Sunday 21st November, 1999 G No. 9915جريدة الجزيرة الأحد 13 ,شعبان 1420 العدد 9915


طباق وجناس
مَن أنت مِن هؤلاء!!؟
محمد احمد الحساني

في بعض دول العالم الثالث أصبح الناس يقسمون الموظفين الإداريين الى أقسام حسب تعاملهم في المهام المنوطة بهم من حيث الانجاز والتفاعل والأمانة والنزاهة والاخلاص.
وهم يبنون هذا التقييم رُبما يضربون له الأمثال من واقع معايشتهم لتلك النماذج الادارية التي مرت بهم او مروا بها خلال حياتهم الوظيفية او مراجعاتهم للدوائر الحكومية أو متابعاتهم لأولئك الموظفين بطريقة مباشرة او عبر وسائل الإعلام وهذه الأقسام هي:
الأول: المسؤول الذي يعمل بلا كلل ولا ملل صادقا مع نفسه ومع ربه ومع الناس جميعا ساعيا الى خدمتهم حريصا على ان يكون مطعمه حلالا وملبسه حلالا وأن يغذي أبناءه من الحلال فهو منتج مخلص فعال يعمل ولا يأكل ولا يؤكِّل ولا يساهم أو يشارك فيما لا يرضي الله بأن يخالف النظام وهكذا يظل شامخا حتى نهاية عمره او يترك موقع عمله ان توالت عليه الضغوط الفاسدة فيخرج من الحياة العملية وهو نقي كالثلج الابيض لم يدنسه شيء ولم يدخل جوفه مالٌ حرام ولم يخضع أو يخنع أو يظلم أو يتجاوز ما أؤتمن عليه من أنظمة وتعليمات، وهذا القسم عندما يتحدث الناس عنه يقولون انه قد أصبح نادر الوجود في هذا الزمان!
الثاني: الذي يعمل بلا كلل ولا ملل أيضاً ولكنه في الوقت نفسه سِلهاب خطير، فهو منتج ومفيد ولكنه كالمنشار يأكل وهو داخل ويأكل وهو خارج فأعماله الإدارية او الفنية ومستوى العمل في الجهاز يشهدان له بالكفاءة والإدارة العالية اما ذِمَّته فواسعة مشرعة مثل الأفق، وقد بلغ اليأس بالناس أنهم أصبحوا يقبلون بهذا النموذج من الإداريين الذين يعملون ويأكلون بعد ان يقارنوهم بالنماذج: الثالث والرابع والخامس الذين سيأتي ذكرهم فيما بعد وليس عجيباً ان تشارك في حوار اجتماعي حول مسؤول من الذين ينتجون ويأكلون فتجد من يشيد بهم ويتسامح معهم ويقول لك رداً على اعتراضك وتساؤلك حول مستوى أمانته ونزاهته ياأخي دَعه يأكل وينتج! وكأن الناس قد يئسوا تماما من توفر أو وجود العنصر الأول الذي ينتج ولا يأكل, وقد صدق الشاعر العربي الحكيم عندما قال:
يُقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسَنِ!
الثالث:
وهو الأسوأ الذي يأكل ولا يعمل ولا ينتج ولا يترك بعده أي اثر حميد، وإنما يكون همُّه وشغله الشاغل ان يوظف كل دقيقة يقضيها على الكرسي لخدمة نفسه والاستفادة من موقه بشتى الوسائل والطرق ولا يهمُّه أبداً ان تتردى الأمور وتسود الفوضى وتتراجع الادارة ويقتدي به الموظفون بل ربما شجعهم على الأكل والنهش كما تفعل الذئاب مع جرائها الصغيرة، ثم لا يغادر موقعه إلا بعد خراب مالطا وسومطرة وجزر المالديف ومع كل ما فيه من سوء وسقوط فقد يكون له معجبون بأفعاله ومغامراته الوضيعة، فهو في نظرهم ذكي وداهية وولدُ وقته ولعلّ بعضهم يتمنى أن يكون مثله او في مكانه فيقول: ياليت لنا مثل ما أُوتي من جاهٍ ومال وقد خرج من الوظيفة مرفوع الرأس كأنه محرر القسطنطينية بعد سنوات من الأكل المنظم دون ان يمسك عليه أحد شيئاً لأن أوراقه سليمة أو لأنه أكل وأكَّل فسكت عنه الجميع!
الرابع: الذي لا يعمل ولا يأكل ويكتفي بالحضور في الساعة السابعة والنصف والخروج بعد الساعة الثانية والنصف، فهو محافظ على الدوام الرسمي ويصلي الضحى في الساعة العاشرة ويقرأ جزءين من القرآن الكريم بعد ذلك ولا ينسى في الساعة التاسعة أن يطلب إفطارا شهيّاً يشاركه فيه مساعده وآخرون ويوقّع، بل ويبصم على جميع المعاملات دون قراءة ولا يعلم ماذا يجري خلف بابه المصفَّح ويعتقد بينه وبين نفسه ان راتبه حلال طاهر، فهو لم يدخل جوفه قرشا حراما عن طريق الرشوة او الاختلاس ويحمد الله على ذلك ليل نهار وقد يشعر أحياناً بالأسى، لأن غيره استفاد من الوظيفة ولكنه يعود الى صوابه فيحمد الله على نعمة العافية والستر، وهكذا يظل طوال حياته العملية ذا فهم سقيم لمعاني العمل والأمانة والأجر الحلال حتى يحال على المعاش بعد ثلاثين أو أربعين سنة خدمة دون أن يكون قد انتج او عمل عمل سنة واحدة يستحق عليها الراتب والباقي ضمان اجتماعي!
الخامس: وهذا أشدهم خيبة ونعني به الذي لا يعمل ولا يأكل ولكنه حفاظا على منصبه يخضع للضغوط فيؤكّل من يرى انه قادر على التأثير عليه وظيفيا وذلك عن طريق تمرير معاملته المخالفة للنظام او اعطائه ما ليس له فيه حق او التغاضي عن الشروط الواردة في العقود الموقعة مع جهة عمله وتسلم المشاريع ناقصة وفق محاضر تدّعي أن كل شيء على ما يرام فيأكل المقاول ومن حوله من الموظفين الوليمة وحدهم ويخرج سعادته من ذلك كله بحلق مملوء بالدخان الأسود والرماد الحارق مكتفيا بالزعم أنه لم يدخل جوفه قرشا حراما، دون ان يسأل نفسه عن الأجر الذي يتقاضاه دون عمل وإنتاج وعن خيانته لمن وثق به وكلّفه بإمضاء العقود واستلام الأعمال كاملة,, كيف يستلمها ناقصة ويصرف للمنفذين المبالغ المتفق عليها دون إكمال العمل وهل يكفي انه لا يأكل الحرام إذا كان سعادته يؤكّل الآخرين الحرام حفاظا على منصبه او غفلة او تغافلا منه او حتى يقال إنه سهل مرن غير معقد!
لقد اصبحنا نسمع من يمتدح أعمال الصنف الثاني الذي يعمل ويأكل فنحاول الاعتراض مطالبين بالنموذج الأول، فهو الذي يستحق المدح فعلا، ولكن الاعتراض يغص في حلوقنا فلا يخرج منه شيء بعد ان يرمقنا الحضور بنظرات حادة وكأنها تقول لنا: من فضلك لا تتكلم؛ فلا يوجد على أرض الواقع من تبحث عنه وقولهم هذا متطرف وظالم للعديد من الشرفاء العاملين المخلصين ولكن عذرهم هو أنهم يتحدثون عن المواقع التي يكثر فيها الخصب والكلأ وتكون أكثر إغراءً وفتحاً للشهية.
وأخيراً، فان كنت ممن يحتل منصبا إداريا أو فنيا فنأمل ان تجد في أحد النماذج الخمسة المقاس المناسب!!
تلحين القرآن الكريم!
تابعت ضجة إعلامية أثيرت حول مغنٍ لبناني نصراني لحّن قصيدة للشاعر الفلسطيني الشهير محمود درويش قيل إنها تضمنت آية من القرآن الكريم وقد زودني الأخ محمد مفتي من مكة المكرمة بمجلة ملونة نشرت تفاصيل من القضية فوجدت ان القصيدة وهي من شعر التفعيلة قد ضُمّنت جزءاً من الآية الثالثة من سورة يوسف عليه السلام إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ويبدو ان المغني قد لحن القصيدة كلها بما فيها هذا الجزء من الآية وأخذ يتغنى بها أمام الراقصين والراقصات وفي أوكار العهر والمجون وقدّمته مسارح الغناء التي تستضيف عادة أهل الطرب وأشياعهم وتدار فيها كؤوس الصهباء، فعزّ على المؤمنين ذلك لما فيه من امتهان لآية قرآنية بالقيام بتلحينها ثم غنائها والتراقص والرقص عليها واذا كان اللوم قد وقع على رأس هذا المغني فإن الشاعر يشاركه في ذلك العمل المشبوه، ومع ذلك كله فإن ما حصل يأتي في سياق ظاهرة التحريف والإساءة للإسلام وأهله من قِبل أبنائه والآخرين وربما وجد هؤلاء الضالّون من يشجعهم ويدافع عن نهجهم ولكن الغثاء لا يبقى او يمكث في الأرض,, هذا وعد الله وهو الوعد الحق والحمد لله رب العالمين.
خماسيات العواجي
بدأ الدكتور الشاعر/ إبراهيم العواجي ينشر منذ أسابيع خماسيات جميلة رقيقة على الصفحة الأخيرة من هذه الجريدة، والخماسيات حسب متابعتي لمعظمها على الوزن نفسه مع اختلاف في الرويِّ بين خماسية وأخرى وهي ذات نفَسٍ مهجري حيث تدور حول المشاعر الإنسانية والطبيعية والجمال وقد قرأت له مؤخرا خماسية يقول فيها:
صباح ليس تحجبه
ظلالُ سحابة عبرت
تفرُّ طيوفها وجلاً
إذا ماشمسها انتشرت
وإن هلّت مرابعها
على وجناتها انحدرت
كأن خيوط وابلها
قناديلاً إذا انتثرت
يعانق دمعها الأضوا
فترقص كلما انصهرت
والشاعر هنا يتحدث عن صباح مشمس او شبه مشمس، جميل الطلعة تخاتل فيه قطع من السحب الخفيفة أشعة الشمس المشرقة، وقد يتخلل ذلك التخاتل هتَّان من الغيث وصفه الشاعر بأنه دموع سحابة وهكذا هي سحب الصيف عندما تنداح من خلال أشعة الشمس فتبدو حسب وصف الشاعر كأنها قناديل تتدلى من جو السماء!
على أنني رأيت تنبيه الشاعر الكبير الى ملاحظتين: الأولى لغوية والثانية فنية، فقد جعل خبر كأن التي هي من أخوات إنَّ التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، جعله منصوباً وذلك في البيت الرابع من الخماسية.
كأن خيوط وابلها
قناديلا إذا انتثرت
وكان يجب عليه ان يقول قناديلٌ لأنه خبر كأن ولا أرى ما يبرر نصب هذه الكلمة البتة.
اما الملاحظة الفنية فهو قوله ان مدامع السحابة تنصهر بعد مرورها عبر أشعة الشمس والانصهار لا يكون عادة إلا للمواد الصلبة كالحديد والرصاص ونحوه، فلو انه جاء بكلمة بديلة تليق بمدامع المزن غير كلمة انصهرت السالف ذكرها والواردة في البيت الخامس لكان ذلك افضل كما ان الماء لو تحول الى ثلج جامد ثم بدأ يذوب لقيل انصهر والكلمة عربية فصيحة وقرآنية, فقد جاء في سورة الحج قوله تعالى:
يُصبُّ من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود والفعل المضارع هنا مبني للمجهول وما الاسم الموصول هي نائب الفاعل بمعنى الذي.
وما في البطون والجلود مواد ليست سائلة بل صلبة قابلة للانصهار مثل غيرها من المواد الصُلبة وعلى أية حال فالخماسيات جميلة رقيقة بصفة عامة اما هاتان الملاحظتان وغيرهما فقد تفسر اللغوية بأنها خطأ طباعي او سبق قلم والفنية بالحرص على النشر اليومي للخماسيات مما قد يفوت على الشاعر اختيار الكلمة أو العبارة المناسبة,, والله أعلم!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

شعر

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved