*القاهرة مكتب الجزيرة محمد الرصفاوي الوكالات
ما ان تنفس عمال البحث والانقاذ الصعداء بعد العثور على الصندوقين الاسودين للطائرة المصرية المنكوبة أملاً في التوصل الى الاسباب الكامنة وراء سقوط الطائرة المعنية ومعرفة من وراءها إلا أن الغموض والتكهنات لاتزال تكتنف المحققين المتخصصين في الوصول لفك رموز القضية وإلى أدلة دامغة وواضحة تضع النقاط على الحروف وتكشف عن هذا اللغز المحير الذي ولّده سقوط الطائرة بهذه الصورة المروعة ومقتل جميع من فيها والبالغ عددهم 217 شخصاً,, حيث ان التحليلات الأولية للصندوق الأسود الثاني الذي يحتوي على التسجيلات الصوتية للاحاديث المتبادلة في قمرة القيادة أثناء الرحلة 990 للطائرة المصرية المنكوبة,, لم تقدم حتى الآن اجوبة واضحة وشافية على اسئلة المحققين بل زادتهم حيرة في امرهم بشأن الأسباب التي ادت الى تحطمها في المحيط بعد أن هوت من ارتفاع 33 الف قدم.
وقال جيم هول رئيس مجلس سلامة النقل الوطني انه لم يكن بالامكان التوصل الى استنتاجات من التحليلات الاولية لتسجيلات قمرة القيادة.
ورغم عدم ظهور أدلة تشير الى عملية ارهابية او غيرها من الجرائم في الحادث، إلا أن هول اشار الى انه لايزال من الممكن تحويل التحقيقات للمحققين الجنائيين مثل مكتب التحقيقات الفدرالي (إف,بي,آي).
وقال هول: إننا نركز جهودنا من خلال الادلة على تحديد,, ما إذا كانت هذه التحقيقات ستبقى تحت إشراف مجلس سلامة النقل الوطني .
إلا أن هول قال للصحفيين ان وكالته التي تقوم بالتحقيق في كوارث الطيران المدني في الولايات المتحدة, لم تستنفد بعد كافة محاولاتها لاكتشاف اسباب المأساة التي وقعت في 31 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، من مسجل الاصوات أو مسجل البيانات الفنية للرحلة اللذين انتشلا بحالة جيدة.
وأضاف هول: انا على ثقة من أن الكثير من الاسئلة,, سنحصل على اجابات لها .
وقال هول انه تم استدعاء المزيد من المترجمين الذين يتكلمون العربية للمساعدة في معرفة الحديث الذي دار بين طاقم الطائرة بالضبط، واضاف ان المحققين يحاولون مطابقة المعلومات الموجودة في المسجلين.
وتستبعد تسجيلات الاحاديث التي دارت بين الطاقم في اللحظات الاخيرة من الرحلة المشئومة نظريات اختطاف او عراك في قمرة القيادة او غيرها من المسببات البشرية التي يمكن أن تكون قد ادت الى الهبوط الحاد للطائرة من ارتفاع 33 الف قدم (عشرة آلاف متر).
وقال مسئولون ان الاحاديث كانت طبيعية حتى اللحظة التي بدا فيها أن شيئا ما قد حصل وأدى الى اطلاق احد أجهزة الانذار الرئيسية صوت انذار، غير أنه ولسوء الحظ لم يصف طاقم الطائرة المشكلة.
ويعتزم مسئولو مجلس سلامة الطيران ومسئولون مصريون التوجه الى مقر شركة بوينج في سياتل في وقت لاحق من هذا الاسبوع لاستخدام جهاز محاكي الطيران (سيميوليتر) سعيا لمعرفة الاسباب التي دفعت الطيارين الى التصرف على ذلك النحو.
وفي تطور ذي صلة، وافق قاض في رود آيلاند على طلب للمدعي العام الحكومي لاصدار شهادات وفاة افتراضية لضحايا الحادث.
ويذكر أن أشلاء قليلة وجدت حتى الآن, وستسمح شهادات الوفاة الافتراضية لعائلات الضحايا بتسوية المسائل القانونية المترتبة على الحادث كتلك المتعلقة بالممتلكات الخاصة بالمتوفين.
وهكذا بدلاً من أن يكشف الصندوق الاسود الحقائق أضاف المزيد من الغموض والحيرة لدى المتابعين، في الوقت الذي انصرف فيه أهالي وأسر الضحايا في مصر عن هذه المتابعة المحيرة يطوون أحزانهم ويترددون على وزارة الخارجية لاستلام شهادات الوفاة الموثقة والانتهاء من اجراءات واعلام الوراثة بعد اعتبار ضحاياهم في عداد المفقودين، وقد أعلنت شركة التامين أنها ستقوم بصرف تأمين مبدئي قيمته 20 ألف دولار تخصم من قيمة التعويض النهائي, وخلاف ذلك لم يحصد أهالي واسر الضحايا غير الهشيم والاحزان.
الجزيرة شاركتهم أحزانهم وذهبت إليهم في محاولة منها لتخفيف مصابهم الأليم.
صدمة الواقع
في البداية التقينا بالسيدة أميمة محمود فهمي زوجة الكابتن جمال البطوطي أحد أفراد الطاقم المنكوب، ترتدي ثياب الاحزان وبجوارها شقيقتها تنتظران على عتبات وزارة الخارجية المصرية للانتهاء من أوراق الوفاة التي تخص زوجها تحدثت إلينا بصعوبة وأفاضت عن مشاعرها المكلومة فقالت فقدت الزوج والحبيب والعائل للاسرة التي تتكون من خمسة أبناء وأضافت لا لم اتخيل، ماحدث وقد ذهبت الى نيويورك بأمل أن أرى جثة زوجي ورغم كل الشواهد التي تؤكد وقوع الحادث والوفاة كان بداخلي أمل أن أراه حياً وكل ماحدث كان مجرد هواجس فبعد أن وصلنا إلى ولاية رود ايلاند صدمت بالواقع وبالحقيقة وافقت من هواجسي فلم أجد زوجي ولاجثته ومرت الساعات والايام هناك وكأنها كابوس ثقيل زادت مأساتنا واحزاننا ولم تفلح تلك الزيارة في معرفة أي شيء وتحطمت القلوب على الامواج المتلاطمة وايقنت أن الامل قد انتهى وعجزنا عن التقدم خطوة واحدة للأمام خاصة بعد أن ماطلنا المسئولون الامريكيون هناك في الرد على استفساراتنا فقررنا العودة للقاهرة وقد احتسبت زوجي شهيداً عند الله.
ضياع همزة الوصل
تركنا زوجه الكابتن جمال البطوطي تنعي همومها لشقيقتها وذهبنا إلى أحد احياء القاهرة الهادئة حيث منزل المضيفة الجوية أمل ضحية الطائرة وقد تحول المنزل إلى مأتم كبير ورغم مرور اكثر من اسبوعين على حادث سقوط الطائرة إلا أنه ومن شدة الحزن لم يستطع أحد الحديث حتى ظهر شريف شقيق أمل وقدمنا له العزاء فقال: منذ وقوع الحادثة ونحن نعيش في مأساة حقيقية تمثلت في البداية في فقد امل ولم نستطع ان نذيع هذا الخبر لابنتها نورهان التي تبلغ من العمر ثماني سنوات ولكن لم نستطع ذلك طويلاً فقد عرفت الابنة وانهارت على الفور ومازلنا نحاول التخفيف عنها، وقبل كل شيء نحن نرضى بقضاء الله وقدره ولكنه الفراق كما يقولون فانا اعيش في دولة الامارات وكانت أمل تزورني كل شهرين وكانت تخفف عني عبء الغربة وفراق الأهل وتمثل همزة الوصل بيني وبين اسرتي وكانت مثل الزهرة الجميلة التي تنشر عبقها علىجميع افراد الاسرة، وقد علمت الخبر من التلفزيون واتصلت بأسرتي في القاهرة على الفور فعلمت أن شقيقتي أمل كانت على الطائرة المنكوبة فسافرت للقاهرة في الحال وأنا في ذهول تام مما حدث.
ويقول شريف لم اسافر إلى نيويورك ولكن شقيقي عادل قام بالسفر للبحث عن جثة أمل ولكنه عاد خاوي الوفاض يعتصره الالم مؤكداً عجز الغواصات الامريكية وكل اجهزة التكنولوجيا في امريكا عن انتشال الجثث وهذه كارثة أخرى ولانعرف حتى الآن لماذا هذا العجز ولماذا الغموض يحيط بهذه الكارثة الكبرى.
انهيار تام
وفي إحدى شركات البترول التقينا بمحمد الفردي شقيق الشهيد نشأت الفردي الذي كان يشغل منصب مديرها العام وجاء لاستخراج بعض الاوراق فقال كان شقيقي يعمل مديراً عاماً للشركة البترولية هنا وقد سافر في مهمة عمل رسمية وكان مصيره أن يستقل تلك الطائرة المشئومة وقد اتصل بي هاتفياً قبل الصعود للطائرة بساعات الا انني فوجئت بالخبر في التليفزيون لم اصدق في البداية وخاصة مع تضارب الانباء الواردة وقمت بالاتصال بالشركة فاكدت لي ماحدث فذهبت للمطار على الفور وهناك صدمت بالحقيقة وكان الانهيار ومالبثت أن اعلنت شركة مصر للطيران عن سفر اهالي وأقارب الضحايا للتعرف على الجثث وكان هذا الاعلان بمثابة امل تجدد في داخلي أن القاه حياً هكذا صورت لي الاوهام وتأجلت دموعي المنهمرة لفترة يحدوني هذا الامل ولكن ما ان وصلنا الى أمريكا وشاهدنا عمليات البحث البطيئة والتي تأجلت لأكثر من مرة بدعوى سوء الاحوال الجوية حتى تبدد الامل تماماً خاصة مع رفض المسئولين الامريكيين اعطاءنا اية معلومة او بيانات واكتفينا بالقاء الزهور وصلاة الغائب وعدنا للقاهرة ليس معنا اي شيء غير الحزن والألم.
ومن شركة البترول الى مطار القاهرة حيث التقينا بالمضيف الجوي محمد صبيح فوجدناه كتلة من الحزن تتحرك على قدمين بعد ان استلم شهادة وفاة خطيبته المضيفة الجوية مها المحروقي، فقد كان يستعد للزواج بعد هذه الرحلة المنكوبة مباشرة بعد أن اتفقا على كل شيء ووعدته مها بأنها ستجلب معها هدية الزواج من أمريكا وظل محمد في انتظارها ولم يكن يعلم أن هذا الانتظار سيطول للابد قام محمد بجمع اشيائها من مكتبها في المطار حتى المنديل الذي كانت تستخدمه في زي الضيافة ويقص على الجميع قصة الحب التي جمعتهما واستعدادها للزواج غير ان هذه الرحلة المشئومة قضت على كل آماله.
قضاء الله
وأمام وزارة الخارجية التقينا بالدكتور طلعت عبدالرحمن عبدالمنعم وهو استاذ مساعد بجامعة نيويورك ونجل الشهيد عبدالرحمن عبدالمنعم فقال: فقدت ابي على هذه الطائرة المنكوبة فقد كان ابي على موعد لإجراء عملية جراحية في ساقه بامريكا وبعد نجاح العملية مباشرة فوجئت به يصر على السفر والعودة للقاهرة، ورغم محاولاتي بثنيه عن هذا القرار حتى يلتئم الجرح إلا أن اصراره كان أكبر فامتثلت له وكان سفره على الطائرة المنكوبة ويضيف طلعت: سارعت على الفور لمكان الحادث فور علمي بالنبأ الكارثة ولم اجد شيئاً عبر تضارب في المعلومات والبيانات لدرجة أن الشعب الامريكي نفسه في شغف لمعرفة حقيقة هذا الحادث، عدت للقاهرة لمواساة والدتي والانتهاء من استخراج الاوراق من وزارة الخارجية وقد احتسبت والدي في عداد الشهداء والاعمار بيد الله.
لاتنتهي دموع اسر وأهالي الضحايا ولاتتوقف كلماتهم الحزينة حول تلك الرحلة الغامضة ولاتتوقف ايضاً التساؤلات المحيرة لاكتشاف حقيقة سقوط الطائرة التي هوت بكل ركابها فجأة في قاع المحيط الاطلسي ومازال التضارب حيالها مستمراً ولم تقدم المعلومات والبيانات الواردة من الصندوق الاسود الثاني أي كشف عن حقائق مؤكدة علها تخفف من حزن والم اسر واهالي الضحايا.
|