تشير الإحصاءات إلى وجود ما يزيد على مليوني موقع لترويج البرامج المنسوخة على الشبكة. ومواقع ما يسمى بال وارزwarez على شبكات التخاطب التبادلي irc تمثل بيئة خصبة لهذه الممارسات التي تخالف القوانين العالمية. ويأسى البعض لما ستخلفه هذه العمليات من خسائر على مصنعي البرامج جراء ذلك. ولكن نتوقف هنا لنسأل: هل النسخ شرُّ كله؟ فحين نتأمل في تاريخ عمليات النسخ والقرصنة وننظر في موقف شركة مايكروسوفت بالذات من تلك العمليات فإننا نجد نمطا مثيرا للاهتمام ونتبين أن غض الطرف عن تلك العمليات في السابق كان سبيلا لقطف ثمرة في الوقت الحاضر. وتمثل مايكروسوفت الشركة الأكثر أهمية في موضوع كهذا لأنها الأكثر استفادة منه.وإن شركة مايكروسوفت لم تكن تأبه في السابق - بالقدر الذي نراها عليه الآن - لما يقوم به القراصنة من نسخ وبيع برامجهم بأثمان بخسة لأن تلك العمليات كانت تنطوي في الواقع على ترويج ما تصنعه مايكروسوفت من برامج. ثم لماذا تولي مايكروسوفت موضوع القرصنة كل هذا الاهتمام كما لو كانت الضحية الوحيدة للقرصنة؟ ولماذا تخصص له فرق العمل والمواقع المخصصة للتبليغ عن القراصنة؟ إنه وقت قطاف الثمار والهدف الاستراتيجي الذي تحقق وذلكم هو الانتشار والسيطرة على أجهزة الحاسب في أنحاء العالم. وبما أن الهدف قد تحقق فقد حان الوقت لرأب الصدع وسد الثغرات بالطرق القانونية. وليس أدل على هذا من أن مايكروسوفت كانت وحتى عهد قريب تقدم برامجها مجانا إلى الجامعات والمؤسسات في الولايات المتحدة وغيرها وتقاتل من أجل أن تحصل على موافقة تلك الجهات على قبولها. هذا أمر قد يعجب منه البعض. لكن بنظرة استراتيجية نجد أن مايكروسوفت إنما تعمل ذلك لتصنع لها زبائن ومنافذ لمنتجاتها مستقبلا وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد. وهناك أمر آخر يدل على سياسة مايكروسوفت ونظرتها المستقبلية وهو أنها خاضت وما زالت مستمرة معارك ضارية ضد تجمع شركات منافسة من ضمنها نتسكيب من أجل أن تنجح في تقديم متصفحها الإكسبلورر إلى جمهور المستخدمين مجانا! وأخذا بهذا الأمر في الحسبان يتبين لنا أن سوق النسخ التي راجت في مختلف أنحاء العالم لبرامج الحاسب الآلي لم تكن قط شرا محضا بالنسبة لشركة مثل مايكروسوفت. فالقضية كالعملة لها وجهان ومايكروسوفت اختارت الوجه الذي رأته مناسبا في ذلك الحين واختارت أن تقلب العملة الآن إلى الوجه الآخر .وإن خسائر مايكروسوفت ليست سوى خسائر لمكاسب آنية لا تقارن بالمكاسب بعيدة المدى التي تجنيها الآن جراء إعراضها في السابق عن عمليات نسخ برامجها مما أدى إلى رواجها بين مستعملي الحاسب الآلي وجاءت النتيجة ما يشبه الإدمان على برامج مايكروسوفت. وفيما أرى فإن شركات كبرى كمايكروسوفت لا تخسر كثيرا كما يخسر صغار صناع البرامج الحاسوبية لأن نسخ برامجهم يؤدي باستثماراتهم إلى الخسارة وقد لا يتمكنون من الصمود طويلا إن استمرت بهم الحال كذلك. لذا فهؤلاء ليس بمقدورهم تحمل النسخ مثل مايكروسوفت التي لم تتحمله فقط بل استفادت منه. فأين الخسائر التي تدعيها مايكروسوفت وأسهمها دائما في ارتفاع مستمر؟ إنها مجرد خسائر من الأرباح فقط! وسنتابع الحديث في الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى.
وللمراسلة على البريد التالي : Khalid* khalidnet. com
جامعة أنديانا,