الأفلام القديمة سوداء وبيضاء، هذان اللونان المحايدان اللذان يرفضان أن يتخذا موقفاً اتجاه تعدد ألوان العالم وغنى درجاتها.
والأفلام القديمة سطحية في حبكتها، ومحدودة في أبعادها، فلا يوجد بها سوى الشر الأسود الغامق والأبيض النقي الناصع، حيث تقسم العالم الى ملائكة وشياطين فقط، ولا مكان في تلك الأفلام للبشر الحقيقيين الذين هم أخلاط متفاوتة ما بين الخير والشر, والأفلام القديمة لها نهايتان فقط لا ثالث لهما,, فإما نهاية تحتوي على طرحة العروس البيضاء وسط الدفوف والأهازيج، وإما تراجيديا غامقة مليئة بالنواح والمآسي.
والأفلام القديمة كانت في يوم ما هي الشاشة الكبيرة المتسعة التي تفتح فوق رؤوس الفتيات والفتيان وتملي عليهم مفاهيم وتجارب وتفاسير لهذا العالم.
عندها تتوقع كل الفتيات أن يكون الزوج هو ذلك البطل الودود المحب ذو الشعر اللامع والبنطال المكوي (الكسرات) بعناية، والذي ينتظر المناسبات والاعياد ليغرق الزوجة بالهدايا والورود والعواطف.
بينما يتوقع الفتية ان تشبه الزوجة مريم فخر الدين وقت صباها وأناقتها الكلاسيكية الراقية وعقدها اللؤلؤي المترف.
ولأن الأفلام القديمة لا تقدم سوى القشرة الرقيقة التي تغطي وجه الحياة ومن ثم سرعان ما تجف وتتشقق، الا ان العالم من بعدها يظل يحمل تلك النكهة التي تصر على أن يكون مصير كل الأشياء من حولها هو اللونان الأسود والأبيض، وما سواهما هو غريب ومتناقض وغير مفسر.
وما زال الأسود والأبيض هما الأدوات الهشة التي يستعملها الكثير من تفسير العالم من حولهم.
فالزوجة التي يذهب زوجها الى الاستراحة مع رفاقه لا بد ان تفسره بلطخات سوداء والخادمة التي لا تجلب الأفطار الى السرير لا بد ان يصلها بعض من اللطخات الغامقة اما الصديقة التي تنسى الحضور الى حفلتي فهي السواد كله.
أما بالنسبة للرجل فالمرأة التي لا تعد الأفطار هي في الخانة الغامقة تماماً تحبس هناك مع الصديق الذي يرفض ان يقرض والمدير الذي يدقق في دفتر الحضور والغياب.
الأسود والأبيض ميزان صارم لكنه غبي ومحدود في الوقت نفسه، ولا يليق ان ينتمي الى هذه الحياة الملونة العميقة الغامضة.