لماذا مجالسنا اليوم تختلف اختلافاً جوهرياً عن مجالسنا بالأمس لقد عجزت ان أجعل الاجابة على هذا السؤال مجرد اختلاف جيل وزمن أو ما شابه ذلك، وبدأت حيرتي تتعبني وتفكيري يقلقني فعجزت وسقط دفاعي، لكن صوت العقل لم يتلاش، وباجابة واقعية أحاول تجسيد الوضع بالكلمات,, لظني إني عبر الكلمة أستطيع ان أصنع المعجزة التي أبت أن تتحقق من خلال حديثي مع البعض، وها أنا ألجأ الى الكلمة إنها حيلة العاجز حين يعجز عن اكتشاف الحقيقة أو التصريح بها، ألجأ الى الحرف اتنفس به الصعداء عله يفسر لي شيئا من غموض هذا التغيير الذي تساءلت عنه في البداية، حاولت واحاول ان اجعل من الكلمة مفتاحا يساعدني على فتح هذه القلعة التي ملأها التناقض وعدم الوضوح فوجدت ان اصدق كلمة اقولها او اكتبها بحرارة لا تتجاوز احرفاً معدودة فيها كل معنى أبحث عنه، انه,, (الفراغ والاقتباس الأعمى) نعم الفراغ الذي يدعيه البعض وقتل ساعاته بالاستمتاع غير المستحب وغير المشروع والجري وراء الفضائيات والقنوات الهابطة والأشرطة المشبوهة التي بدأت تسيطر على عقول الصغار قبل الكبار سيطرة كاملة مما يؤدي هذا الشغف للانجراف في تيار الانحراف، فحفظ الذات هدف لكل كائن حي يؤديه بدافع الغريزة ولكن الانسان يضيف اليه الوعي والادراك ليصبح شيئا آخر غير حفظ الحيوان لذاته فيختلف في الطريق والهدف سواء، واستطيع ان أقول بحرصنا ووعينا وادراكنا لما نختاره لنشاهده في مجالسنا ساعات فراغنا سواء على صعيد الآباء أو الأبناء إنما نعكس صورة النشء الصالحة والسليمة على تصرفاتنا وكيفية خلق عرق سليم خال من العاهات، فالكيان المتجمع من الدوافع والضوابط معاً هو الذي يسمح بوجود غاية للحياة الانسانية، والغاية الواعية المدركة هي ذاتها لون من الضوابط يضع حداً للاندفاع وراء الدوافع او الشهوات وبهذا الكيان السليم نستطيع ان نجدد مجالس الامجاد والاجداد والسلف الصالح ونعطي لهذه المجالس حقها من آداب الاحاديث ونوطد صلة الترابط والاخاء بين افراد الاسرة والعائلات التي بدأت رويدا رويدا تفتقر لهذه الصلات فعلينا اولاً وأخيراً حماية انفسنا من (هذه الموجات التي تريد اقتلاعنا من الجذور) واقول بوضوح اينما يوجد خلق وابداع لا يوجد فراغ، فحب الحياة والاستمتاع بها هو الدافع الأكبر في الكيان البشري والمحرك لما يصدر عنه من نشاط، والضوابط قوة فطرية تولد مع الانسان ولكنها لا تظهر في بادىء الامر، كما تظهر الدوافع، ثم انها بحاجة الى مساعدة خارجية ليتم لها النماء والنضج، والا بقيت ضامرة لا تؤدي وظيفتها كاملة في حياة الانسان، فلينضم الاب لمجلس ابنائه ويوجه كلاً منهم الوجهة الصحيحة بدلاً من ان يترك لهم الحبل على الغارب بزعم المفهوم الخاطىء عن الحرية، أما الشق الثاني من الاجابة وهو (الاقتباس الاعمى) فالحذر من الاقتباس الاعمى لاننا نرى من اعراض الانحلال التي بدت على الدول العربية تدهور المستوى الثقافي بفعل المؤثرات الغربية ولا سيما تلك التي كانت خاضعة لتوجيهات اليهود فمنذ ابتداء القرن العشرين طرأ تحول كبير على (الفن) وأبعده عن القواعد المدرسية واخضعه لاهواء (قلة من المنحرفين فكريا) فقد قام الفنانون اليهود في الدول الاجنبية بفكرة التجديد والابتكار، وذلك بالحط من قدر التراث الفكري لتلك الدول والهزء بمقدسات الامة، لقد ارادوا أن يقطعوا كل صلة بين الماضي والحاضر فجعلوا من الادب الرخيص والفن الاباحي بضاعة سهلة التناول فامتلأت واجهات المكتبات وجدران المتاحف بانتاج هزيل لا اثر فيه للفكر او الفن، ويحاربونا اليوم عن طريق القنوات الفضائية بعروضها للاباحة وعن طريق الانترنت فلقد عرف اعداء الله اهمية الشباب فخططوا ودبروا لتبديد هذه الثروة وتسميم أفكارهم فعملوا بكل وسيلة على تدميرهم، ونحن كأمة اسلامية وأمة عربية عريقة لها تراثها الفكري الغني عن التعريف ولها عاداتها ومعتقداتها علينا ان نحذر من الاقتباس الأعمى الذي كثيرا ما يسوقنا للحضيض والذي كان سببا رئيسيا في تغير مجالسنا اليوم، فنحن كأمة محافظة لن نتمكن من الخلاص من براثن العدو الا بواسطة فكرة قوية تجمع المخلصين وتؤدي بالتالي الى النهوض لأنه من الممكن جدا ان يتبع عهد الجمود والاتكال واللامبالاة عهدا من النضال الشاق والكفاح المرير.
فالشاب المسلم يعلم بمن يقتاد وما هو منهجه في الحياة ويتميز بشخصية فريدة عليها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، الا ان البعد عن هذا المنهج بسبب ما قلته في المقدمة (الفراغ والاعلام المتناقض) جعل الشباب يقعون في مصيدة التقليد الأعمى لاولئك الشباب الساقط الغربي الذي ينبذه مجتمعه المادي: فكيف بمجتمعنا الروحاني، ومع ذلك فأولئك لم يجدوا لسلوكهم حلا لما يعانونه ووصل الامر بالعديد منهم الى الانتحار فهل يعي شبابنا ذلك قبل ان يصلوا الى ما وصل اليه شباب الغرب، جميعنا نتمنى ذلك ونتمنى ان تجمعهم تلك المجالس (مجالس الخير) مجالس الأجداد والأمجاد.