الحدود السياسية للمملكة العربية السعودية د. عبد الله فهد اللحيدان |
يعالج الدكتور مشاري بن عبدالرحمن النعيم في كتاب الحدود السياسية السعودية من منشورات دار الساقي 1999م موضوع حدود المملكة مع جاراتها: الكويت، العراق، الاردن، اليمن، قطر، الامارات وعمان, وينوه في بداية الكتاب الى قلة الدراسات السياسية العلمية التي تعالج قضايا الحدود في العالم العربي حيث ان معظم الدراسات الموجودة في فترة زمنية مبكرة واصبحت متقادمة، كما انها كانت تعتمد بصورة رئيسية على المصادر المحلية فقط ولا تستعين بمصادر عالمية, كما ان غالبية تلك الدراسات كانت احادية الجانب وتعبر عن وجهة النظر الرسمية لأحد الاطراف ولم تكن في معظم الاحوال موضوعية ومحايدة, وعلى الرغم من ظهور بعض الدراسات المعقولة مؤخراً الا ان المكتبة العربية ما زالت بحاجة الى مزيد من الدراسات المتوازنة.
وقد اعتاد العرب في خطابهم العاطفي والانفعالي اعتبار الحدود بين الدول العربية من صنيعة الاستعمار وبالتحديد اتفاقية وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا سايكس وبيكو.
وعلى الرغم من وجود بعض الصحة في هذا الادعاء الا ان تفرق الامتين العربية والاسلامية الى عدد كبير من الدول يعود الى سنة 900م اي إلى ما قبل اكثر من الف ومائة عام وما محاولة ترسيم الحدود السياسية بشكل واضح ودقيق في القرن العشرين الا تجسيد لذلك التاريخ والتمشي مع متطلبات الدولة الوطنية الحديثة, اما اتفاقية سايكس وبيكو الشهيرة فكانت لتقاسم الجزء العربي من الدولة العثمانية بلاد الشام والعراق فقط ومن التبسيط المبالغ فيه والمنافي للحقيقة اعتبار القوى الاستعمارية المسئول الوحيد لوجود الحدود بين الدول العربية.
ان تحديد الحدود بشكل نهائي وقاطع قد يكون هو الحل الواقعي لأحد مصادر تفجر الخلافات بين الدول العربية والاسلامية والتي نأمل ان يتبعها خطوات لتعزيز التعاون والتضامن مما يحقق آمال الامة العربية والاسلامية البعيدة المدى ان الخلافات الحدودية التي لا تزال تطل برأسها بين الحين والآخر تعكر صفو العلاقات الثنائية بين الدول العربية كما تعيق العمل العربي المشترك وهي احياناً تمس الامن القومي العربي في الصميم ص 7.
وقد اتبع المؤلف اسلوباً جديداً في معالجة الموضوع حيث يبرز الاقتراحات المتوالية التي تقدمت بها او بحثت فيها اطراف النزاع وتتضمن هذه الاقتراحات معلومات اغفل ذكرها في كثير من ادبيات الحدود السياسية العربية او لم تعط نصيبها من التركيز.
والكتاب مقسم الى عشرة مباحث يعالج المؤلف في المباحث من الاول حتى الثامن الحدود السعودية مع الكويت ثم الحدود السعودية العراقية ثم السعودية الاردنية في مبحثين والسعودية اليمنية في مبحثين ثم الحدود السعودية الاماراتية والقطرية في مبحث واحد ثم في المبحث الثامن قضية الحدود السعودية العمانية, اما في المبحث التاسع فيحاول تصنيف النزاعات الحدودية الى ابعاد اقتصادية واجتماعية وقبلية واستراتيجية ثم بين الكاتب ان بعض الصراعات الحدودية اقتصرت على الطابع الدبلوماسي اما بعضها فأخذت الطابع العسكري كما صنفها بناءً على طول مدة النزاع الى قصيرة الامد وطويلة الامد, ثم يناقش المؤلف ايضاً وعبر مباحث الكتاب مدى تدخل القوى الاجنبية في مسارات النزاع، خصوصاً بريطانيا التي كان لها تواجد في معظم المناطق المحيطة بالمملكة, ويعتقد المؤلف كما معظم الباحثين ان قضايا الحدود تمر بثلاث مراحل اولها التخطيط الاولي بمعنى رسم الخطوط الكبرى على الخرائط وثانيها الترسيم اي نسبة الخطوط الكبرى الى مواقع جغرافية محددة وثالثها التثبيت حيث يجري تعيين الخط الحدودي على الارض بشواهد بارزة كتل خرسانية، اسوار,, على وجه الدقة.
ويلاحظ المؤلف تأثير العوامل الاقليمية والدولية على قضايا الحدود فقد ساهم التهديد الاسرائيلي للاردن في تسامح السعودية واعطاء الاردن مساحة كافية للدفاع عن مرفاها الوحيد العقبة كما ساهم التهديد الايراني ايام الشاه ايضاً في تعاون السعودية وعمان والامارات لإنهاء قضية النزاع على البريمي بالطرق الودية, وتبدو قضية الحدود السعودية مع جنوب اليمن اي من جنوب نجران حتى حدود عمان من اعقد قضايا الحدود، حيث حرصت بريطانيا اثناء فترة استعمارها لعدن على ترك الحدود الشمالية بدون حسم املاً في ان تتغير الظروف لصالحهم ويستطيعون مد حدودهم الى تخوم الربع الخالي, الا ان نقطة الولاءات القبلية كانت دائماً وابداً اقوى نقطة للسعوديين, ثم وبعد انسحاب بريطانيا وحصول اليمن الجنوبي على الاستقلال قام في عدن حكم ماركسي مما اضفى على النزاع بعداً ايدلوجياً وما لبث ان تحول النزاع الى صدام عسكري في نوفمبر 1969, الا ان ذلك الصدام كان استثناء لم يعكر الطابع السلمي للنزاع الحدودي لكن ظلت علاقة الرياض بعدن لا تسمح باستئناف المفاوضات فظل ذلك النزاع خامداً, الا انه مع سقوط الاتحاد السوفيتي واجهت كثير من الانظمة الماركسية مأزقاً حاداً مما دفع قادة اليمن الجنوبي بقبول الوحدة مع الشطر الشمالي لليمن, ولقد تميزت علاقات صنعاء بالرياض بالكثير من الاحترام المتبادل منذ توقيع اتفاقية الطائف في مايو 1934, وفي غمرة اوضاع سياسية واقتصادية مستجدة خلفتها اعادة تنظيم اوضاع العمالة اليمنية في المملكة وكذلك محاولات الماركسيين الانفصال عن اليمن مرة اخرى وجد اليمن نفسه بحاجة الى حل جميع الخلافات العالقة مع المملكة, لقد ادت المشاكل الاقتصادية والتنموية التي تفاقمت بعد الحرب الانفصالية الى اقتناع النخبة السياسية اليمنية بصورة خاصة والرأي العام اليمني بصورة عامة الى ضرورة اقفال الملف الحدودي مع جارتهم الكبرى, وقد وقع الطرفان اتفاقية في فبراير 1995 تكرس خط اتفاقية الطائف 1934 للحدود السعودية اليمنية الشمالية وشكلت ست لجان لحل قضايا الحدود العالقة من جنوب نجران وحتى التقاء الحدود اليمنية السعودية والعمانية شرقاً, وقد اكمل الطرفان منذ ذلك الوقت مشواراً جيداً رسما خلاله مسافة طويلة من الحدود جريدة الحياة 16/12/1997 الا انه بقي بعض النقاط العالقة, ويتوقع المؤلف نهاية متوازنة لهذه المشكلة لقد ساد مبدأ الصفقات المتبادلة والمتوازنة التسويات التي ابرمتها الرياض مع جيرانها خلال الاعوام الثلاثين الماضية الاردن وقطر 1965، عمان 1971، ابو ظبي 1974 ولهذا فإنه من المتوقع الا تخرج التسوية الجديدة المنتظرة لهذا النزاع عن هذا النمط المتوازن ص 65 خصوصاً اذا لم تلعب بعض الاطراف الخارجية دوراً سلبياً وتوقف اليمن عن محاولة تحقيق مكاسب اقتصادية في مقابل تسوية الجزء المتبقي من الحدود.
ويمتاز هذا الكتاب بعرضه لوجهات نظر كل الاطراف، كما يمتاز باعتماده على الكثير من المصادر العربية وكذلك الاجنبية وخصوصاً البريطانية التي اصبحت متاحة للبحث والقراءة في الاونة الاخيرة، فهو بحق دراسة علمية دقيقة وموضوعية كما ان في الكتاب الكثير من المعلومات والخرائط الجديرة بالاطلاع, ويختم المؤلف كتابه الشيق بالمبحث العاشر ملاحظات ختامية يخلص فيه الى ضرورة تفعيل دور الجامعة العربية والمنظمات الاقليمية الاخرى مثل مجلس التعاون لحل النزاعات الحدودية بالطرق السلمية ويطالب بإنشاء هيئة لتسوية المنازعات العربية وكذلك محكمة عدل عربية كإطار قضائي ليتم الاحتكام اليه في حال استنفاد الوسائل الاخرى.
ويؤكد المؤلف ان النزاعات الحدودية لا تخلو من ميراث استعماري والمهمة الملقاة على العمل الدبلوماسي البناء لا تكمن في نفي هذا الميراث او القفز فوقه وانما في تطوير الاتفاقيات الحدودية القائمة بما يتواءم مع المصالح المتجددة لأطرافها والاوضاع الاقليمية والعالمية المتغيرة, ويؤكد ان هناك وعياً متزايداً لدى العرب لتصفية القضايا الحدودية خصوصاً مع تزايد القدرات الوظيفية للاجهزة الادارية العربية, وتتسم التجربة السعودية لحل قضايا الحدود بهذا الوعي اضافة الى حرصها على تحقيق الاستقرار الوطني والاقليمي.
ان الدراسات المنهجية لقضايانا المعاصرة تساهم في بناء وعي سياسي وتعميق فهم النخب والجمهور لتعامل واع بعيد عن الانفعالات العاطفية,
|
|
|