Thursday 9th December, 1999 G No. 9933جريدة الجزيرة الخميس 1 ,رمضان 1420 العدد 9933


الصحافة تتهمة بالصمت والغضب
هارولد بنتر,, خمسون عاماً من الإنجاز المسرحي المذهل
رضا الظاهر

كتبت امرأة، ذات مرة، الى الكاتب والمخرج المسرحي البريطاني هارولد بنتر تطلب من تفسيراً لمسرحية (حفلة عيد الميلاد), وقالت في رسالتها: (هذه هي النقاط التي لا أفهمها: 1- من هما الرجلان؟, 2- من أين جاء ستانلي؟, 3- هل يفترض ان يكونوا طبيعيين؟,, من المؤكد انك ستقدر انه بدون إجابات على هذه الاسئلة لا استطيع ان افهم مسرحيتك على نحو كامل), فأجابها بنتر قائلاً: (هذه هي النقاط التي لا أفهمها: 1- من أنت؟ 2- من أين جئت؟ 3- هل يفترض ان تكوني طبيعية؟,, من المؤكد انك ستقدرين انه بدون اجابات على هذه الاسئلة لا استطيع ان افهم رسالتك على نحو كامل).
ويكشف هذا الجواب جانباً من المنهج الابداعي لهارولد بنتر الذي يجمع النقاد على انه واحد من اعظم كتاب المسرح المعاصرين في العالم, فالصلة بين الحياة والعمل، بالنسبة له، سهلة الرسم، ولكنه لا يفضل رسمها, ان لديه نظرة صوفية لفعل الابداع الفني، وتنطبق الكلمات الاولى في كتابه (اصوات مختلفة) على نظرته الى الفن, فهو يعترف بأن الفن العظيم، شأن الحياة، يقاوم التحليل, ويأتي صدور هذا الكتاب، مؤخراً، متوافقاً مع مرور خمسين عاماً على بدء عمل بنتر في المسرح، كما يشهد العام القادم عيد ميلاده السبعين, ويتضمن الكتاب ذكريات، وتأملات، ورسائل، وخطابات، وقصائد، وموضوعات مثيرة للجدل، كتبها بنتر خلال السنوات الخمسين من سيرته الابداعية.
ولد بنتر عام 1930 في شرق لندن, وعانى من آلام الافتراق عن عائلته، والخوف من المستقبل المجهول, ولكن طفولته منحته امتياز الابن الوحيد, ويقول بنتر: (كنت قريباً من والديّ، وخصوصاً أمي, كان ابي متقلباً، سريع التأثر، لكنه طيب القلب, كان خياطاً يعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم، ولذلك لم أكن ألومه على سرعة غضبه, ورغم انني كنت الطفل الوحيد في العائلة، كنت جزءاً من عائلة كبيرة جدا، إذ كان لدي الكثير من الاعمام والاخوال وابنائهم وبناتهم).
وبدأ ينتر نشر الشعر في الصحف والمجلات الدورية قبل بلوغه سن العشرين، ثم تحول الى ممثل محترف, وعرضت مسرحيته الاولى (الغرفة) عام 1958 في لندن، وكان اول انجاز فني متميز في سيرته المتواصلة حتى الآن، والتي تضمنت كتابة واخراج العشرات من المسرحيات الرائعة، فضلاً عن كتابة سيناريوهات أفلام بينها (البحث عن الزمن الضائع)- 1978، و(زوجة الملازم الفرنسي)- 1982, ومن خلال هذه الانجازات تجلت موهبة بنتر في التصوير، والحوار البارع الذي يضيء ظلام الكلام العامي، وصعوبات التواصل، والطبقات المتعددة لمعنى اللغة، والتوقفات والصمت، مما خلق اسلوباً متميزاً سمته المخيلة الشعبية (أسلوب بنتر)، وباتت موضوعات بنتر- التهديد المجهول، الفانتازيا المثيرة، الاستحواذ والغيرة، الكراهيات العائلية، والقلق الذهني - موضوعات معروفة.
ومن المعروف عن بنتر انه يتذمر من تصوير الصحافة له باعتباره غاضباً وغير صبور، ويرد على ذلك بالقول: (لا اعتقد انني مغرور, فالغرور يعني الطموح، ولكنه يعني، ايضاً، اللامبالاة بوجهات نظر الآخرين، لست طموحاً، على الأقل، ولم اكن كذلك، وانا لا ادوس بخطواتي على الناس, ان صورتي العامة هي، الى حد كبير، تلك الصورة التي قدمتها الصحافة، وهي صورة هارولد بنتر الذي اختاروا خلقه), ويضيف بنتر قائلاً: (انني مستعد تماماً للاعتراف بأنه كانت هناك ازمة في الماضي تدفعني الى الانفجار، احياناً بشكل مبرر، واحياناً أخرى بدون مبررات, ولكن معظم هذه الاحداث كان قبل عشر سنوات على الاقل، ولم يعد هذا الشيء يلازمني، واذا ما ظهر فإنه نادر جداً).
وإذا كان هناك شيء ما يجعل بنتر غاضباً بالفعل فهو الحديث عنه باعتباره غاضباً على الدوام, فذلك، كما يعتقد، نوع من عملية التهميش له, ان احدى الاساطير التي تحيط بشخصية بنتر هو انه لا يتحدث الى الصحفيين, ويمكن اعتبار المقابلات معه (نادرة)، وهو امر يتسم بالغرابة، ذلك انه شخص يستمتع بالحديث والحوار، رغم انه لا يميل الى تفسير عمله, وعن ذلك يقول: (كل ما تفعله المسرحية موجود فيها), ولكنه يتحدث في اطار عام عن عمله، ولا يبخل باعطاء وقت للآخرين، وهو، بالتالي، بعيد عن الصورة الواقعية التي ترسمها له الصحافة كما يؤكد كثير ممن يعرفونه عن قرب, ومن المعروف عن بنتر انه يكتب سريعاً, فمعطياته تحفزه على التقاط قلمه والوصول الى اوراقه ذات اللون الاصفر التي يستخدمها للكتابة دائماً، ليبدأ عمله, انه يثق بالالهام الاول، ويفضل الا يبقى ينقح ما كتبه الى ما لا نهاية, وفي شهر آب/ اغسطس الماضي أخذ اوراقه الصفراء في عطلته السنوية الى منطقة دورسيت، وبدأ هناك، كتابة مسرحية ساخرة يعتقد ان تقديمها على المسرح يستغرق اربعين دقيقة، وقد انهى كتابتها في ايلول/ سبتمبر الماضي، فأحس بابتهاج شديد, ويقول عن ذلك: (لقد ادهشتني, فقد بدأت الكتابة فيها قبل اربعة اشهر ثم توقفت, وعندما كنت في دورسيت نهضت من جديد- كان البحر هائجاً، والامواج تتكسر، كان ذلك يجعلني اضحك، وقد كنت سعيداً جداً -) ويقول بنتر انه عندما لا يكتب يشعر بانه (منفي عن نفسه), وقد عرف فترات كئيبة لم يستطع الكتابة فيها, ان رفضه البحث عن جذور إلهامه وتفسيرها يمكن ان يكون مخيباً لآمال جمهوره، ولكنه لا يهتم بذلك كثيراً، وقد كتب ذات مرة الى احد المخرجين يقول: (هل يستوعب الجمهور الدلالات أم لا؟ اسأل الحلاق عن ذلك), بل انه كان أكثر وضوحاً بشأن العلاقة مع الجمهور في مقابلة اجريت معه عام 1993، وفيها قال: (كمخرج اعطي الممثلين ملاحظة في نهاية الملاحظات الاخرى: انسوا الجمهور, ويعرف كل ممثل ما الذي اعنيه, فإذا ما اراد امرؤ ان يحبه الجمهور فإنه ينتهي, وعندما يكون الجمهور جيداً وذكياً، فإنني احبه كما يفعل اي انسان, ولكن على المرء ان يتخد موقفاً واضحاً، ويخاطب الجمهور قائلاً: ستأخذون ما نمنحه لكم وليس ما ترغبون به, لابد وان يكون هناك من هو مسؤول عن المشروع المسرحي، ولابد ان يكون العمل نفسه مسؤولاً).
ويلمح بنتر، احياناً، الى انه لا يكتب العمل، بل ان العمل هو الذي يكتبه, ويساعد ذلك، ايضاً، على تفسير الفترات الطويلة التي تفصل بين المسرحيات خلال السنوات العشرين، والصعوبة المتزايدة في الكتابة, ويتعين على بنتر ان ينتظر المعطيات، والصورة التي تقدح زناد الفكر وتدفق تيار الوعي, والكثير من هذه المعطيات مستمد من طفولته، ومن سنوات صباه المتألقة، والسنوات الصعبة في الخمسينات، وزواجه من فيفيان ميرتشانت التي انفصل عنها عندما التقى انطونيا فريزر عام 1975.
ولم يكن المحتوى وحده هو الذي تأثر بأيامه الاولى، بل الاسلوب، ايضاً، موسيقى كتابته، واللعب المبهج بالكلمات, ويقول بنتر متحدثاً الى الناقد المسرحي الاميركي ميل غيسو عام 1993: (في شرق لندن حيث نشأت كانت المنطقة جزءاً نشيطاً، حياً من العالم, فكثير من الناس، هناك، يتحدثون كثيراً وبسرعة).
وظهرت هذه الحيوية واضحة في مسرحياته الاولى, وحتى في المسرحيات المليئة بأجواء اليأس نجد الحيوية وروح الكوميديا، ووسط ذلك نجد الشغف باللغة، وخصوصاً لغة الشعر الذي يجله بنتر ويقدمه على مسرحياته.
وعند تسلمه جائزة أدبية عن انجاز حياته عام 1995 تحدث بنتر عن المتعة الشفافة للكتابة قائلاً: (انني واع تماماً بانني وصفت، في بعض المجالات، باعتباري مبهماً، صموتاً، مهذباً، شائكاً، سريع الغضب، ميالاً الى التحريم, حسناً، ان لدي حالاتي المزاجية شأن أي شخص آخر، وأنا لا أنكر ذلك, ولكن حياتي في الكتابة ظلت مفعمة بمجموعة مختلفة تماماً من الخصائص التي لا علاقة لها، بأي شكل كان، بالاوصاف التي اطلقت عليَّ, وببساطة شديدة كانت حياتي في الكتابة حياة استمتاع، وتحدٍ، وإثارة).

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved