باحث الزلازل بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية يؤكد الجزيرة العربية لا تتبع التصدعات المسببة للزلازل في تركيا من الأهمية بمكان اختيار مواقع البناء والمواد المستخدمة فيه تحسباً للهزات |
* حوار : رياض العسافي
توقع الدكتور عدنان محمد نيازي باحث الزلازل في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عدم حدوث هزات زلزالية في الجزيرة العربية تابعة للزلزال التركي لان التصدعات المسببة للزلازل في الجزيرة العربية مختلفة حركياً تماماً عن تركيا، وذكر نيازي بأنه من الصعب توقع حدوث زلزال بالزمان والمكان وبدقة حيث ان هذا الامر لايزال خارجاً عن امكانيات العلم الحديث، وناشد المجتمع الحرص على طاعة الله والابتعاد عن نواهيه ثم الحرص على اختيار مواد البناء والتصميم المناسب المقاوم للمخاطر الزلازلية والتنفيذ الجيد للبناء, وخلال الاسطر التالية نتعرف من الدكتور نيازي على اسباب حدوث الزلازل علمياً حسب التكوين الطبقي للارض وتوازن دورانها وعوامل تثبيتها على هذا الاتزان وانسيابية حركاتها ودورانها كل هذه الامور نعرفها من خلال الحوار التالي:
حركة الأرض المفاجئة تحدث الزلازل
فضل الدكتور نيازي استهلال موضوعنا عن هذا الحديث عن كيفية حدوث الزلازل بقدرة الله سبحانه فقال: عرف الجيولوجيون الفوالق الصدوع الموجودة في الارض وما حدث او يحدث من ازاحة للكتل الارضية على سطوح تلك الفوالق منذ مئات السنين، وقد لوحظ ايضاً ظهور صدوع على سطح الارض عقب بعض الزلازل، ولكن الصلة السببية الراجحة بين هذه الصدوع وبين الزلازل لم تتضح الا عقب زلزال فرانسسكو عام 1906م، حيث اتضح ان حركة الكتل الارضية المفاجئة على سطح فالق معين هي السبب في الزلزال وليس اثراً له.
وقد استنتج العالم الامريكي ريد Reid في ذلك الوقت ان القوى الداخلية في الارض تحاول ان تحرك الكتل الارضية على جانبي سطح الفالق في الاتجاه الطبيعي للحركة في تلك المنطقة، ولكن قوة الاحتكاك بين الصخور تقاوم وتمنع هذه الحركة وتنمو بذلك طاقة مرنة في المنطقة المحيطة بالفالق، واذا زادت القوى الناتجة عن هذه الطاقة المرنة عن قوى الاحتكاك فقد يحدث تحرك مفاجىء للكتل الارضية على جانبي سطح الفالق فيحدث الزلزال وتتحول فيه بعض الطاقة المرنة المخزنة في الصخور الى امواج زلزالية قد تسبب اهلاك الانفس والممتلكات.
والارض عبارة عن كرة صخرية ضخمة نصف قطرها 6370 كم تقريباً، ومغطاة بمجموعة من الالواح الصخرية التي يتفاوت سمكها من 100 كم تقريباً تحت القارات الى 70 كم تحت المحيطات، وهذه الالواح تحمل عليها القارات والمحيطات، وتتكون بدورها من قشرة ارضية متوسط سمكها حوالي 30 كم على القارات و 5 كم في قيعان المحيطات, وتفوق سماكة القشرة الارضية عن 50 كم تحت اعلى الجبال، اي ان للجبال جذوراً تتجاوز في سماكتها 4 5 اضعاف ارتفاع الجبال، وما اشبه هذا بحال وتد الخيمة اذا غرس في الارض، فسبحان من قال: والجبال اوتادا سورة النبأ اية 7.
وقد ذهب بعض علماء المسلمين المعاصرين الى ان دور الجبال من حيث ترسية الارض هو منع القشرة الارضية من الانزلاق على الصخور التي تحتها، وهو فهم غير مقبول من النظرة الجيوفيزيائية المحضة، حيث ان القشرة الارضية ملتحمة بالطبقة التي تليها بفعل ضغوط ثقل الاف الامتار من الصخور عليها، وبفعل قوى الاحتكاك بين تلك الطبقات، كما ان سماكة القشرة الارضية غير منتظمة وان حوافها الافقية متلامسة وغير حرة في الحركة.
ولعل المقصود بالترسية هو وزن دوران الارض حول محورها لتكون دورة اليوم عليها منتظمة، وهو جزء عن تذليل الارض لمن عليها، ومثل ذلك ما يجري من وزن دواليب السيارات الاطارات بقطع من الرصاص صغيرة جداً بالنسبة لثقل الدولاب ولكنها مهمة لضمان عدم حدوث ارتجاج في السيارة عند دوران الدولاب بسرعة عالية.
والجزء الثاني يلي القشرة الارضية يعتبر جزءاً من الوشاح Mantle الذي يغلف لب الارض، ويمتد ذلك الجزء الى الحدود السفلية للوح الصخري وهو اكثر رخاوة، وبه انصهار جزئي وتسمى هذه الطبقات طبقة السرعة المنخفضة حيث يسبب الانصهار الجزئي خفض سرعة الامواج الزلزالية، وتمتد هذه الطبقة الرخوة نسبياً الى عمق 250 كم قياساً من السطح ، ويليها طبقة اكثر صلابة تمتد الى لب الارض على عمق 2900 كم تقريباً والذي يتكون اغلبه من الحديد المنصهر وبعض النيكل والكبريت او السيلكون ، علماً بأن هذه الاستنتاجات مبنية اساساً على المعلومات المشتقة من دراسة الامواج الزلزالية وبعض الخواص الطبيعية والكيميائية الاخرى على سطح الارض، حيث لا تتمكن احدث واضخم امكانيات الحفر المباشر من اختراق اكثر من حوالي 14 كم من سطح الارض، هو ما يعادل بالمقارنة الى نصف قطر الارض تفحص الورقة الاولى وسماكتها من كتاب يحتوي على حوالي 600 ورقة.
وعلى عمق 4500 كم تقريباًمن سطح الارض نجد سطح اللب الداخلي للارض، والذي هو صلب ويمتد الى مركز الارض على عمق 6370 كم تقريباً وتكوينه الكيميائي يشابه تكوين اللب الخارجي.
والالواح الصخرية تتحرك على سطح الارض بفعل قوى داخلية يرجح ان سببها تيارات حمل بطيئة مقياس سرعة حركتها يقاس بالسنتيمترات في العام الواحد، ذلك في الوشاح ولوجود مصادر حرارية فيه ومن أهمها النشاط الاشعاعي الطبيعي للنظائر المشعة داخل الارض, وهذا لا يعني ان مادة الوشاح سائلة، بل هي صلبة حيث تسمح بمرور الامواج الثانوية للزلزال والتي لا تسير في السوائل, ويجري تكوين الالواح على طول سلاسل جبال اواسط المحيطات، حيث تظهر المادة الصاعدة بفعل تيارات الحمل التي قد انخفضت درجة انصهارها بالمواد الطيارة قرب السطح، مما يؤدي الى ظهورها في تلك المناطق على شكل صهير بركاني يبرد على طول الشقوق الرأسية التي هي في اواسط سلاسل الجبال المذكورة مكونة ارضية جديدة للمحيط, وتكتسب المعادن المغناطيسية مغناطيسية حقل الارض في ذلك المكان والزمان، ويصاحب هذه الظواهر زلازل ضخمة على طول سلاسل الجبال المذكورة وبالطبيعي نشاطات بركانية, وقد يحدث التصادم بين لوحين يحمل كلاهما صخوراً قارية كما هو في منطقة جبال الهملايا، حيث ينحدر اللوح الحامل لجزء من المحيط الهندي وشبه القارة الهندية هابطاً في داخل الوشاح، وكما هو الحال في التصادم بين اللوح الحامل لشبه الجزيرة العربية والذي يهبط تحت اللوح الآسيوي في منطقة جبال وفوالق زاجروس المعكوسة.
وفي مناطق التصادم تحدث عادة الزلازل العظيمة بمعدل زلزالين في العام الواحد في كل الارض، وحيث ان جزيرة العرب ليس لها حدود مباشرة مع مناطق تصادم الالواح، فلا يتوقع حدوث الزلازل العظيمة فيها، ولعل قدر 7 هو اقصى قدر متوقع للزلازل التي تتأثر بها الجزيرة، وان كان اغلب الزلازل الهامة فيها هي حول قدر 6 ، وذلك بمقياس ريختر.
وقد يحدث التصادم ايضاً بين لوحين محيطيين فيتكون في منطقة التصادم عمق محيطي مواز لها وقوس من الجزر كما هو في اندونيسيا مثلاً
.
لا يمكن توقع حدوث زلزال علمياً
* هل يمكن التنبؤ بحدوث زلزال قبل حدوثه في اي منطقة من مناطق العالم؟
توقع حدوث زلزال في الزمان والمكان وبدقة لا يزال خارجاً عن امكانيات العلم الحديث، على الرغم من دراسات عديدة للخواص الطبيعية للارض في اماكن الزلازل، وقد جرت محاولات لتوقع حدوث الزلازل بناء على دراسة حركة الحيوانات وقلقها في المناطق المعرضة للزلزال، وكل حادثة زعم فيها النجاح في توقع حدوث الزلزال، قابلتها حوادث اخرى لم تكن من توقع الاحداث الزلزالية بنفس السبل، ولكن الزلازل الصغيرة الناتجة عن حقن السوائل في الارض، وكذلك الزلازل الصغيرة المرافقة للنشاطات البركانية يمكن توقعها في الزمان والمكان، وكلك يمكن توقع حدوث بعض الزلازل الصغيرة في اماكن التفجيرات النووية الارضية، الا ان النفع العائد من ذلك قليل بالنسبة لدرء وتخفيف المخاطر الزلازلية.
ولعل من اكبر الامثلة على الزعم بنجاح محاولة لتوقع حدوث زلزال ما حدث في الصين يوم 4 فبراير 1975م، فقد قامت السلطات الصينية في اليوم السابق للزلزال، وبناء على مراقبة حركة الحيوانات بصورة رئيسية، ودراسة ورصد كل المتغيرات في المنطقة بتحذير السكان واجلائهم، وكانت الخسائر في الارواح قليلة, ولكن في العام الذي يليه وبالتحديد في 27 يوليو 1976م واثناء عقد مؤتمر لعلماء الزلازل في الصين لمناقشة النجاح في توقع زلزال العام الماضي حدث زلزال عظيم مفاجىء تأثرت به صالة المؤتمر وهلك من جرائه حوالي 250 الف شخص، واصيب فيه 500 الف آخرون دون ان يتوقع حدوثه او يتم تحذير السكان منه.
وتشبه مشكلة التوقعات العلمية للزلازل الحركية مشكلة توقع انزلاق لوح جليدي على لوح خشبي مائل، فقد يحدث الانزلاق المفاجىء دون سبب ظاهر، وقد يكون السبب الظاهر له تغير مفاجىء لدرجة الحرارة او اغلاق الباب في المنزل المجاور بقوة، وهكذا, ولكن البحوث لا تزال قائمة لمحاولة توقع حدوث الزلازل في المكان والزمان بدقة.
اللجوء الى الله
* حسناً,, ما السبيل لتقليل وتخفيف المخاطر الزلزالية؟
اهم السبل الى ذلك واهمها على الاطلاق هو الحرص على طاعة الله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن نواهيه بالنسبة للفرد والمجتمع، لان ما يصيب البشر من ابتلاء وشدة هو نتيجة لما تعمله ايديهم، كما قال تعالى: وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير علماً بأن الله قد يؤخر عقوبة الكافرين الى يوم القيامة، وقد يعجل عقوبة المؤمنين على معاصيهم في هذه الدنيا.
اما في عالم الاسباب الطبيعية فان اختيار مواقع البناء بالنسبة للقرى والمنشآت والمساكن ذو اهمية عظيمة, يوضح ذلك ما آلت اليه بعض العمائر الضخمة في مدينة نيجاتا باليابان نتيجة لبنائها على رديم من الرمل والطمي مشبع بالمياه، وذلك اثناء زلزال عام 1964م بسبب حدوث ظاهرة تسيل التربة اثناء الزلزال الذي لم تكن بؤرته بعيدة عن المدينة، علماً بأن المباني قد قاومت الزلزال ولم تنكسر، كما ان اختيار مواد البناء والتصميم المناسب للمخاطر الزلزالية والتنفيذ الجيد للبناء لها اثار حميدة لا يمكن تقليلها.
وكذلك فان الفرق يتضح من التفاوت بين المباني التي تأثرت بزلزال اليمن الاخير عام 1982، فالمباني الخرسانية لازالت قائمة بينما المباني الجبلية التقليدية المبنية من الحجر والطين قد تهدمت جميعها تقريباً، كما ان اثار زلزال اليمن المذكور الذي بلغت قدرته 5,9 تقريباً على مقياس ريختر والذي تسبب في هلاك حوالي 2800 شخص هي اكبر بكثير من اثار زلزال مشابه يحدث في الاماكن الاكثر استعداداً للزلازل مثل كاليفورنيا واليابان، فزلزال سان فرناندو عام 1971م بكاليفورنيا والبالغ قدره 6,5 على مقياس ريختر كان قريباً من السطح ايضاً ولم يتجاوز عدد ضحاياه 65 شخصاً.
للوقاية من الزلازل
* ما الذي يستطيع الفرد ان يعمله في المناطق المعرضة للزلازل بالنسبة لنفسه واهله وبيته لتقليل المخاطر الزلزالية؟
هناك اشياء يمكن الاستعداد بها قبل الزلزال، ومنها اعلام سكان المنازل باماكن اغلاق مصادر الكهرباء والغاز والماء، وذلك لتفادي التلف التابع للزلزال والذي قد يفوق التلف الناتج مباشرة عن الزلزال,, ومنها الاستعداد بمصدر للضوء يعمل على البطاريات مشحون دائماً، وكذلك تخزين كمية معقولة من الماء في الطوابق الارضية لاحتمال انقطاع انابيب المياه، وكمية من الطعام لاحتمال تعسر حركة السير والبيع والشراء العادي، وجهاز راديو يعمل على البطاريات يسمح باتباع التعليمات من الجهات المسؤولة فيما بعد الزلزال، ومنها تثبيت ما يمكن ان يقع من الاثاث على ساكني البيت نتيجة لحركة الارض اثناء الزلزال في جدران المنزل او ارضيته، وتوعية السكان علمياً ونفسياً لمواجهة الحدث.
اما اثناء وقوع الزلزال فينبغي مراعاة عدم محاولة الخروج من المنزل لمن كان داخله وعدم محاولة الدخول اليه لمن كان خارجه، وينبغي تفادي الوقوف قرب النوافذ والجدران الخارجية للمبنى، وتفادي استخدام المصاعد، كما يستحسن المكوث تحت عقود الابواب الداخلية والابتعاد عن الاشياء التي يمكن سقوطها مثل النجفات وغيرها، وعلى من يكن خارجاً عن المباني البعد عن المباني والاسوار واعمدة الكهرباء والهاتف والجسور على الطرق العامة، والبعد عن شواطىء البحيرات والبحار.
الجزيرة العربية بعيدة عن زلازل تركيا
* اخيراً,, هل تتوقعون حدوث هزات تابعة للزلزال التركي الاخير في شبه الجزيرة العربية؟
هناك علاقة تجريبية بين قدر الزلزال وطول الفالق المسبب له وعليها فيقدر الفالق المسبب لزلزال تركيا حوالي 300 كم حيث ان قدره كان 7,8 على مقياس ريختر، وتحدث الهزات التابعة للزلزال الرئيسي على طول الفالق وتكون عادة اصغر منه في القدر ويقل عددها تدريجياً مع مرور الوقت.
لذا نرى ان المنطقة التي حدث فيها الزلزال التركي منطقة مختلفة حركياً تماماً عن الفوالق المسببة للزلازل في الجزيرة العربية وكذلك فهي تبعد بالاف الكيلو مترات عن تلك الفوالق وعليه فلا نتوقع حدوث هزات تابعة لذلك الزلزال في شبه الجزيرة العربية وان كان من المستحيل استثناء حدوث هزات غير تابعة له,
|
|
|