ينفرد الإنسان عن سائر المخلوقات الحية على سطح الكرة الأرضية بما منحه اللّه سبحانه وتعالى من جهاز عصبي متطور تطوراً في غاية التعقيد مقارنة بغيره من سائر الكائنات الحية التي تمتلك جهازاً عصبياً, والإنسان هو الكائن الوحيد الذي وهبه خالقه عقلاً مبدعاً خلاقاً، وتركيباً بدنياً لانظير له, والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يمشي على اثنتين وبتوازن وثبات، وهو القادر أيضاً على التحدث والمخاطبة بلغة مفهومة، وهو أيضاً الضاحك الباكي المتفرد من بين سائر المخلوقات الحية, والإنسان أيضاً هو الكائن الحي الوحيد الذي يمتلك القدرة على تغيير سلوكه وتصرفاته وانفعالاته وأفعاله واقواله في لمحة البصر.
يقول بيومي والبناء (1404ه 1984م): الكيان الإنساني جسم ونفس(روح) ولايمكن فصل أحدهما عن الآخر، فالإنسان ليس جسماً بذاته لاعلاقة له بالنفس، كما أنه ليس نفساً مستقلة بذاتها, والإنسان في علم النفس عبارة عن كائن حي يرغب ويحس ويدرك وينفعل ويتذكر ويتخيل ويفكر ويفعل.
إن من المدهش حقاً أن علم النفس لايزال يحاول في نظرياته وتحاليله وتجاربه وفرضياته وتفسيراته معرفة ماهية النفس، واستخلاص الدوافع والمسببات التي تجعل المرء يتصرف هذا التصرف أو ذاك، وماهي الأسباب والنوازع وراء ذلك.
ويقول الدباغ (1398ه 1978م): إن الذي يدعو للتساؤل حقاً هو: ما الذي يدفع المرء إلى تبني سلوك معين، في ظرف معين، ثم إلى تغييره، وتكراره في ظرف آخر؟, هل هي العادة؟,, هل هي السهولة؟,, هل هي اللذة؟,, هل هي المكاسب؟,, أم هي المثل والمبادىء والأخلاق؟,, أم أن الإنسان مجرد مكنة تتلقى الايعازات بشكل أوامر عصبية وهرمونات، وإفرازات ورموز في الجينات (المورثات) والكروموسومات (الصبغيات) حاملات الصفات الوراثية للكائن البشري؟ (لقد سبق أن تطرقنا إلى ماهية العقل، والوراثة البيولوجية والوراثة الاجتماعية في جريدة الجزيرة الغراء).
ويقول عدس وتوق (1986م): يمكن تفسير أفعال الإنسان حسب رأي الاتجاه العصبي البيولوجي عن طريق مايجري داخل الجسم, فالاحداث النفسية تمثلها الأنشطة المختلفة التي تجري على الدماغ والأعصاب التي تربط الدماغ بالاجهزة الاخرى للجسم.
ويقول راجح (1972م): السلوك هو كل ما يصدر عن الفرد من استجابات مختلفة إزاء موقف يواجهه، إزاء مشكلة يحلها، أو خطر يتهدده، أو قرار يتخذه أو مشروع يخطط له.
دور شخصية الإنسان في سلوكه، فماهي الشخصية ياترى؟
يقول الخولي (1976م): تفيد الشخصية أولاً وجود كائن مشخَّص ، أي شخص لامجرد صفات مجردة ولا روح أو ما أشبه, كما تعني الشخصية وحدة متكاملة متضمنة مافي الشخص من صفات ومميزات وخصائص جسمية وعقلية موروثة ومكتسبة، بالإضافة إلى الجانب الاستيطاني من الشخصية، ونظرته إلى ذاته، والشخصية لاتقتصر على مايبدو به الشخص، بل تتناول الجوانب العميقة التي قد يتجلى أثرها في السلوك، أو التي تكتشف بالاختبارات، ووسائل الدراسة وغيرها.
ويقول الوردي: لابد أن كل فرد من البشر له شخصيته الخاصة به، ويمكن تعريف الشخصية بشكل مبسط ووجيز بأنها مجموعة الصفات التي يتميز بها فرد عن آخر, والفرد لا اختيار له أو إرادة في صنع شخصيته إلا ضمن نطاق محدد، فالشخصية هي نتائج التفاعل بين مجموعتين: أولاً: عوامل الوراثة التي يولد الفرد بها , ثانيا: عناصر يتلقاها من بيئته أو محيطه الاجتماعي الذي ينشأ به.
ويقول فهمي (1966م): الشخصية هي ذلك المفهوم الذي يصف الفرد من حيث هو وحدة متكاملة من الصفات والمميزات الجسمية والعقلية والاجتماعية والمزاجية التي تبدو في تعامله وعلاقاته الاجتماعية والمزاجية في المواقف المختلفة، والتي تميزه عن غيره من الأفراد تمييزاً واضحاً, فهي تشمل دوافع الفرد وعواطفه، وميوله واهتماماته وسماته الخلقية وآراءه ومعتقداته واتجاهاته، كما تشمل عاداته الاجتماعية، وذكاءه وقدراته وميوله ومواهبه الخاصة ومعلوماته، وما يتخذه من أهداف ومثل وقيم اجتماعية،ومن فلسفة واتجاه في الحياة.
ويقول راجح أيضاً (1972م): كل صفة تميز الشخص عن غيره من الناس تؤلف جانباً من شخصيته، فذكاؤه، وقدراته الخاصة، وثقافته ، وعاداته، ونوع تفكيره وآرائه،، ومعتقداته، وفكرته عن نفسه من مقومات شخصيته، وكذلك مزاجه ومدى ثباته الانفعالي، ومستوى طموحه، وما يحمله في أعماق نفسه من مخاوف ورغبات، وما يتسم به من صفات اجتماعية وخلقية، كالتعاون، أو التسامح، أو السيطرة, لذا نستطيع أن نعرف الشخصية بأنها جملة الصفات الجسمية (كالقوة، والجمال ورشاقة الحواس) والعقلية والمزاجية والاجتماعية والخلقية التي تميز الشخص عن غيره تمييزاً واضحاً، إنها أي الشخصية نظام متكامل يميز الفرد عن غيره.
ويقول الوقفي (1989م): لكل باحث تعريفه الخاص في تعريف الشخصية: الشخصية هي المجموع الكلي للأنماط السلوكية الظاهرة والكامنة المقررة بالوراثة والمحيط، الشخصية مجموع المفاتيح التي تقرر متى يستجيب الفرد وكيف يستجيب ونوع الاستجابة، الشخصية هي تلك السمات والأنساق الفردية الثابتة نسبياً التي تبلورت عبر الزمان على شكل نمط يميز الفرد عن غيره، الشخصية تكامل المميزات الفردية كافة في منظومة فريدة تحدد محاولات الفرد للتكيف مع محيط متغير باستمرار وتتحدد بها، الشخصية هي الاساليب المميزة والفريدة التي يستجيب بها الفرد لمحيطه، الشخصية هي التنميط الفريد للعمليات العقلية والسلوكية الذي يميز الفرد وتفاعلاته مع البيئة.
ويقرر الوقفي قائلاً: إن الكلمة الأساس في مفهوم الشخصية هي الفرد، ودراسة الشخصية في نهاية الأمر هي دراسة الفرد مع التأكيد بشكل خاص على فهم مايجعل الشخص نسيج وحده أو فريداً, فالشخص من بعض الوجوه مثل كل الناس،ومن وجوه أخرى مثل بعض الناس، بينما هو من وجوه أخرى ليس كمثل أحد من الناس.
أسباب تنوع السلوك الإنساني
لقد عرفنا مما سبق أن لكل فرد شخصيته الخاصة به، وهذه الشخصية المتفردة ناتجة عن عوامل وراثية وعقلية وجسدية، وعن عوامل بيئية اجتماعية وتعليمية، وشخصية الإنسان هي التي تحدد سلوكه في المواقف المختلفة.
يقول الخولي أيضاً (1976م): يتضمن الطبع السمات والخصائص العقلية والسلوكية التي تميز الفرد وتكوّن شخصيته وتنم عنها، وتجعله يستجيب ويتصرف في مختلف المواقف والظروف بأسلوبه الخاص الذي طبع عليه, والخلق أو الطبع هو أساس السلوك، أما ما يصدر عن الفرد من سلوك فليس هو الطبع ولكنه ينم عن الطبع ، ولذا قد نصف سلوكاً معيناً، أو تصرفاً معيناً بأنه سمة خلقية: أي نستدل بها على خلق الفرد الذي طبع عليه.
ويقول لازاروس (1401ه 1981م): إن كل موقف سلوكي هو بالنسبة للإنسان موقف اجتماعي في حقيقته، سواء كان هذا الإنسان فرداً أو مع جماعة من الناس، فعندما يجد الإنسان نفسه مع شخص آخر، فإن وجود هذا الآخر يكون له تأثير قوي على كيفية سلوكة واستجابته، ولكن حتى عندما يوجد الإنسان بمفرده، فإن استجابات الآخرين لما يقوم به من سلوك، أو يفكر فيه، يمكن تصورها أو تذكرها، ويكون لهذا أيضاً تأثير ملحوظ عليه.
ويقول راجح أيضاً (1972م): كل نشاط يصدر عن الإنسان وهو يتعامل مع بيئته حركياً، أم عقلياً، أم انفعالياً إنما يصدر عن الإنسان بأسره ، بكليته، أي من حيث هو وحدة وكُل, إن هذه الأوجه من النشاط الجسمي والحركي تصحبها في الوقت نفسه ضروب من النشاط العقلي كالانتباه والإدراك والتقديروتصور الغاية من السلوك، وأخرى من النشاط الوجداني كالشعور بالارتياح أو عدمه، بالحزن أو الألم.
ويقول الوردي (1989م): الأَنَوية هي شعور الإنسان بذاته، أي الأنا، وهذا الشعور ليس آتياً من فراغ، بل هو مرتبط بالشعور بغيره، فليس في مقدور الإنسان أن يشعر بذاته مالم يتصور شخصاً أو أشخاصاً ينظرون إليه بغيرة، وليس في مقدور الإنسان أن يشعر بذاته مالم يتصور شخصاً أو أشخاصاً ينظرون إليه ويقيّمونه, إن الأنا محور الشخصية البشرية، فكل إنسان إذا شعر بالأنا يرغب في ارتفاع مكانتها في نظر الآخرين, إن الإنسان بعد أن يشبع حاجاته الضرورية من مأكل وملبس ومسكن يأخذ بالتطلع نحو نيل المكانة العالية في مجتمعه، وهو لايقف عند حد في ذلك، فكلما نال مكانة عالية تطلع إلى مكانة أعلى، فهو في كفاح مستمر لايهدأ، ولايفتر حتى يدركه الموت فيستريح ويريح.
أ,د,عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي
الرياض
المراجع
1 بيومي، عبدالمنعم محمد، والبناء، محمد أحمد، 1404ه 1984م, علم النفس.
2 الخولي ، وليم، 1976م, الموسوعة المختصرة في علم النفس والطب العقلي دار المعارف مصر.
3 الدباغ، فخري، 1398ه 1978م, السلوك البشري .
مجلة العربي الكويتية - العدد 231.
4 راجح، أحمد عزت، 1972م, أصول علم النفس , المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر الاسكندرية.
5 عدس ، عبدالرحمن، وتوق،محيي الدين، 1986م, المدخل إلى علم النفس , دار جون وايلي وابنائه المحدودة.
6 فهمي ،مصطفى، 1966م, الشخصية في سوائها وانحرافها الدار المصرية للتأليف والترجمة.
7 لازاروس، ريتشارد، س, 1401ه 1981م, الشخصية , ترجمة: د, سيد محمد غنيم , دار الشروق بيروت لبنان.
8 الوردي، علي ، 1989م, الأنوية مجلة العربي الكويتية العدد:370.
9 الوقفي، راضي، 1989م, مقدمة في علم النفس المؤسسة الصحفية الأردنية عمان الأردن.