Thursday 2nd December, 1999 G No. 9926جريدة الجزيرة الخميس 24 ,شعبان 1420 العدد 9926


نحن,, وقبل المابعد
عبدالعزيز عاشور

من حيث أول معرض لما بعد الانطباعية 1910م والذي اشترك فيه بيكاسو وماتيس وبراك وكان يحض على الاستقلالية في الفن اكثر من كونه يطرح فكرا (للحديث) ومن الربع الاول للقرن العشرين ذروة (الحداثة) في موطنها، ومن حيث حضور تلك (المفاهيم) عند طليعة الثقافة العربية بصورة عامة، وعند طليعة الفن التشكيلي في محترفاتنا العربية بصورة خاصة.
هل يمكننا ان نعيد الدعوة الى الحوار في قضية التعاطي مع (مصطلح وجوهر) فن الحداثة باعتبار ذلك المصطلح رغم كونه لايخلو من مشكلات تتعلق بالتقويم والتعريف لازال اكثر انفتاحا ورحابة وسعة ويمكن تشكيله وتنميطه والتعاطي معه وفقا للمعطيات والتحديات التي تفرض على مناخ خطابنا البصري اينما كان والذي بات من حقه تجاوز تلك المفاهيم المكابرة التي طرحها الغرب منذ العشرينيات وتلقفناها بكونها تسحق ما قبلها وتنزع الى اعتبار (الذات) خاصة المتطرفة واستقلالها شرطا أساسيا للدخول في الفن، كما اعتبار هذه الحداثة ادعاء الحقيقة الوحيدة للفن.
وهل يمكننا ان نعيد الدعوة ذاتها بعيدا عن ذلك الافراط والتكرار المألوف في غير مكان ظلت ولازالت تقتضيه معطيات تلك الحداثة باعتبارها تبعية وانجرار اعمى وراء اغراءات يجب التسليم بها والخضوع لها كسلطة تمارس سطوتها علينا وتضعنا في موقع المغلوب على امره.
ربما قد يكون من المفيد طرح ما هو ابعد من تلك التساؤلات التي قد تخدم ثقافتنا البصرية بالطبع علىالرغم من انه ينبغي بنا الا نفصل خطابنا الثقافي البصري عن خطاب الثقافة الاكثر شمولا للعلوم والمعارف الانسانية ذلك ان حاجة الخطاب البصري في هذه المرحلة الى مثقفي الطليعة العربية منذ الستينيات التي غاب معظم رموزها اليوم بات امرا ضروريا وملحا اكثر منه بالامس .
لهذا قد لا يبدوا مقبولا حضور خطابنا الثقافي ايا كان مجال اختصاصه منفصلا مجزءا كما لم يعد جسد تلك الثقافة يحتمل صورة كهذه معلولة يسهل اختراقها وانسياقها وراء مغريات وصراعات لم تنته فصولها بعد.
لهذا يحدونا امل في تحقيق ذلك كما هي بعض آمالنا العصية غالبا على التحقق.
ان هناك اكثر من مبرر لمطلب كهذا قد يرى فيه نفر انه ليس محل معالجتنا ربما يصدق قول كهذا غير انه قد يكفينا للوهلة لكي لا يتشعب بنا الموضوع مبرر واحد هام أخذ يلح عليه في الاونة الاخيرة جميع المتعاطين مع مختلف اشكال الثقافة وهو الحوار مما يكاد يكون متفقا عليه حتى في خطابنا البصري الراهن الذي نحن بصدده.
هذا الحوار الذي اخذ يتشكل بالحاح في الخطاب البصري يتكئ على كثير من المعطيات الحداثية التي ولدتها حساسية التراكمات البصرية اولا والمعرفية والنظرية ثانيا ثم ما تكشفت عنه اتساع نواظم وخصائص العمليات الابداعية البصرية المتحققة في المحترفات العربية والتي باتت تتسم بالزخم من جهة والكيف الناضج المصحوب بمرجعيته الزمنية المكتسبة من جهة ثانية والتي ولدتها عوامل ترزخ في جغرافيتها منذ الستينيات وهي في تزايد مما قد يكفل لها حق استشفاف وتنميط خصائصها (البصرية) التي قد تصيغ بنيتها الحداثية بعيدا عن تلك الحداثة التي تسعى الى الهيمنة والغطرسة والاحتواء والتفرد وبعيدا عن العدائية التي تسعى الى القضاء على الجمالية البصرية التي كان بعضنا يمارس طقوسها بالامس ولازال بعضنا الاخر متمسكاً بها.
ان ثمة عوامل تجعلنا نتفاءل بتجسيد صورة اولية لتلك البنية (البصرية) تتمثل في استعادة صورة تلك المتغيرات والتحولات التي طرأت ولازمت ولاتزال تلازم جسد محترفاتنا البصرية منذ نشأة الفن الحديث تلك العوامل التي اصبح بعضها نمطيا في الحياة والتي لابد ان بعض متعاطي خطابنا البصري استفادوا منها وبحثوا في جوهرها وعملوا على انتزاع ما يتلاءم مع معطياتهم وتصوراتهم واغراضهم البصرية وشكلوا منها جسرا للتواصل والتألق حتى باتت ابداعتهم تسقط تلك النظرة المسبقة على اساس (التبعية) التي غالبا ما توصم بها منجزاتهم دون النظرة الى حساسيتها البصرية الابداعية التي تستأسد بتألق في غير محفل دولي وتنال حقها المعنوي الطبيعي دون ادعاء او زيف.
ان اسقاط منحي (التبعية) بات في اعتقادي ضعيفا في جوانب الحداثة البصرية الناضجة في محترفاتنا العربية بل ان الاخذين بها ليسوا على حق في هذا التقدير بالقدر الذي يظنون ثمة معطيات بصرية حداثية متفق عليها اليوم باتت متأصلة في جذورها بفعل تمتعها بأدواتها الظرفية، والمكانية والزمانية ولا اظن ان لاحد ما بعينه الحق في امتلاك البت في تقدير نتائجها كما لم يعد له حق بغضها او نفيها او التقليل من شأنها، ولعله من المستغرب بعد كل هذا التراكم الزمني المتوغل في معطيات محترافتنا العربية ان يكون هناك من يذهب الى اعتبار تلك التجارب المتقدمة مجرد آلة تقنية لا يمكن على اية حال تكبيرها او تحسينها اكثر مما هي عليه حتى لو كانت بممارسات شاعرية.
ولعل ما ينبغي تداركه في تقديري لتلك المعطيات الحداثية الا يذهب اصحابها بعيدا في تطرفهم المنغلق على اعتبار نزعة استقلال الذات شرطا اساسيا للفن الاصيل لقد اثبتت معظم النتائج سلبيات تلك الحجة التي تنزع الى الفوقية والغطرسة ولذلك فمن الاهمية بمكان التعامل مع تلك المكتسبات بحذر وتواضع جم كلما جانب الحديث منجزا بصريا تتحقق فيه تلك الشروط.
ولعل هذا يكفل لنا ان ننفتح على معطيتنا بدلا من خنقها وهجرها وادارة ظهورنا لها وفضلا عن ذلك فقد يتحقق لنا ذلك الحوار المنشود عند توالد معاييرها من رحمها بعد اختبارها ونقدها ومن ثم قد نبدأ بالفعل حوارا حقيقيا قد يكسر دائرة الاحتكار التي يستأسد بها الغرب.
هوامش:
* ورقة مقدمة للندوة الدولية الموازية لبينالي الشارقة الدولي الرابع للفنون الشارقة 1999م.
* قبل المابعد, اسم المعرض الذي اقامه كاتب المقال 5 اكتوبر 1998م جدة.
** تشكيلي سعودي من جيل الوسط يمارس الفن كهواية لم يتحصل على دراسات متخصصة في الفن.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved