بيننا كلمة تهور فادح الثمن د , ثريا العريّض |
هل دخلنا عصر التقنية المسؤولة؟
كثيرون منا دخلوه بأجسادهم فقط,, عقولهم وانفعالاتهم لم تصله بعد.
خذوا مثلا ما حدث على رحلة السعودية رقم 1118 يوم الأربعاء خمسة وعشرين رجب.
الرحلة من جدة الى الظهران وموعد الإقلاع المعلن الساعة الثانية والربع,.
كل شيء على مايرام,, الطائرة البوينج 777 تكاد تكون شبه ملأى,, هناك قرابة 170 راكبا,,, كل المقاعد تقريبا مليئة برجال الأعمال المنهكين,, والعائلات.
وقد وصلنا الى مقاعدنا دون أي تأخير,, ورتبنا أمتعتنا المحمولة, وشربنا القهوة.
وأعلن المذيع ربط الأحزمة وضرورة إقفال الهاتف الجوال والخليوي وبعض الأجهزة الالكترونية الأخرى,, كان المفترض بعدها أن تقلع الطائرة,ثم,, لم نفعل! ظللنا حيث نحن والباب مفتوح لمدة خمس وأربعين دقيقة.
في البدء لم نعرف لماذا,, تضايقنا، وتململنا وتهامسنا عن مواعيد السعودية,ثم تسربت الينا أصداء جدال,, هناك خلاف ما,, ثمة راكب شاب رفض ان يغلق جهاز هاتفه الجوال,, بل تمادى الى الإصرار على موقفه وظل يتحدث مواصلا مكالمته والمضيف واقف أمامه يحاول إقناعه بتنفيذ التعليمات.
يبدو أن ذلك الموقف غير المتوقع وغير المقبول استمر لعدة دقائق.
هل حقاً رد صاحب الهاتف بغلظة على مطالبة المضيف له بأن يلتزم بالتعليمات,,لست على طيارة أبيك , راكب آخر سأله بعد أن فاض به الصبر: هل ترانا كلنا أمامك عفشا لا قيمة له,, إنك تؤخرنا جميعا .
هل رد عليه وأفحش في القول، كما سمعنا فيما بعد؟,.
ربما,, يؤكد بعض الركاب ذلك, أما نحن فلم نعرف شيئا سوى أننا ننتظرثم انتقل الجدال الى مقدمة الطائرة عند الباب المفتوح، ومع ارتفاع الأصوات سمع ركاب الدرجة الأولى الجدال الدائر, كنت أستطيع أن أرى المتجادلين؛ شاب في العشرينات أنيق الملبس، ثوبه ناصع البياض وشماغه مكوي بعناية يحلف ألف يمين أنه لم يتعمد الإصرار على عدم إغلاق الهاتف,, لقد نسيه فقط!!
ومضيف يكرر بهدوء وأدب أن الذي حدث فعلا هو أن الراكب رفض إغلاق الهاتف وأهانه حين طالبه بتنفيذ التعليمات, الشاب مصر على أنه نسي إغلاقه.
منطقياً,, كيف يمكن أن يعرف المضيف أن هاتف الراكب غير مغلق لو لم يضبطه متلبسا باستعماله بعد إذاعة طلب إغلاق الهواتف النقالة؟
الراكب يحلف مصراً,, والمضيف وزملاؤه يؤكدون حكايتهم عن موقفه الأرعن.
قائد الطائرة يعلن أن الطائرة لن تقلع إلا إذا نزل الراكب المتهور منها,, لأن وجوده يهدد سلامة الركاب بخطر عدم التزامه بالتعليمات الأمنية,والركاب,, سلموا أمرهم الى ربهم ينتظرون أن يفرجها اللهالراكب المتعب مازال مصرا على عدم النزول,, يهدد حينا ويترجى حينا!
ثم صعد رجال الأمن وأجبروا أخينا على جلب أمتعته الشخصية من مقعده, حيث كانت المهاتفة المشؤومة، وكان يمكن أن تكون أشد شؤما على الجميع,وأخيرا تنفسنا الصعداء,, وأقلعت الطائرة متأخرة خمساً وأربعين دقيقة.
ولعل رواية ما حدث تعلم البعض المتهور وغير المسؤول من الركاب درسا في أهمية الالتزام بتعليمات السلامة, هو خيار من ثلاثة: أن تلتزم بها وتسافر في أمان، أو أن تتجاهلها ويراك المضيف وتصر وتنزل من الرحلة مخفورا بعد تأخير كل الركاب,, أو تتجاهلها وتستخدم الهاتف ولا يراك المضيف,, وتسقط الطائرة بركابها, فهل تستحق مهاتفة هذا الثمن الفادح,, أو كل هذا العذاب؟
ألف شكر للمضيفين ولقائد الطائرة,, لعدم تهاونهم مع التهور والرعونة,هؤلاء الجنود المجهولون الذين يحمون أرواحنا من تهورنا يستحقون التقدير.
|
|
|