ليلة الخميس جئنا، يحدونا همُّ الكلمة وتجمعنا تجلياتها, بعضنا جاء من الحجاز وبعضنا جاء من الاحساء والدمام ، وبعضنا جاء من الرياض ، نجوز بحر الليل في قوارب حنين تتهادى، فيما زرقة السماء تعكس احلام غيماتها على بريق عيون تبتهج بلقاء تتألق فيه كلمات صفف مساء الرياض خصلاتها,, ومسح نسيم نجد على غررها النافرة، واجتمعنا في نادي القصة في مقر جمعية الثقافة والفنون ساعات مرت لحظات امتزج فيها سحر جدة ولؤلؤ الخليج وخزامى نجد ، وتلامع برق السرد وأمطر النقد زرقة أصواته واستعادت الحروف براءة طفولتها الاولى.
في تلك الليلة، صارت الاهازيج نغمة واحدة، واضحى العريسان د, حسن النعمي والاستاذ عبدالحفيظ الشمري عشرين عريساً او اكثر.
كانت ليلة خصصت للاحتفاء بهما والاستماع الى نماذج من ابداعهما القصصي والنقدي، د, حسن النعمي الاكاديمي والناقد تجلى في تلك الليلة قاصّاً مبدعاً طوع تقنيات السرد وتكثيف الشعر ومجازاته وايحاءاته واختراقاته النحوية والبلاغية وفن الحكي والزمان والمكان، ليقرأ وبصوت وإلقاء ساحرين آسرين قصصاً تجاوزت المألوف واخترقت السائد واضافت الى السياق وقالت ما لم يقل عن المسكوت عنه ، الاستاذ عبدالحفيظ الشمري القاص والراوي المبدع والصحفي المتألق تجلى في تلك الليلة ناقداً حصيفاً ذا ذائقة مرهفة وحساسية متوترة تلتقطان اطراف خيوط النص المتداخل وثيماته المرمّزة ونسيج علاقاته وبُناه ودلالاته وسماته الاسلوبية المائزة,, لتقديم نص نقدي ابداعي موازٍ.
لم يكونا فقط قاصين ناقدين قارئين مبدعين، فقد كان لحضورهما المنبري وتعاطيهما الراقي مع المداخلات,, ملامح ابداعية تضاف الى انجازاتهما السابقة والمعروفة.
لم نكن عريسين فقط، فقد كان نادي القصة السعودية، في مقر الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون مكاناً احتفالياً لعرس جماعي ضم نخبة من المبدعين والنقاد والمثقفين.
كنت قد وصلت مبكراً، والتقيت بالاستاذ خالد اليوسف القاص المبدع والمثقف المخلص فقلت له: لو ان لنا نحن الشعراء نادياً مثل ناديكم، ورئيساً مثلك يجمع شتاتنا فأجاب وكيف يكون ذلك,, وكلكم رؤساء؟! ، ولكنه كان مشفقاً,, ويالكرم اخلاقه الذي جمع حوله من لا يجتمعون الا بشق الانفس.
الاستاذ محمد العثيم مسرحي بارز,, لو كان في بيئة ثقافية تعرف قيمة المسرح وريادته للفنون,, مثقف متمكن من فنه ولغته , د, عبدالعزيز السبيل الناقد البارع الذي صبغته رقة الحجاز، و عبدالعزيز الصقعبي الاستاذ في ابداعه ونجاحه الصحفي وحيائه الجم، و حسين المناصرة استاذ النقد ومبدع القص بتدفقاته العفوية، واحمد الدويحي بانطلاقاته الحرة في المثاقفة، و ابراهيم الناصر بريادته المشهود لها والتي لم تمنعه من المشاركة ولم تحبسه مع الكبار في ابراجهم العاجية ومحاريب نجاحاتهم السابقة ومعه حسين علي حسين المتألق,, صاحب طوابير النجاحات المتتابعة، و ناصر الحزيمي المثقف الذي يحلم بأن يحول المبدعون اعمالهم الصغيرة الى مشاريع، و اسامة الملاّ بالتقاطاته ومداخلاته الراقية، وغيرهم ممن جاء من الغربية او الشرقية او الرياض الذين لا اتذكر أسماءهم لضعف ذاكرتي، اما الشاعر والصحفي البارع عبدالله الصالح في تلك الليلة، وبعد ان قرأ الدكتور النعمي قصصه الجميلة، وقرأ الشمري ورقته النقدية، لاحظت في المداخلات شيئاً رأيته من وجهة نظري انحيازاً الى المضامين والدلالات.
لاحظت ان المداخلات التي تتعاطى مع التقنيات الشكلية والبُنى السردية كانت قليلة ومحدودة، وربما كانت هذه الملاحظة عائدة الى تواضع قدراتي النقدية,, وبخاصة في القصة وفنون السرد.
ربما كانت جدلية الشكل والمضمون، والتي تؤرق الشعراء منذ القدم,, وحتى الان وامتداداً الى المستقبل,, ربما كانت اقل اهمية في القصة والرواية,, او في الفنون التي ليست شعراً,, كلها، او ربما تكون قد حسمت في سائر الفنون,, وبقي الشعر صاحب الجدليات والمشاكل والحساسيات التي يبدو انها لن تنتهي.
وربما اصبح ما يصدق على جدلية الشكل والمضمون,, بين الشعر والقصة ,, يصدق على اشياء كثيرة بين هذين الفنين واصحابهما، ألاحظه في ائتلاف اصحاب القصة و اختلاف اصحاب الشعر، ألاحظه في التجريب الهادىء المدروس في القصة والرواية,, وفي التجريب ذي الصرعات في الشعر، ألاحظه في احتفاء الناشرين والصفحات الثقافية بالقصة وازورارهم عن الشعر والشعراء ، ألاحظه في انصراف اصحاب القصة والرواية الى قصصهم ورواياتهم، حتى وان استعاروا لهما قليلاً او كثيراً من الشعرية,, وألاحظه في محاولة بعض الشعراء كتابة القصة او الرواية، وألاحظه في مفارقة,, أراها غريبة اذ في عصر الاغاني السريعة,, في عصر السرعة والفضائيات,, والاختزال البرقي للوقت والحديث والانشطة,, تنتشر الرواية الطويلة وتختفي برقية الشعر .
في تلك الليلة، وبعد انصرافي من احتفالية ثقافية رائعة، أبت عليّ التداعيات والخواطر الا ان تترجم هواجسها على هذه الاوراق، على الرغم من نيتي المبيّتة في ان تكون رؤوس اقلام اتناول قريباً كل نقطة منها بالتفصيل المملّ والمزعج.
هنيئاً لثقافتنا وفنوننا السعودية بجمعيتها، وهنيئاً للجمعية بنادي القصة,, وقد حق لاصحاب القصة ان يقولوا لنا نحن الشعراء لنا النادي ولا نادي لكم ، وبخاصة بعد ان استولى الاستاذ محمد العثيم ، على إحدى خيام الجمعية,, ليجعلها مسرحاً ,, ربما اصبح في المستقبل نادي المسرح .
اما الشاعر العربي الفصيح فليس له سوى ان يقول:
على قلقٍ كأن الريح تحتي أوجّهها يميناً أو شمالا |
هل لأنه غريب اللسان هنا ؟!