Friday 17th December, 1999 G No. 9941جريدة الجزيرة الجمعة 9 ,رمضان 1420 العدد 9941


قراءة المشروع الفكري والنقدي لأحمد بوقرين
د, محمد صالح الشنطي
2 - 3

ويقول بصريح العبارة: علينا ان نتبنى النهج الذي اوصل الغرب الى ما أوصله إليه، وهذا النهج هو النظرة الكلية ويغفل على نحو ما يرى المؤلف عن أن هذا النهج الحضاري يضم في احشائه نموذجه الاقتصادي بالاضافة الى نموذجه الفكري حيث الطابع الاحتكاري العالمي، وما يبدو من تسلط مادي وتحكم بنيوي لاتجاهات الاقتصاد العالمي، ويرى ان طرح المنهج (النموذج الحضاري) بعصبه الشمولي طرحا يحمل تضليلا نظريا لنهج الغرب في التطور الحضاري منهج لا يتصف بالشمولية الاجتماعية وعدم سيطرته على شروطه الاجتماعية قاده الى الفوضى في التطور الاقتصادي فأوجد أزمته وأوجد قوته التدميرية من داخل بنيته ذاتها فثمة تأزم إشكالي في الفكر والمنهج العملي.
وفي معالجته لموضوع التراث ركز على حقائق يعتقد انها بالغة الأهمية منها النظر الى التراث ليس بوصفه وحدة فكرية مطلقة ومنسجمة بل وحدة متناقضات فكرية بنيوية مشيرا الى مقولة ابن خلدون عن اختلاف الأجيال، ثم ان الموقف التاريخي النقدي هو القادر على تحرير التراث نفسه من وحدة متناقضاته من خلال التحليل التاريخي ومن خلال ربطها بأطرها التاريخية والاجتماعية فالنتاج المعرفي الفلسفي ليس نتاجا ذاتيا يرتكن الى تأملات الذات بعيدا عن حقل الصراعات والتناقضات التي كانت تمور بها بنية المرحلة الاجتماعية، ويحمل على الموقف اللاتاريخي من التراث فيبدو تاريخا مجردا متعاليا عن الواقع, فلا بد إذن من النظر الى التراث ضمن الموقف العلمي التاريخي الواقعي لفهم مراحله التاريخية.
ويشير الى المأزق الحقيقي في بنية الوعي القومي العربي من خلال رؤيته للغزو العراقي للكويت الفادح والشامل في تدميريته، وهكذا يمضي في تحديد الأزمة في الفكر العربي متقريا ملامحها من ذلك ما وصفه بالفراق المفتعل بين الفكري والسياسي.
وينتقل الى الحديث عن أزمة الفكر الكوني بوصفه بعدا من أبعاد الأزمة الفكرية العربية.
وفي حديثه الذي ينقد فيه التفكير السياسي العربي المعاصر يعرض للسلام مع إسرائيل، ويشير الى تناقضات التفكير السياسي العربي ونتائجها ويسجل ملاحظات خمساً على عملية السلام ثم يتحدث عن آليات التفكير السياسي العربي في ضوء الرؤية التاريخية التي يؤمن بها ويشير الى افتقادها في هذا التفكير, وفي إطار توجيهه التحليلي العقلاني يحصي احمد بهاء الدين بمقالة يصف فيها بالرؤية العقلانية والعقل الرائي متحدثا عما اسماه جمرة الاستقلال الفكري وجمرة الاستنارة والعقلانية.
ويرى ان موقفنا بعد ثورة الاتصالات يتراوح بين الرفض والانبهار في حين ان هذه الثورة تعيد صياغته منظومة القيم والقناعات ويتم تكريس نمط حياة مغاير وفق تصورات وتخطيطات ليست بريئة من الجانب المهيمن، ويعني به (المركز النموذج) في الحياة الغربية، ويشير الى انه ينكر الاستنساخ لهذا النموذج او الذوبان فيه، ويحذر من أننا دخلنا في عصر شمولية المعلوماتية المحتكرة كما يقول الباحث الفرنسي في كتابه غزو العقول حيث يقرر ان العقول الإلكترونية الامريكية مزودة بأجهزة تمكنها من حجب المعلومات جزئيا او كليا وفقا لمصدر السؤال، ويثير الى انه في تحذيره من هيمنة ثقافة المركز مهموم بالسؤال الثقافي في صورته الاجتماعية القادر على انتاج لخطته الحضارية فنحن نحتاج لجهاز مفاهيمي جديد ومنظومة معرفية.
ويشير الى ان ظاهرة المركزية الثقافية الأوروبية ليست حالة ثقافية بلا جذور في الواقع الانتاجي العالمي بل صورة فوقية أيديولوجية، وفي مواجهة ذلك لا بد من سلاح ناجز في معركة التنمية والتحرر من التبعية الاقتصادية والثقافية من خلال وعي تاريخي يعي الحقيقة، يما يتعلق بالصيرورة التاريخية بعيدا عن الوعي الاستلابي الخانع.
ويستعرض المشروع التنويري الثقافي حيث كان انتاج الأدب والفكر لدى كوكبة من الأدباء وسيلة لتشكيل معرفة بالواقع المعاش، من هؤلاء محمد حسن عواد ومحمد سرور الصبان وحمزة شحاتة وعزيز ضياء وعبدالوهاب آشي ومحمد سعيد العامودي وأحمد سباعي، إذ كانت مهمة فريق منهم نقد المجتمع في ملامح سيرورته وفق تطوره والتخطيط لسبل الارتقاء به، ويتحدث عن اليوتوبيا الفكرية الحلمية ممثلة في فكرة المنتجع الفسيح التي أطلقها الكاتب الكبير حسن عواد عام 1953 حيث الحس العروبي الوطني كما يقول ثم يشعر من حصاد ذلك العهد ممثلا في الدعوة لاستنهاض العقل اين عقولكم ياسادة .
كما جاء في كتاب خواطر مصرحة لمحمد حسن عواد والدعوة الى الروح الانتاجية في مقالته الحجاز بعد 500 عام .
ومن حصاد التنوير في تلك الفترة تأسيس الفن القصصي على يد احمد السباعي وحامد دمنهوري والتشبث بالرؤية الإنسانية.
وفي إطار هذه الرؤية للثقافة التنويرية يعالج الكاتب موضوع الموروث الشعبي الذي يرى انه ينهض من أجل توكيد الذات المفردة كنواة لتوكيد الذات الجماعية، فتأصيل الثقافات الشعبية الخاصة لكل شعب عربي وإيجاد القواسم المشتركة بينها يعزز نهوض الشخصية القومية في وجه محاولات الطمس والتغييب الحالية ونربط عناصرها المكونة آصرة اللغة الواحدة التي تحتمل التنوع.
ويتوَّج القسم الفكري من كتابه بما أسماه جزء من سيرة فكرية يستعرض فيها المؤثرات الثقافية في فكره مشيرا الى ان كتاب سلامة موسى هؤلاء علموني الذي اعتبره عاصفة فكرية، فقد انتقل به من الأجواء القرآنية الرومانسية الى محطة جديدة وقد كان هذا مدخله لقراءة جوركي وفرويد وداروين ونيتشه وكفاحي لهتلر، وفتح مغاليق الأبواب التاريخية مما قاده الى قراءة تاريخ القادة السياسيين والعسكريين.
وفي اعتقادي ان هذه الرحلة الفكرية تميزت بأنها مهمومة بواقع الأمة والتفتيش عن علة ما تعاني مما قاده الى النبش في عقليتها واستكشاف نسيج هذه العقلية ونهج تفكيرها, كذلك ثمة تركيز واضح على المسألة الاجتماعية وارتباطها بمختلف المسائل الأخرى في رؤية تحليلية شاملة ارى انها تحتاج الى مساحة أوسع من البحث والاتكاء على معطيات أرحب من الناحية المعرفية.
ولعل رؤية الكاتب المتماسكة للمركزية الغربية وهيمنتها وضرورة مواجهتها بتأكيد الهوية الثقافية المستندة الى رؤية علمية للحراك الاجتماعي والمنجز المعرفي الإنساني سواء في مجال الاتصالات والمجالات التقنية الأخرى المشدودة الى وتر الواقع وقراءته قراءة علمية صحيحة، وأبرز ما يشد القارىء الى هذا الكتاب خصوصا وان الكاتب لا ينطلق من موقع ايديولوجي منحاز بل من شرفة منهجية رحبة لا تستنكف عن الأخذ بما تراكم من منجزات التجربة الإنسانية في آفاقها الرحبة، وقد يوهم توقف الناقد عند شخصيته مثل احمد بهاء الدين وحسين مروة بإعجابه بسلامة موسى ان الناقد ينتمي إلى الحقل الأيديولوجي لهؤلاء المفكرين ولكنه لا يبدو كذلك فإعجابه يتوقف عند الجانب التنويري العقلاني دون الجانب العقدي، خصوصا وان ثمة هامشا فكريا يخرج بالثلاثة في كثير من طروحاتهم عن قضبان السكة الأيديولوجية.
في الجزء الخاص من المقاربات النظرية النقدية يطرح الناقد رؤيته للنقد الواقعي في المقالة الأولى تحت عنوان: ايضاحات اولى في النقد الواقعي فيقرر ان العمل الفني استجابة موضوعية لوعي مبدعه الاجتماعي كنتاج معرفي للتطور الموضوعي في الواقع وكنتاج مباشر لتأثير الظاهرات المحيطية في تشخيصها الحس الفردي في وعي المبدع وان العمل الإبداعي في تعدديته الخطابية هو لا إراديا تعبير اصيل عن بيئته المادية وتشكيلته الاجتماعية.
ويرى ان على النقد الواقعي التقاط أدوات هذا العمل الفني في اطار فهم يرى ان العمل الإبداعي في ظاهره له شكل بنيوي مستقل نسبيا عن عالم الحقيقة الواقعية.
والنقد الواقعي لا يمارس مقاربته للإبداع بتجزيء تجريدي للعمل الإبداعي بالنظر في لغته الجمالية منفصلة عن دلالاته وإشاراته وطموحاته في إبداع المعادل الموضوعي والواقعي اذ ينبغي ان يقوم الناقد بالتقاط كل جزئيات النص الإبداعي في وحدة جمالية كلية تحدد صورة انعكاس الواقع في بديله المعنى ومطابقته التاريخية على اعتبار ان الخطاب السردي أو الخطاب الشعري ليس إلا انعكاساً خلاقا للواقع، والحدود الجمالية ليست هي الغاية، بل ان لكل عمل إبداعي عالمه الخاص من الناحية الفنية وله صفات وظواهر وعلاقات في عالم الحقيقة الواقعية وان على النقد الواقعي اكتشاف قوانين النص الإبداعي فقانون معرفة الواقع العام متجسدا في الواقع المفضي للخطاب الإبداعي.
وفي مقالته التي كتبها بعنوان نقد النص الى أين يرى ان ما كان يسمى بالنسق الأدبي الشرقي مغلقا على جهازه المادي والمفاهيمي ومبرراته ومحفزاته التقنية وشطحاته الخيالية سينكشفان على بعضهما البعض، وبالتالي ستزال تلك الحواجز الصلدة النفسية والثقافية، بل وستزال تلك الصراعية المفتعلة ويرى انها معبرة عن ارادة ذات طابع سياسي، ويرى انها ليست معبرة عن حركة الواقع وانبثاقاته وان رؤية جديدة ستشكل تنظر للواقع في عمق متغيراته وحركته واضطرابه بمعزل عن السياسة وسطوة أطرها المتغيرة, ويشير الى ضرورة التخلص من الأحكام المعيارية الجامدة والارتباط بالواقع والتاريخ.
وفي اعتقادي ان مسألة إزالة الحواجز بين النسقين الغربي والشرقي قد نزعت بالفعل على المستوى الجمالي فالمنجز التلنيكي اصبح ملكا مشتركا في الشرق والغرب، والطابع الصراعي تحول الى لون من ألوان المثاقفة والحوار فيما يخص الثقافي والإبداعي، ولكن ثمة من يحاول ان يفرض نسقه الخاص باسم العولمة وعبر تقنيات الاتصال الحديثة مما يجعل الاعتصام بالهوية الابداعية الخاصة غير المنغلقة أمرا مطلوبا، وإذا كانت الرؤية المأمولة ستنطلق من فهم عميق للواقع في تغيره فستكون بالضرورة ذات خصوصية فتصل بهذا الواقع وان داخلت نسيجة مؤثرات غربية اصبحت ذات طابع عالمي بسبب التواصل عبر مختلف مناحي الحياة وفي كافة المجالات,
ولكن هذا لا ينفي احتفاظ الواقع بهويته، إذ لا يمكن ان تندثر الانساق الثقافية المرتبطة بالبنى الاجتماعية وتطورها ولكن الشقة تقترب بين الأنساق ذات الطابع الشرقي وتلك التي عرفت في الغرب، اما الصراعية المفتعلة كما يقول الكاتب فهي موجودة على المستوى السياسي مرتبطة بمعادلاته، أما في الثقافة فالأمر يبدو مختلفا.
ويرى في موضع آخر ان العملية الإبداعية معبرة بوعي باطني فردي او وعي جمعي عن جملة من الدلالات المعرفية المنتجة كصورة للدلالات النفسية والاقتصادية والسياسية لفئة اجتماعية محددة في ظرف واقعي عيني, ويرى انه اذا انتفت اسس العلاقات والدلالات الخصوصية ذات الوجود الموضوعي الخارجي القابل للتحقق في البنية الخارجية كمستقبل ومصائر شكّلت الثمرة (التي هي العمل الأدبي) طعنة حادة في ضميرنا الأدبي واضرت بوعينا الأدبي والاجتماعي كما هو ممثل في وعي الذات المبدعة.
ويرى ان الظاهرة الأدبية قد تبدأ ذاتية ولكنها ما تلبث ان تنخرط في جدال مع الموضوع فتحقق واقعيتها، وحينئذ تحتمل وراء قشرتها (الشكل الفني) حركة الذات وحواره على الموضوع كحركة غير منفصلة عن تاريخيتها.
فالشكل الفني من وجهة نظره نتاج هذا الحوار في الظاهرة الأدبية التي تطرح تحديدها الجمالي الذي يستوعبه النقد الواقعي بعكس نظريات النقد الشكلية التي هي في قطيعة ابستمولوجية مع تراكمات معرفية سابقة، بل يحقق من تراكمات المعرفة الكونية انتاج معرفة جديدة بالنص الأدبي شكلا ومضمونا.
والعملية النقدية ذات المنهج الواقعي تتكيف مع معطيات العملية الإبداعية وترسم بأفقها وترتكن الى زمانها ولغتها وخصائصها، لكنها بالتأكيد مستقلة عنها، ولا تنغلق في مساربها بل تنفتح الى مسارب جديدة تنطلق منها وبها الى أزمنة إبداعية جديدة كما يقول.
وبدون الارتكاز الى منهج نقدي علمي في تجذير الدلالات الاجتماعية واكتشافها سواء عند انتاج النص الإبداعي او نقده يصار الى التزييف والتدجين، على حد تعبيره، لذا فإن الطرح المنهجي الواقعي بخصوصيته المنتفع بشكل او بآخر من تيارات الانطباعية والبنيوية والسيمولوجية والانثروبولوجية والنفسية في حده الأدبي في تقييم الأدب المحلَّي مع التماس الحقيقي بقضاياه أمر ضروري, فالعمل النقدي الواقعي في مساءلته للابداع المحلي لا بد ان يجيب على كثير من الأسئلة مثل:
كيف عبر هذا العمل الابداعي عن خصوصيته الواقعية؟
كيف اكتشف شكله الفني من قلب مضمونه المتحرك وفق فاعليته التاريخية؟
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

أفاق اسلامية

لقاء

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved