Thursday 2nd December, 1999 G No. 9926جريدة الجزيرة الخميس 24 ,شعبان 1420 العدد 9926


نصف قرن على رحيل مارغريت ميشيل
كيف وجدت ذهب مع الريح طريق النشر؟
رضا الظاهر

ظلت قصة رواية ذهب مع الريح ومبدعتها الأمريكية مارغريت ميشيل مصدر متعة وإثارة وتساؤلات لأسباب عديدة لعل من بينها أن الرواية هي الوحيدة لكاتبتها التي لا يعرف عنها الكثير، وانها تحولت إلى فيلم لم يكن هو الآخر أقل شهرة، كما أن ظروف نشر الرواية كانت ظروفاً غير مألوفة.
فرواية ذهب مع الريح ليست فقط قصة الحب التي أضاءها الفيلم الذي تقاسم دور البطولة فيها ممثلان كبيران هما: كلارك غيبل وفيفيان لي، وإنما هي أكثر من ذلك، انها ملحمة عن الجنوب القديم، والحرب الأهلية الأمريكية، ومصير سكارليت أوهارا، الفتاة البالغة ستة عشر عاماً، التي واجهت مصاعب الحرب، وعانت من الأهوال، وأفلحت، أخيراً في العمل على اعادة بناء الجنوب.
ولدت مارغريت ميشيل عام 1900 في ولاية أتلانتا, كان أبوها محامياً بارزاً ورئيساً للجمعية التاريخية في الولاية، وكانت أمها من الشخصيات البارزة في حركة المطالبة بحقوق النساء في الاقتراع، وبعد أن أنهت مارغريت دراستها في مدرسة واشنطن المحلية بدأت، عام 1918، دراسة الطب في كلية سميث، وفي شبابها تبنت أفكار أمها التحررية التي تصادمت مع أفكار أبيها المحافظة، الأمر الذي جعلها تعيش مستقلة عنهما, وعندما توفيت أمها عام 1919 عادت إلى البيت للعيش مع والدها وشقيقها والعناية بهما، وفي عام 1922 تزوجت بيرين كينارد أبشو، وكان الزواج كارثة انتهت عام 1924, وفي العام ذاته بدأت, بدأت مارغريت عملها كصحفية تحت اسم بيغي ميشيل، وكانت تكتب لصحيفة أتلانتا، وبعد أربع سنوات تركت العمل بسبب اصابة في كاحلها, أما زوجها الثاني روبرت مارش، الذي كان يعمل مديراً للاعلانات، فقد شجع طموحاتها في الكتابة وجلب لها آلة كاتبة تستخدمها في عملها.
وفي عام 1926 بدأت مارغريت ميشيل كتابة ذهب مع الريح ، وكانت تربط القصص عن الحرب الأهلية التي سمعتها في فترة طفولتها بالمعطيات التاريخية التي توفرت لها، فكانت المحصلة رواية بألف صفحة لم تنشر إلا عام 1936, وقد كسر العمل الأرقام القياسية للمبيعات، وحصل عام 1937 على جائزة بوليتزر وهي أهم جائزة أدبية أمريكية، ورغم ان الرواية جلبت لميشيل الشهرة والثروة، فإنها لم تجلب لها الكثير من البهجة، فقد ظل الجمهور والصحفيون يلاحقون الكاتبة وزوجها اللذين كانا يعيشان حياة متواضعة، ونادراً ما يسافران.
كانت مارغريت ميشيل خلال سنوات الحرب العالمية الثانية متطوعة تبيع سندات الحرب، وعملت في الصليب الأحمر الأمريكي في سنوات الأربعينات، وحصلت على لقب مواطنة شرف في مدينة فيموتييه بفرنسا عام 1949 لمساعدتها المدينة في الحصول على المعونة الأمريكية بعد الحرب، وقد توفيت ميشيل في أتلانتا في السادس عشر من آب/ أغسطس 1949، اذ صدمتها سيارة مسرعة فأودت بحياتها.
ولكن ما هي تلك القصة غير المألوفة لنشر الرواية؟
ظلت مارغريت ميشيل تعمل في روايتها الوحيدة منذ عام 1926 ولفترة عشر سنوات تقريباً, وكانت إحدى صديقاتها، وهي لويز كول، تعمل محررة في مؤسسة ماكميلان للنشر، وقامت باخبار نائب رئيس المؤسسة هارولد لاثام حول الكتاب قائلة: لم يقرأه أحد سوى زوجها، ولكن اذا كانت تستطيع الكتابة بالطريقة ذاتها التي تتحدث بها، فلابد أن يكون كتابها رائعاً .
وفي نيسان/ إبريل من عام 1935 بدأ لاثام رحلة أدبية عبر الولايات المتحدة استمرت ثلاثة أشهر بحثاً عن كتاب جدد بدأها بولاية جيورجيا، والتقى مارغريت في حفل غداء أقيم على شرفه في نادي أتلانتا الرياضي.
وسألها لاثام ما إذا كان بوسعه أن يقرأ مخطوطة روايتها, كانت مارغريت مبتهجة بهذا الاطراء، لكنها كانت تعرف الوضع المروع الذي كانت عليه المخطوطة، فقد بهت لون ورقها الأصفر، وكان هناك الكثير من الهوامش والتعديلات بالقلم الرصاص, كما كانت لديها نسخ مختلفة من بعض الفصول، ولم تكن قد أكملت كتابة الفصل الأول من الرواية، وبسبب شعورها بالاحراج، أنكرت أن لديها ما تعرضه عليه, ومع أنه منحها أكثر من فرصة لإنجاز مشروعها، كانت ترفض مناقشة الأمر في كل مرة، ولكنها كانت تعده بأن يكون أول من يطلع عليه عندما تكون مستعدة لعرضه على أحد , وكانت تفكر بأن هذا الاحتمال بعيد الحدوث، ولكن ما حدث، فيما بعد، غير موقفها كما غير حياتها إلى الأبد.
فعند عودتها إلى البيت من لقاء لتناول الشاي، كانت مارغريت وعدد من الكتاب الطموحين يتحدثون عن الأماسي الأدبية، وقد سئلت عن سبب عدم اعطائها كتابتها إلى السيد لاثام, واعترفت مارغريت بأنها تعتقد ان كتابتها لم تكن جديرة بمثل هذا الموقف وانها تشعر بالحرج منها.
وخلال ذلك الحوار اشارت احدى الكاتبات الى انها لا تعتقد ان مارغريت تنظر إلى الحياة بما يكفي من الجدية لتكون روائية ناجحة، وخاطبت مارغريت قائلة: لقد رفضني أفضل الناشرين، مع أن كتابي كان رائعاً، ويقول الجميع انه سيحرز جائزة بوليتزر، ولكنني أعتقد انك تبددين وقتك في محاولتك .
وقد أثار هذا الموقف غضب مارغريت، وظل هذا الغضب يلازمها عندما وصلت إلى البيت، فما كان منها إلا أن تناولت كل ما وقعت يدها عليه من أوراق المخطوطة ناسية بعض المغلفات الموجودة تحت السرير وفي الدرج, ثم توجهت، مسرعة، إلى الفندق الذي كان لاثام يقيم فيه، وكان على وشك المغادرة للحاق بقطاره، فأمسكت به، وسلمته المخطوطة، واذ لم يكن لديه متسع في حقائبه لمثل هذه المخطوطة، اضطر الى شراء حقيبة ليحمل هذا الركام من المغلفات التي جاءت بها مارغريت.
وعندما هدأت مارغريت أدركت انها فعلت ما كان ينبغي فعله، أما لاثام فقد كان في ذلك الوقت مستغرقاً في قراءة المخطوطة وهو يستقل القطار المتوجه الى نيو أورليانز.
وبهذه الطريقة وجدت ذهب مع الريح طريقها إلى عقول وقلوب الملايين من القراء في مختلف أنحاء العالم، وتحولت إلى كتاب كلاسيكي اجتذب كل من قرأه، ودخل كنز الروايات الجميلة في القرن العشرين.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved