وأخيرا يبدو انه قد حان لحرائر هذه البلاد من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها ألا يكتفين بخضاب الحناء ويهيئن الأكف لتتخضب بطيب تراب هذه الأرض.
وأخيرا يبدو انه قد آن الأوان لنساء البلاد ان يغمسن يباس اصابعهن في تموجات السراب ويغترفن ماء قراحا تغسل عرائس الصحراء من غبار التجاهل والاقصاء.
وأخيرا يوشك الحلم ان يتحول الى حقيقة ويصبح للمرأة السعودية الحق في الحصول على بطاقة هوية وطنية تثبت بها انتماءها الى وطن، وتحملها مسؤولية الأهلية والمواطنة.
فالمسألة كما بشرنا بها تصريح الأمير أحمد بن عبدالعزيز ليست إلا مسألة اجراءات روتينية لأجل قصير وتصبح الهوية الوطنية بطاقة الهوية للمرأة واقعاً معاشاً وحقيقة سارية المفعول تضاف الى المكتسبات الأخرى التي حققها نساء المملكة في مجال العلم والعمل.
عندما تبنت جريدة الجزيرة طرح موضوع بطاقة الهوية الوطنية للنساء لأول مرة قبل ثلاث سنوات وأتاحت الحوار فيه وحوله لجميع المواطنين رجالا ونساء على مدى عدة اسابيع، ومنها انتقلت عدوى الحوار الى الصحف الأخرى انما كانت الجزيرة تفعل ذلك بأمانة مهنية في التعبير عن نبض الشارع وبثقة وطنية عالية بأصحاب القرار في هذه البلاد وحرصهم على الاستماع الى ذلك النبض والاستجابة لحاجاته.
وعندما قمت بتوفيق من الله باستهلال ذلك الحوار وفتح أول اسئلته بالسؤال الصغير الذي وجهته حينها الى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز شخصيا كوزير للداخلية، متى يكون للمرأة السعودية بطاقة هوية تعرف بها كمواطنة؟ فقد كنت أفعل ذلك تأكيدا وحرصا على تلك الروح المنفتحة بين المواطنين وبين اصحاب القرار، إذ كنت ولم أزل أعتقد ان شرف الكلمة وامانتها يقتضيان طرح المطالب الاجتماعية الصريحة على اصحاب القرار والتفكير بصوت مشترك مسموع في الاسئلة التي تشغل المواطنين, وقد تجرأت حينها على طرح ذلك السؤال على سموه أولا، ثقة بسعة أفقه في تخير مستقبل هذا الوطن، وثانيا لأن السؤال كان تعبيرا عن مطلب النساء الملح الذي لم أشك لحظة أن من حق النساء كمواطنات سعوديات كما ان من حق سموه كمسؤول قيادي المصارحة فيه.
وإنني كما سجلت ذلك السؤال قبل ثلاث سنوات على صفحات هذه الجريدة فإنني أكتب هذا المقال اليوم لأسجل وعلى صفحات هذه الجريدة ايضا الشكر العميق لسموه باسم نساء هذا الوطن على أنه لم يخيب تلك الثقة الغالية في تقديره لحاجة النساء للحصول على هوية بمثل هذا القرار .
والحقيقة انني منذ اللحظة الأولى التي قرأت فيها تصريح سمو الأمير أحمد أحاول متابعة ما يكتب في الصحف وعبر شبكة الانترنت بالداخل والخارج في التعليق على ذلك التصريح البشارة، وأجد في ردة فعل النساء الممتنة لقرب صدور القرار بايجاد بطاقة هوية للمرأة السعودية ما يؤكد حكمة القرار وانحيازه للمستقبل,
فوجود بطاقة هوية للمرأة بالاضافة الى فوائده العملية بالنسبة لمساعدة المرأة في معاملاتها المالية والقضائية كما ذكر ذلك عدد من الأخوات في تعليقهن على الخبر المثلج للصدر فإنه ايضا مكسب وطني للوطن وللمرأة في اقرار صفتها الوطنية كمواطنة مسؤولة لها من الأهلية والمكانة المدنية ما يؤهلها لأن تمثل نصف المجتمع، ولأن تتحمل وتشارك في تحمل واجبات وحقوق المواطنة الغالية، وهو كذلك مكسب للوطن في الداخل وامام عيون العالم في تأهيله بمواطنين ومواطنات فاعلين وقادرين على صياغة احلامه وتحقيق طموحاته وايجاد مكانة مميزة له بين المجتمعات المعاصرة.
وانني إذ أؤكد التثمين العميق للموقف الرسمي في الاقدام على هذه الخطوة الأمامية الوطنية فإنني آمل من الاعماق ألا يستغرق امر البدء باستصدار هذه البطاقة وقتا طويلا.
كما انني اذ اهنىء نفسي والمرأة السعودية بهذه البشارة العزيزة فإني ارجو الله لنا نحن نساء هذا الوطن الشامخ ان يوفقنا عزوجل لأن نكون أهلا قولا وعملا ووعيا لتحمل المسؤولية الوطنية والمدنية لهذه البطاقة, واخيرا فإنه قرار بإذن الله لن يندم على اتخاذه يوما لأنه جاء كمثل قرار اقرار التعليم للبنات قبل ثلاثين عاما إذ اعطى الحرية للمواطنات في حيازة هذه البطاقة لمن ترغب.
وكما اصبح الاقبال على التعليم اليوم منقطع النظير بعد ان تأكد نفعه, وكان في بداياته عرضة للتحفظ فكذلك بطاقة الهوية للنساء ستؤكد الأيام مدى ضروريتها ونفعها للمواطنات والوطن ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|