Friday 26th November, 1999 G No. 9920جريدة الجزيرة الجمعة 18 ,شعبان 1420 العدد 9920


علماء الأمة الإسلامية يؤكدون لـ الجزيرة
حقوق الإنسان في الإسلام تنبني على المساواة والحرية

* كتب - المحرر
يحاول اعداء الاسلام تلفيق الكثير من التهم الجائرة التي تنعت الاسلام بضياع حقوق الانسان وانتهاكها، وقسوة احكام الشريعة الاسلامية، في نفس الوقت الذي تنتهك فيه حقوق الانسان علناً من خلال سياسة الكيل بمكيالين خاصة فيما يتعلق بمصالح القوى الكبرى التي تسيطر على مقدرات الشعوب في هذا العصر.
الجزيرة التقت عدداً من علماء الامة لالقاء الضوء حول قضية حقوق الانسان، وموقف الاسلام منها.
الخصوصية الإسلامية
بداية اللقاء كانت مع معالي المستشار بالديوان الملكي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الذي تناول القضية بوضع ما يدعيه اعداء الاسلام من شعارات زائفة ومبادىء وقيم منحرفة تحت مسمى حقوق الانسان في ميزان الاسلام فتوزن به، حتى يسهل تمييز الخبيث من الطيب في الافكار والاعمال، وحتى يعرف المسلمون حقيقة ما يعرض عليهم، ويميزون ما ينفعهم فيستفيدون منه، وما يضرهم في دينهم ودنياهم فيعرضون عنه فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض الآية.
وقال معاليه: ولنبدأ بنشأة فكرة حقوق الانسان التي نبتت في داخل القارة الاوروبية، واستخدمت بالفعل في تحرير الانسان الاوروبي من طغيان الحكام وتحكم رجال الكنيسة، وباستقراء التاريخ نجد ان هذا التحرير لم يشمل تلك الشعوب التي كانت تخضع للاستعمار الاوروبي في العصر الحديث، والتي لاقت ولا تزال من المظالم والاستبداد كل ما يتعارض مع مبادىء حقوق الانسان، وقد لمس العالم كيف تختلف المفاهيم، وتزدوج المعايير، وتتراجع حينما تتعارض مع مصالح كثير من الدول الكبرى واهدافها السياسية ضد الدول النامية.
واشار معالي الدكتور التركي الى ان مواد هذا الميثاق العالمي، ونصوصه مليئة بالكثير من المعايير والتجاوزات الانسانية التي لا يمكن ان تظفر بالاحترام، والتي ادت الى انتشار الرذيلة والجريمة والمجون مثل: اعتبار عقوبة الاعدام انتهاكاً لحقوق الانسان، وحق المرأة المطلق في تكوين اسرة بعيداً عن الضوابط الدينية، واباحة الشذوذ الجنسي، وغير ذلك مما يخالف جميع الحضارات والثقافات والمواريث، وجميع الشرائع السماوية.
ثم قال معاليه: وفي مقابل هذا نجد ان الاسلام يحفظ للانسان كرامته، ويدعو الى المساواة بين الناس، والاخذ بالشورى، وتحقيق مبدأ التكافل والتراحم، اما عن احكام الشريعة الاسلامية فقد جاءت لتحفظ المصالح الحقيقية للعباد في مضمونها وقواعدها، ولتقلل الى ابعد حد من انتشار الجريمة، والاستهانة بأرواح الناس واعراضهم واموالهم.
ومن الخصائص المميزة للشرع الاسلامي ايضاً عموميته لكل البشر بغض النظر عن العرق واللون والوضع الاجتماعي، وكل هذه الثوابت والخصائص وغيرها تثبت جميعها بالقطع والبيان الحق ان الاسلام يحدد حقوق الانسان بمفاهيمها الصحيحة، وضوابطها الشرعية التي تحقق كرامة الانسان، وتحفظ مصالح الفرد والمجتمع، وهي مضمونة بالشرع واحكامه لكل بني الانسان على اختلاف الاعراق والالوان.
واعرب الدكتور التركي في حديثه عن اسفه الشديد لأن غالب الدول في العالم الاسلامي لا تلتزم بتحقيق الخصوصية الاسلامية في حقوق الانسان، وذلك نتيجة انبهارها بالفكر الغربي بالذات فانهارت هذه الدول امام النهضة الحضارية والتقنية التي تشهدها المجتمعات الغربية، واعتنقت المبادىء والشعارات التي يعتنقها هذا الفكر البعيد كل البعد عن الهدي الالهي، فأصبحت هذه المبادىء والشعارات تقف عثرة في سبيل تقدمها اسوة بما حدث في الغرب، وذلك لتنافيها مع القيم الاجتماعية في معظمها.
واتخذ معالي الدكتور عبدالله التركي من الخصوصية الاسلامية التي تنتهجها المملكة العربية السعودية نموذجاً يحتذى به في اتباع احكام الشريعة، وانفاذ جميع امرها، فالشرع الاسلامي وفق كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهرة هو الحكم الوحيد في كل انظمة المملكة، مشيراً معاليه الى ان هذا الالتزام مع الاخذ بأسباب التقدم كان سبباً في نهوض المملكة في شتى المجالات الحضارية حتى اصبحت في مصاف الدول المتقدمة.
ودعا معالي المستشار بالديوان الملكي الدكتور عبدالله التركي الامة الاسلامية الى العودة للمنهاج السماوي، وتطبيق الشريعة في نظام حياتها وحكمها، حتى يمكنها تجنب التردي فيما وقعت فيه المجتمعات الغربية من تدهور اخلاقي، وشيوع للظلم والفساد وانتشار للجريمة وتفكك للاسرة، مؤكداً معاليه ان تمسكنا بشريعتنا السمحة هو سلاحنا، وجوهر دفاعنا للتصدي لما يوجه الى اسلامنا من حملات مشبوهة ومغرضة تحت شعارات زائفة لا تمت اليه بصلة.
مبدآن أساسيان
اللقاء الثاني كان من معالي وزير الاوقاف بجمهورية مصر العربية الدكتور محمود حمدي زقزوق الذي استهله مؤكداً على ان الاسلام هو اول من نادى بحقوق الانسان، وشدد على ضرورة حمايتها، وان كل دارس للشريعة يعلم ان لها مقاصد تتمثل في: حماية حياة الانسان، ودينه، وعقله، وماله، واسرته.
واستدل معالي الوزير المصري بما سجله التاريخ الاسلامي للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مواجهته الحاسمة لانتهاك حقوق الانسان، بمقولته المشهورة في ذلك: متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم امهاتهم احراراً ، وتنبني حقوق الانسان في الاسلام على مبدأين اساسيين هما: مبدأ المساواة بين كل بني الانسان، ومبدأ الحرية لكل البشر، ويؤسس الاسلام مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما: وحدة الاصل البشري، وشمول الكرامة الانسانية لكل البشر واضاف بقوله: اما وحدة الاصل البشري فان الاسلام يعبر عنها بأن الله قد خلق الناس جميعاً من نفس واحدة، فالجميع اخوة في اسرة انسانية كبيرة لا مجال فيها لامتياز طبقة، والاختلافات بين البشر لا تمس جوهر الانسان الذي هو واحد لدى البشر، ومن هنا فهذه الخلافات ينبغي كما يشير القرآن الكريم ان تكون دافعاً الى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس.
وادرف د, زقزوق قائلاً: اما القاعدة الاخرى للمساواة فهي شمول الكرامة الانسانية لكل البشر، وقد نص القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم ، وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس بلا استثناء لتكون سياجاً من الحصانة والحماية لكل فرد من افراد البشر لا فرق بين غني وفقير وحاكم ومحكوم، فالجميع امام الله تعالى، وامام القانون، وفي الحقوق العامة سواء.
ثم تطرق معالي الوزير الى المبدأ الثاني الذي ترتكز عليه حقوق الانسان، وهو مبدأ الحرية مبيناً معاليه ان الله تعالى جعل الانسان كائناً مكلفاً ومسؤولاً عن عمارة الارض، وبناء الحضارة الانسانية، وليست هناك مسؤولية دون حرية، حتى في قضية الايمان والكفر التي جعلها الله مرتبطة بمشيئة الانسان فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وهكذا تشتمل الحرية كل الحريات الانسانية، دينية كانت ام سياسية ام فكرية ام مدنية.
تناولنا الإنسان وحقوقه
ويشارك معالي الدكتور/ عبدالله بن صالح العبيد الامين العام لرابطة العالم الاسلامي في اللقاء موضحاً دور الرابطة في التعامل مع قضية حقوق الانسان، فيقول: تنطلق الرابطة في التعامل مع قضية حقوق الانسان في العالم من منطلقات اسلامية واضحة المعالم تربط بين ما للانسان من حقوق وما عليه من واجبات والتزامات تجاه الله سبحانه وتعالى والكون والانسانية، وقد عمدت الرابطة الى شرح موقف الاسلام من قضايا حقوق الانسان وما يثار حولها بين حين وآخر، ناقلة الى العالم عبر جميع القنوات الممكنة مبادىء الاسلام السمحة في هذه القضايا.
واضاف معاليه قائلاً: وتأكيداً على اهتمامها بحقوق الانسان، وحقوق الشعوب من منظور اسلامي، فقد تابعت مجالس الرابطة الاحداث التي تتعلق بحرية الانسان، وكرامته، وحقوقه الدينية، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وذلك في الساحتين الاسلامية والدولية، وقد اصدرت العديد من القرارات والتوصيات التي تتعلق بتفاصيل حقوق الانسان القانونية ملتزمة بالمبدأ الاسلامي الذي كفل حقوق اتباع جميع الاديان وغيرهم، كما اصدرت الامانة العامة للرابطة عدداً من الكتب التي تناولت الانسان، وحقوقه في المجتمعات الانسانية، وذلك في سلسلة دعوة الحق الشهرية.
واشار الدكتور العبيد الى بعض هذه الكتب والتي منها:
1 حقوق الانسان وواجباته في القرآن للاستاذ احمد عبدالرحمن عابدين.
2 المجتمع الاسلامي وحقوق الانسان للدكتور محمد الصادق عفيفي.
3 العدل والتسامح الاسلامي للاستاذ احمد المخزنجي.
4 المبادىء الاجتماعية في الاسلام للاستاذ محمد رجاء حنفي عبدالمتجلي.
5 القضاء في الاسلام للاستاذ سليمان محمد العيضي.
6 عطاء الاسلام الحضاري للاستاذ انور الجندي.
واوضح معالي الامين العام للرابطة ان الامانة العامة عرضت كذلك رأي الرابطة في قضايا حقوق الانسان عبر المؤتمرات والندوات والبيانات الاعلامية فقد اصدرت يوم 10/7/1420ه بياناً بمناسبة الاعلان العالمي لحقوق الانسان انتقدت فيه اوضاع حقوق الانسان في العالم، ودعت الى الاستفادة من الاسلام لتحقيق الامن والسلام والحرية للشعوب المضطهدة، ونوهت فيه بمزايا الدين الاسلامي الفريدة المتعلقة بقضايا حقوق الانسان افراداً وجماعات، ودعت العالم الى الاستفادة من محاسن دين الاسلام العظيم، ومزاياه في مجالات حقوق الانسان.
وقال البيان: ان اليوم العالمي لحقوق الانسان مناسبة لتذكير العالم الذي اختلطت فيه المفاهيم وضاعت الحقوق، بنظام الاسلام الفريد في الحقوق الدولية، وحقوق الافراد والجماعات في المجتمعات المختلفة، واوضح ان الاسلام فصل في تشريعاته السمحة حقوق الشعوب في الحرية والامن والسلام، وحرم القتل والبغي والعدوان.
واكد ان حقوق عدد من الشعوب الاسلامية ضائعة ومنسية ومهملة في ظل الاوضاع الدولية الحاضرة مشيراً الى المجازر المستمرة التي حدثت، وتحدث في البوسنة والهرسك، وكشمير المحتلة، وبورما، والى العدوان على شعب الشيشان الذي اعلن استقلاله.
وبين ان الانظمة الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وضمان حريته في بلاده غير فاعلة، وان الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1945م لم يستفد منه المضطهدون في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، كما انه لم يستوف التزامات الانسان بالربط بين الحقوق والواجبات المؤدية لحماية الفرد والاسرة والمجتمع.
واوضح ان الوضع العالمي الجديد المسمى بالنظام العالمي الجديد وفق هذه السياسية لم يكن له الاثر المطلوب في رد المظالم، واعادة الحريات، وصيانتها كما اصبح المسلمون يشعرون بأنه لا يمكنهم الاعتماد عليه في منع العدوان في الشعوب الاسلامية المنكوبة، واكد ان الانظمة العالمية بحاجة ماسة الى الاستفادة من التشريع الاسلامي الذي يكفل للانسانية كلها الامن والسلام ويضمن للشعوب المضطهدة حريتها من الظلم والعدوان ويحمي المجتمعات من المفاسد والاشرار من خلال الحدود الشرعية الاسلامية.
أنشطة الرابطة
ثم تطرق معالي الدكتور عبدالله العبيد الى ابرز الانشطة التي ساهمت فيها الرابطة في قضية حقوق الانسان في العالم ومشاركتها في الاجتماعات والندوات والمؤتمرات التي عقدتها هيئة الامم المتحدة والمؤسسات التابعة لها حول القضايا الانسانية، ومنها الندوات التي عقدت في كل من نيويورك، وباريس، وجنيف، وفينا، والتي شاركت فيها مكاتب الرابطة تمثيلاً للامانة العامة.
ونوه معاليه في هذا الصدد بكلمة الرابطة في ندوة نيويورك عن دور الامم المتحدة حول المجتمع الدولي في الخمسين سنة المقبلة، فقد اكدت على اهمية دور الدين في تنمية وتطوير المجتمع وان دور الدين لا ينبغي ان يكون مرتبطاً بالمناسبات، ولكن لابد ان ينظر اليه من خلال دوره المهم تجاه القيم الروحية، وكذلك حقوق الانسان، وبالاضافة الى هذا اوضحت الرابطة في المؤتمر الدولي الذي عقد قبل حوالي عامين في ابيدجان بساحل العاج التصور الاسلامي في معالجة حقوق الانسان والمحافظة عليها، وابرزت المبادىء الاسلامية المتعلقة بحماية الفرد والاسرة والمجتمع، وربطت في الوقت نفسه بين الحقوق والواجبات.
وفي ختام حديثه اكد معالي الدكتور العبيد ان الرابطة تنسق حالياً مع الجهات المعنية لاقامة ندوة حول حقوق الانسان، في العاصمة الايطالية روما، مبيناً ان الرابطة قد لاحظت قصور الاعلان العالمي لحقوق الانسان، فعملت من خلال التنسيق مع المنظمات الاسلامية المتمثلة في المجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة بالقاهرة على اعداد ملحق يقدم لهيئة الامم المتحدة يتضمن الرؤية الاسلامية في قضايا حقوق الانسان ويؤكد على الربط بين الواجبات والمسؤوليات.
وقال في هذا السياق: واقصد مسؤوليات الانسان تجاه الله الخالق، الرازق المدبر وتجاه الكون ببيئته ومكوناته، وتجاه الانسان بشخصه واسرته ومجتمعه، ولمتابعة قضايا حقوق الانسان والانسان المسلم على المستوى الدولي ساهمت الرابطة في انشاءالهيئة العالمية لحقوق الانسان، وهي احدى الهيئات المنبثقة عن المجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

أفاق اسلامية

قمة مجلس التعاون

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved