Thursday 2nd December, 1999 G No. 9926جريدة الجزيرة الخميس 24 ,شعبان 1420 العدد 9926


خيول ومربعات
الموسيقى,, وقصيدة التفعيلة
علي الدميني

ضمن اي افق تم تجاوز التعريف النقدي القديم للشعر بأنه كلام موزون مقفى له معنى ؟
هل تم في سياق تجذير صورة المعنى؟
ام تم بتجاوز الوزن والقافية واطراح الموسيقى؟
من الواضح، تاريخياً، انه قد تم تجاوز ذلك التعريف في مساحة الصراع بين رؤيتين نقديتين اولاهما محافظة ممثلة بالآمدي وتياره صاغت رؤيتها لذلك التعريف على اكمل وجه فيما حدده المرزوقي لمقومات عمود الشعر في مقدمته لديوان الحماسة لأبي تمام ، فيما رأت الثانية ممثلة بأبرز نقادها الجرجاني ان التجاوز يتم بالمضي في تفتيق شعرية المجاز ، واعتماده لغة للشعر وقرينة للشعرية افضت الى منجزه المدهش في كتابيه دلائل الاعجاز واسرار البلاغة وهذه الرؤية نظرت الى ان المجاز يعمل عمل السحر في تأليف ما يختلف، وكأنه يختصر البعد بين المشرق والمغرب، ويرينا الاضداد ملتئمة، ويأتينا بالحياة والموت مجتمعين، والماء والنار مجتمعين بحسب تعبير القاضي الجرجاني,.
وعلى مشارف هذه الرؤية النقدية الثاقبة المؤسسة لشعرية اكثر ارتباطاً بتطورات عصرها وتفاعلاً مع تحولات الحواضر العربية، كنوى لمجتمعات مدينية، يتم اختمار التجارب الشعرية المجددة والمفارقة للتجربة السابقة على ايدي مجموعة من الشعراء امثال أبي تمام وأبي نواس والمعري وسواهم.
وهناك تشكل في حضن حاضرة الدولة شاعر حديث قطع رابطته مع القبيلة ومسار الترحل، ووصل علاقته بالدولة والمدينة,, وبرغم انسلاخ الشاعر من فرادة وفردية صوته الشعري وتحوله الى شاعر يتكسب بشعره الا ان هذا المناخ طور آلية الاداء الشعري وفتح للمجاز وبلاغته ابواباً جديدة هامة تأخذه باتجاه الكتاب والثقافة المكتوبة, بيد ان جملة تلك المتغيرات لم تستطع ان تزيح الموسيقى عن بنية النص الشعري، فبقيت الموسيقى عنصراً اساساً من عناصر مكونات الشعرية لارتباطها بتراث القصيدة، والطقس، واللغة، والسحر، والحافظة السمعية في غياب الكتاب، ثم بما يولده الايقاع من متعة وجاذبية في سمع وقلب المتلقي ورغم عمق التجربة الصوفية التي انشغلت على اللغة الصافية من ايقاعها، والغوص في احتمالات المجاز الذي ليس له ماض ولا نهاية، الا انها بقيت تجربة معزولة ولغة سرية محصورة في نطاق تداول مريديها، ذلك ان الظاهرة الشعرية لا تصبح كذلك الا حين تخرج من حصون عزلتها وتقتحم السياق الثقافي لتحتل موقعها ضمن نسيجه وحركته لتكتسب طابعها الجمعي ومشروعيتها، وذلك مالم يكن لهذه التجربة، من ناحية موضوعية تتصل بآليات انتشار الثقافة.
لذا يمكننا ان نرى الى الموسيقى كأداة مهمة في مجمل اداوت الفاعلية النصية للقصيدة، فالنظم موسيقى تطرب من تلقاء نفسها, كما تدل على ذلك المتعة التي نجدها في الاستماع الى ابيات لغة نجهلها كما يقول كوهين في كتابه بنية اللغة الشعرية.
وقد مر الكثيرون, وأنا منهم، بتجربة الانصات للغة شعرية نجهلها وجدت التفاعل مع ايقاع النص لأنه انشاد/ وغناء، كما حدث معي العكس حين قرأت قصائد تفعيلية في ملتقى يحضره بعض الذين لا يعرفون العربية، وفوجئت بهم يبدون اعجابهم بموسيقى النص رغم عدم معرفتهم للغة العربية.
لذلك وكما يقول كوهين ايضا في كتابه الآنف الذكر بأن العملية الشعرية تجري في مستوى اللغة معاً: المستوى الصوتي والدلالي، وان الخطوة، ولا ريب، للمستوى الدلالي.
ويشهد لذلك ان القصيدة الثرية موجودة شعرياً في حين ان النظم الحرفي الصوتي ليس الا وجود موسيقى فحسب، فيمكن للشعر ان يستغني عن النظم، ولكن لماذا يستغني عنه؟
ان الفن الكامل هو الذي يستغل كل ادواته، والقصيدة النثرية باهمالها للمقومات الصوتية للغة تبدو، دائماً، كما لو كانت شعراً أبتر فالنظم اذن من مقومات العملية الشعرية .
حقاً ان قصيدة النثر موجودة شعرياً، وتعبر عن محصلة محاولات تاريخية سابقة كما تعبر اليوم عن وجود وحساسية اخرى تستجيب لمعاني التغير الآتي او المعاصر.
وحقاً ايضاًان النظم يحد من تدفق الشحنات الشعرية ويقلل من انتاج عفويتها وقدرتها على دمج كل اشياء العالم في كلمات النص.
ولكن الحق ايضاً ان الموسيقى في قصيدة التفعيلة اداة ايقاعية تضيف للنص ابعاداً تأثيرية كبيرة، وانه اذا استطاع شاعرها المتمكن من اخراجها من بعض إشكالات نمطيتها اللغة، الصورة، المرجعية، النشيد ، فانها ستبقى وستغدو اكثر فاعلية في حيز الاداء الشعري من غيرها.
لماذا؟
لأنها انفتحت حساسية شعرية تعمل على الكشف عن عالم يظل ابداً في حاجة الى الكشف بحسب رينيه شار.
ولأنها تمتلك حرية التدفق الشعري بامتلاك لعبة فتح تفعيلة الشطر البيتي كما تشاء وتحويل قيد الوزن والقافية الى جمالية اختيارية تغني الايقاع العمودي لا الافقي للنص الشعري.
وهي في مناخ هذا الصنيع تعيد بناء بيت الحرير الذي يربطنا بتاريخ ونكهة الذاكرة، فيما تنتج في الآن ذاته مناخاً ايقاعياً مضافاً لشعرية النص، يجعلها اكثر تواصلاً مع القارىء ومحافظة على رابطة الشاعر/ المتلقي التاريخية فتغدو بذلك ممارسة شعرية طقسية بهية الحضور في زمن الكتاب والثقافة المكتوبة.
وهنا اسمح لنفسي بالاشارة الى امسية شعرية اقامها ادونيس مؤخراً في البحرين والى قراءته للعديد من النصوص التي تعبر عن تجربته في شعر التفعيلة فقط دون قراءة اي نص من قصائده النثرية التي يعد رائداً عربياً لها.
فهل كان بذلك يشير الينا للمحافظة على تجربة الايقاع في شعرنا؟ ام ان الامر كان مجرد حسابات مكانية فقط؟
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved