ضحى الغد لكنَّ حظك لاُيدركه! عبدالكريم بن صالح الطويان |
تقول الحكمة القديمة: (تسعة أعشار الرزق في التجارة)! وتكتشف مع الأيام وخبرة العمر أن: تسعة أعشار التجربة في السوق! إن التاجر الناجح في السوق، صبور حليم ومفاوض مقنع، وذكي لماح، ومستقرئ ومتوقع، ومرن حازم، وبديهي مدرك! السوق مدرسة ومضمار ومعلم، بل وجامعة بلغة العصر الجامعة!
في السوق تتعلم كيف تبادر وتفاوض وتتقاسم الخير، وتتبادل المصلحة وتأخذ وتعطي، وتجادل فتقنع!
في السوق تتعلم كيف تقتنص الفرصة إذا سنحت، وتغتنم الرياح إذا هبت والرجال إذا اقبلت عليك تريد سلعتك!
في السوق تتباين عقول الرجال ومعادنهم واخلاقهم، ويتضح دينهم، وتظهر لك أسرارهم ودخائلهم!
في السوق تتضح حكمة الله واقداره وارزاقه، وترى منحه ومنعه وعطفه وغضبه!
وإذا اردت أن تبيع بضاعتك او تشتري حاجتك، تعلمت من السوق دروساً لاتنسى في طريقة البيع واسلوب الشراء، ومعرفة الجودة، وصفة التوثيق، وباب الاستلام والتسليم!
وقالت عجوز لولدها: بع يابني بضاعتك في سومها الثاني فتعجب الابن، وقال لامه،: ولماذا لا أبيعها في السوم الأول!
فردت عليه وهي تضحك:
ليتك تفعل، لكن حظك لايُدركه!
تأمل هذا الدرس الذي فهمته العجوز من السوق إنه درس بليغ عميق لقد أدركت أن البضاعة مثل الزهرة تذبل سريعا في أعين راغبيها، والسوق عينه على الجديد دائماً، فإذا رأوه اقبلوا عليه طامعين به، فإن تمسك صاحبه به انفضوا عنه إلى جديد غيره، فإذا رغب الأول السوم الأول لم يُدركه، لان رغبات الناس فترت عنه، وانصرفت إلى الجديد الذي جاء بعده!
هذه هي التجربة الغنية التي نقلتها العجوز لابنها: بع بضاعتك والناس مقبلون عليها، فإن تمسكت بها انصرفوا عنك وتركوك تتحسر على السوم الأول الذي لم يدركه حظك! السوق مدرسة، وعلى الشباب ان يدخلوا فصول هذه المدرسة ليتعرفوا على اسرارها وحقائقها، فإنها لاتعتمد على الحفظ والاستظهار وترديد النصوص بل تعتمد على التحليل والاستنباط ومعرفة الماضي والحاضر لتقدير شكل المستقبل!
السوق بوابة العمل إلى دار الرزق! فاغتنم ايها الشاب حظك منه خذ نصيبك من محيطه، وتعلم تجربتك من مخاضه، وتذكر أن النجاح ليس حظاً كله بل هو بعد عون الله جهد وكفاح وصبر، ثم يظهر الفجر الصادق، فتحمد عند الصباح السُّرى.
|
|
|