضعف والهروب من العمل والفتور والكسل والنوم، فالمسلم لا تضعفه المغريات من طعام وشراب ونحوه, ولا تحد من عزيمته أهواء الدنيا وزينتها وملذاتها عن القيام بإعزاز دين الله وحمايته وهو الجهاد في سبيل الله الذي يلقى التجاهل والنسيان الكامل من المسلمين والذي طالما أخاف الغرب والشرق وارتعدت له فرائصهم وحفظوا معناه الحق وحاولوا ابعاد المسلمين عنه وتشويه سمعة وصورة من يقوم به أو ينادي إليه.
والإسلام دين السماحة واليسر فقد أباح الفطر في الجهاد في سبيل الله لتقوية الجند على القتال، واذا تصفحنا بعض الأوراق المشرقة في تاريخنا الاسلامي المجيد نجد ان معظم المعارك الفاصلة التي لها ما بعدها في انتشار الإسلام وهيبته كانت في رمضان, فهذه معركة بدر الكبرى وهي يوم الفرقان الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل فانتصر فيها الاسلام واندحرت الوثنية والجاهلية، وقد كان ذلك في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان وفيها قتل فرعون هذه الأمة أبو جهل عدو الله ورسوله.
وهذا فتح مكة وهو الفتح العظيم الأكبر إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً وقد كان في العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وقد تم فيه تحطيم الأصنام والقضاء على فلول الوثنية والشرك، وهذه معركة عين جالوت ضد المغول ومعركة شقحب بقيادة ومؤازرة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ضد التتار وفتح الأندلس وغير ذلك من الأمجاد والانتصارات التي حصلت في رمضان المبارك نسوقها لعلنا ان نتذكر أو نعتبر والذكرى تنفع المؤمنين.