لما هو آتٍ أمَّةُ الأخلاق خيرية إبراهيم السقاف |
حتى الآن لا يزال المجتمع المسلم يحافظ على جزء غير يسير من تماسكه السلوكي، إذ لا يزال الناس يتكاتفون، ويتحابُّون، ويبذلون ويؤثرون,, على الرغم من هجمة الماديات في سفور صارخ على منافذ الحياة من حولهم,, وفي واقعهم,,، وإذ لا يزال الناس يَصدِقون، ويُحبّون، ويفرحون لبعضهم، ويحزنون، ويُوفُون، ويُبِرُّون، وإذ لايزال الناس يزكُّون، ويتصدّقون، ويصِلون الأرحام، ويُحسنون الجوار، ويوجِّهون بعضهم، ويخافون على بعضهم، ويأمرون بالمعروف في حق، وينهون عن المنكر في احتساب، لم تدخل الحياة في صدورهم جميعهم، ولم يتجرّدوا من قيمهم جميعهم، ولم تخالطهم غير أخلاقهم جميعهم، فظل في مجتمعهم الخير، ولم يخل من أثر هذا الخير,.
لكن هناك من فرَّط في هذا السلوك واتجه إلى هجر أخلاق الإسلام، فتباعد بعضهم ولم يصل الآخر إلا عند حاجته، وطغت المصلحة الذاتية على بعضهم فداخلهم النفاق، والكذب، والمراوغة، والخداع، وبَعُدَ بعضهم عن المجرى الصحيح، فقرب ممن يماثله، وبَعُدَ عمن يخالفه، وتأثر أدب الحوار، وأدب الجوار، وخلت صدور كثيرة من الصفاء، وامتلأت بالكراهية، والحسد، والبغض، وقلَّ الوفاء، وانتشر العقوق، وساء السلوك، بَعُدَ الجار عن جاره، يسكن في مكان تمرُّ به السنون وجاره لا يعرفه، ولا يُقرئه السلام، ولا يزوره في خير ولا في شر، وانطوى كثيرون على أنفسهم، لا همَّ لهم إلا العمل لها، والحث وراء أمورها,,, بَعُدَت فئة من الناس عن الخير، وعن الصدق، فقلَّ الوفاء، وتقطعت الأرحام، وأصبح التعامل لوجاهة الحياة، ولوجاهة الناس، وانطوى في كل ذلك الهدف الذي بُني عليه خلق الإسلام، الذي يجمع البشر في جسد واحد إذا اشتكى من أجزائه بعضها تداعت له بقية الأجزاء,,.
والناس تحتاج إلى العودة إلى منابع الحق والخير,.
تحتاج إلى من يضع لها أسس التربية على مبادىء هذه المنابع،
تحتاج إلى من يدرِّبها على السلوك القويم، والصفاء الشامل،
تحتاج إلى من يُفَنِّد لها الفرق بين ما هو مقبول وما هو مرفوض من السلوك من الوجهة الإيمانية كي لا تختلط عليها الأمور في معمعة الحياة المادية العاصفة.
تحتاج إلى من يسقيها من معين القرآن، ومن يضع لها القدوة الحسنة، ومن يعلِّمها الصبر عند الاكتساب، والصبر عند الاحتساب,,.
الناس تحتاج إلى إعادة تكوين المجتمع المسلم القائم على الأخلاق الفاضلة، وحسن التعامل، وإدراك الجادة في الأمور السلوكية والتعاملية مع كل ما تفرزه الحياة.
الناس تحتاج إلى أن تعرف أن أكثر الذين يقربون من الجنة هم الأكثر رفقةً وحسن تعامل وسمو خُلقٍ، وأن أكثر الذين يقربون من النار هم الأكثر غلظةً وقسوةً وسوء تعاملٍ,,.
الناس,,.
آهٍ لو يدري كلُّ الناس أن الخُلق نظام سلوكي متكامل يرتبط الجزء منه بالآخر في حَلَقَةٍ واحدةٍ إن شذَّ منها جزءٌ انفرطت وتداعت.
ومع ذلك,.
لا يزال المجتمع المسلم بخير,, في كثير من أموره، ما حرص على الارتواء من المنابع الصحيحة وتمثل القدوة المثلى، وجعل القرآن مصدرَ سلوكه وخلقه،,,.
و,,, السلام عليكم، أمةَ الأخلاق.
|
|
|