Sunday 21st November, 1999 G No. 9915جريدة الجزيرة الأحد 13 ,شعبان 1420 العدد 9915


بين الفصيح والشعبي
الناقة بين رؤيتين
أحمد المطرودي

قبل ظهور النفط ومظاهر رغد العيش التي عمت دول الخليج كانت البيئة وبالذات النجدية بيئة مقفرة يصعب العيش فيها لانعدام الأنهار والبحار، ولطبيعة المنطقة المناخية المتقلبة من أشد حالات الحر الى أظهر حالات القر.
في ظل هذه الأوضاع ومثيلاتها ظلت الناقة وفية مشاركة لهذا الانسان الصابر على مختلف المحن والإحن، وظل هو يشعر تجاهها بقيمة كبرى ينتاب الغموض شيئاً غير قليل من مفردات هذه القيمة، لذلك لجأ في حالاته الانفعالية الشعرية واللاشعورية الى استحضارها وربما محاكاتها والتحاور معها، واحياناً يكون ذلك ممزوجا بالرحمة والشفقة عليها وتقدير ما تتحمله تلك الكائنات في سبيل تبسيط العيش لهذا الانسان ومساعدته على التغلب على ظروف بيئته المتردية، وربما كان يراها مثيلة له في تحمل تلك الصعوبات وبالتالي يكون الثناء عليها واطراؤها مدحاً له هو وبطريقة غير مباشرة.
ان الشاعر العامي يتمثل ذلك عندما يقول:
وخلاف ذا قلت يا ركب ترحلوا
على يعابيب عنس تهذل هذالي
فيح مراويح كالعيدان قوسن
من كثر الادلاج والاوماي بالخالي
علاكم يقطعن واسع خرومها
زهفات سهلات كالريلات بجفالي
انه يحس تماماً بما تتحمله لأنه نفسه يعاني كما تعاني، لذلك توقف عند تقويس ظهورها وربط ذلك بكثرة السير ليلا الذي يدفع الى التعب ثم الأوماي لعدم السيطرة على الأعضاء، ان الشاعر لا يستطيع أن يقف هذه الوقفات دون أن يكون اكتوى بنار تلك الطبيعة الجغرافية، كما اكتوت هذه الإبل، ولهذا لا نجد من عاش في مناطق بحرية حانية يصف هذه الاوصاف او يعنى بها، وربما كان تحسن الوضع المعيشي دافعا لنسيان هذه الابل ومعاناتها كما حدث في العصر العباسي عند شعرائه بعد ان كانت الناقة ظاهرة في شعر الجاهليين وشعراء صدر الاسلام، كما عند الفرزدق عندما يسمع حنين ناقته:
تحن بزوراء المدينة ناقتي
حنين عجول تبتغي البو رائم
والفرزدق هنا احن على ناقته من الجاهلي طرفة الذي يقول:
وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت
مخافة ملوي من القصد محصد
لأن الاخير يخيف ناقته بالضرب بهذا الملوي المحصد وهو حبل ملوي معد للضرب، بينما كان الفرزدق يترقب اصوات ناقته متأملا ما تشير اليه، وهذا ربما كان عائداً الى ان الفرزدق كان قد عاش في بيئة صحراوية اضطر فيها لمعرفة دواخل الناقة واحلال صداقة وطيدة معها بخلاف طرفة الذي عاش في منطقة لم تضطره الى ذلك، اذ كان في البحرين كما يقول مؤرخو الأدب، فهو يريد أن يصف كما عند بعض معاصريه دون أن يكون معايشا بنفسه لهذا الوضع، وهذا ما جعله يتعامل مع الناقة بشيء من الظلم والجور.
إن المعايشة والمعاصرة كما يعبر عنها من أفكار سمة يجب توافرها في العمل الأدبي والشعري تجنباً للافتعال الذي نلحظه الآن فيمن يعبر عن الناقة مع أن هناك أشياء قد حلت محلها هي أولى بالتعبير في وقتنا هذا، فلا يعني أن من وفق في قوله واصفاً:
الله يرحمك يا عود شراها لي
من واحد جابها للسوق جالبها
يا الله انا طالبك حمرا هوى بالي
لن درهم الجيش طفاح جنايبها
لا روّح الجيش حاديه اشهب اللالي
الى هوى تورد وسيع صدر راكبها
لا يعني ذلك ان كل من تطرق للموضوع ذاته سيصادف النجاح نفسه.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

شعر

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved