دور العلماء في الدولة أثناء توحيد المملكة العربية السعودية د, محمد بن ناصر أبو حبيب |
للعلماء فضل معروف كما تواترت النصوص بذلك، قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (1) وفي الحديث: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) (2) ومن هنا كان العلماء من المساهمين فيما يعود للامة بالنفع في جميع عصورها ومن ذلك جهودهم الملموسة التي قاموا بها في هذه الدولة المباركة.
لقد رغب العلماء في وجود دولة اسلامية لتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتساعد العلماء على نشر الدعوة فاتخذوا جميع الاسباب الشرعية المساهمة في اقامة هذه الدولة ورد في الدرر السنية: (3) (عرفتم ان امر المسلمين لايصلح الا بامام ولا اسلام الا بذلك ولا تحصل المقاصد الدينية ولاتتم الاركان الاسلامية وتظهر الاحكام القرآنية الا مع الجماعة والامامة والفرقة عذاب وذهاب في الدين والدنيا), وعندما عرف العلماء من الملك عبدالعزيز رحمه الله الصدق في التوجه والصحة في الاعتقاد والرغبة في الحكم بما انزل الله افتوا بشرعية ولايته ووجوب مناصرته فتهافت الناس على ذلك.
فأصبح المؤمنون يرخصون انفسهم واموالهم في سبيل مناصرة هذا الامام طاعة لله ورغبة في دخول الجنة وهربا من النار فاصبح الحفاة العراة رعاء الشاة الذين كانوا يتقاتلون على مورد صغير ومرعى قليل اصبحوا اخوانا متحابين يتعاونون في نصرة هذا الامام ويتعاضدون في تنفيذ مشاريعه ورحم الله ابن خلدون عندما ذكر ان العرب لايخضعون الا لولاية دينية.
لقد استثمر الملك عبدالعزيز جهود العلماء في مجالات عديدة ليكونوا عونا له في جعل الناس يعملون بهذا الدين فقد استعان بهم في التعليم والقضاء وولاية الحسبة والافتاء وخطابة المساجد وامامتها والتعليم في المساجد ودور العلم وذلك الدعوة خارج المملكة وانشاء المدارس وطباعة الكتب بل وفي الصحافة والاذاعة فاشترك الجميع في اجر ذلك.
ومن اهم الامور التي اولاها العلماء عناية خاصة امر تصحيح المعتقد وتنقيته من لوثة البدع التي دخلت في الامة، فسلم للناس دينهم وصح لهم معتقدهم فاطمأنت نفوسهم وتوكلوا على ربهم فحقق الله لهم الامن في اوطانهم والرغد في عيشهم (فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) (4) كما دعوا الى طاعة ولاة الامر تحقيقا للنصوص الشرعية الواردة في ذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره) (5) فاستقامت احوالهم وزالت الفوضى التي تسود حياتهم.
كما حرصوا على اظهار النصوص الشعرية الواردة في الاخوة الاسلامية وما يجب للمسلم تجاه اخيه من القيام بحقه ونصرته وردعه عن الظلم وتحريم الاعتداء على الانفس والاموال والاعراض فانتهى عصر مرير مر على هذه البلاد كان السطو على الآخرين مجالا للتكسب ومدعاة للفخر ومجلبة للثناء فبدلا من التفاخر بالقبائل والتعصب لها اصبحوا اخوة متحابين يقابل الرجل قاتل ابيه واخيه فيقول: حيا الله اخوي، الاسلام يجب ما قبله (6) شعارهم (أنا أخو من اطاع الله) وينكرون على من يفتخر بقبيلته فهو من دعوى الجاهلية.
وهذا يذكرنا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه آخى بين المهاجرين والانصار.
ومن الجهود المشكورة لعلماء ذلك الزمان محاربة الغلو في الدين الناشىء عن الفهم الخاطىء فبذلوا الجهود العظيمة في محاربة ذلك والدعوة الى الاعتدال والقصد، ولقد زخر كتاب ( الدرر السنية في الاجوبة النجدية) برسائل عديدة (7) فيها الاجابة الشافية عن كثير من شبهات الغلاة في الدين حبذا لو وجد من يفردها وينشرها مستقلة.
لقد استخدم العلماء الفتوى في رفع الجهل عن الناس وتصحيح عقائدهم وربطهم برباط الاسلام وجعلهم يتعاونون في بناء هذا البلد الخير ورغبة في الاجر من الله مع جعلهم يتمسكون بهذا الدين في جميع امورهم وبالتمسك به تحصل سعادة الدنيا والاخرة.
لقد استعانت الدولة في ولاية الحسبة بالعلماء الافذاذ وممن لهم يد طولى في ذلك الشيخ/ عمر بن حسن، فكانوا يحرصون على ان يكون المظهر العام للمجتمع مطابقا للشريعة بحكمة تامة، فيعامل كل فرد بما يناسب حاله وكانوا يقومون بالجولات الميدانية للاطلاع والتوجيه والاخذ على ايدي السفهاء وحماية الحرمات وصيانة المجتمع من المحرمات.
ان الاعراف الجاهلية التي كانت سائدة بين الناس قبل الملك عبدالعزيز لم تحل مشاكلهم ولم تبعد النزاع عنهم فلما جاء الملك عبدالعزيز بتطبيق الشريعة صلحت احوال الناس، لقد وجد رحمه الله في العلماء خير عون على ذلك عندما ارسلهم للقضاء ليحكموا بشريعة الله بين عباد الله فتبدل الخوف المنتشر بامن لم تعرفه دساتير البشرية فظهر بذلك صلاحية هذه الشريعة للتطبيق في هذا الزمان بل ظهرت ميزة الشريعة ورفعة منزلتها في ذلك.
كان الملك عبدالعزيز رحمه الله حريصا على نشر العلم ومحاربة الجهل في انحاء هذه البلاد المترامية الاطراف فوجد في العلماء وطلبة العلم خير معين في ذلك فبعثهم للتعليم والوعظ والارشاد الى البوادي والقرى والهجر فانتفت اكثر تلك الجهالات المتفشية ليكون الجميع من طلاب العلم، حتى ان العامي من اهل هذه البلاد لديه القدرة على محاجة علماء غيرها.
كما ان للعلماء جهدا ملحوظا في التأليف فقد تتابعت مؤلفاتهم حتى ان بعض العلماء نسب اليه المئات من المؤلفات وقد جاء معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية في اربعة اجزاء ضخمة مما يدلنا على الكم الهائل من المؤلفات.
وللعلماء جهد بارز في التوجيه العلمي العام بانشاء المكتبات العامة ومن ذلك ماقام به الشيخ محمد بن عبداللطيف من انشاء مكتبة في الرياض (8) وما قام به الشيخ عبدالرحمن بن سعدي من انشاء المكتبة الوطنية بعنيزة عام 1360ه (9) .
لقد وجد في ذلك العصر علماء ينتمون لبلاد اخرى غير هذه البلاد لهم اهواء خاصة حاولوا محاربة هذه الدولة الناشئة بالتشكيك في معتقدها والتهويل في حوادثها بنسبة امور لم تقع إليها واخفاء محاسنها في الصحف والكتب والمناهج الدراسية فتتابع العلماء في رد هذه الافتراءات وبيان الحق ودحض الباطل وكان من انشطهم في ذلك العصر الشيخ سليمان بن سحمان (10) فله اكثر من (30) كتابا في ذلك.
وليعلم بان هذا الدور العظيم لم تظهر ثمرته الا عندما هيأ الله له هذا القائد العظيم والمربي الفاضل الملك عبدالعزيز فكان رحمه الله عونا للعلماء في نشر هذا الدين والدعوة الى سبيل الله بل سخر الامكانات الهائلة لتحقيق الاهداف الخيرة التي تسعى الدولة اليها.
فأسأل الله للجميع المغفرة ورفعة المنزلة في الجنة كما أسأله سبحانه ان يبارك في جهود علماء زماننا كما بارك في جهود علماء ذلك الزمان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
***
(1) سورة المجادلة آية (11).
(2) أخرجه بو داود (3636) والترمذي (2682) وابن حبان (88) وصححه.
(3) ج 7 ص 246.
(4) سورة قريش آية رقم 3 4.
(5) اخرجه ابن ماجة (2864) بسند صحيح.
(5) الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز 1/148د.
(6) انظر أمثلة ذلك في الدرر السنية الجزء السابع من 280 350.
(7) انظر في جريدة أم القرى عدد 142 كلمة للملك في تدعيم الحسبة واهلها.
(8) روضة الناضرين 469/2 الاعلام 6/218.
(9) روضة الناضرين 1/224.
(10) انظر علماء نجد للبسام 1/281.
|
|
|