فالأمن الفكري يتمثل في اعتماد المسلمين أفراداً وجماعات في جميع منطلقاتهم وتصرفاتهم وتصوراتهم، ومعاملاتهم وعلاقاتهم، وأحكامهم الدينية والدنيوية، وفكرهم وتعلمهم وتعليمهم، على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح لهذه الامة، والتي تعتبر القواعد الكلية والاصول الثابتة للاسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا، وبها ومنها انطلقوا انطلاقة هائلة ومنقطعة النظير في جميع المجالات، ومكن الله لهم في مشارق الأرض ومغاربها تحقيقا لقوله سبحانه: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقوله: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) وقوله صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي وقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
وبهذا توزن الأمور، وتوضع في مواضعها، بعيداً عن الهوى المضل، والشهوة والشبهة المعميتين، والعاطفة المضرة، والغيرة المندفعة، فيكون الانسان بصيراً متبصراً في مشيه وممشاه، آمنا في فكره وماله ونفسه وعرضه وموطنه مدركا للحقائق، متعمقا في بواطنها، متحرزاً من ملابساتها وليعلم ان الأمن الفكري ضرورة من ضرورات الحياة فلا يمكن ان توجد حياة آمنة مطمئنة مستقرة بدونه وإن وجدت الحيثيات الأخرى.
فمن غير المتصور ان يعيش الانسان خائفا مفتونا، لكن يمكن ان يصبر على قلة ذات اليد، ولكي يتحقق الأمن الفكري في اي مجتمع كان لابد من وجود مقومات اصيلة ومتينة معتمدة على العقيدة الصحيحة والمنهاج السليم، وإن الناظر في العالم الاسلامي والمتأمل فيه يرى أنه أصبح هدفا لغزو فكري خطير يستهدف عقيدة الاسلام وشريعته وأخلاقه ومبادئه وتراثه، ولقد قامت على هذا الغزو مؤسسات عديدة ومراكز متنوعة ومتعددة، ولانها حققت اهدافها ومآربها في كثير من البلدان الاسلامية حيث وجدت ارضا خصبة لنشر أفكارها وسمومها.
وبما ان المملكة العربية السعودية هي بلاد التوحيد والعقيدة الصحيحة والمنهج السليم، والمتفردة في تطبيق شرع الله في جميع مناحي الحياة، واقامة حدوده، وتنفيذ احكامه، وحيث عجز الاعداء على اختلاف مللهم وتنوع مصادرهم، رغم ما بذلوه من امكانات مادية ومعنوية لا تتصور من النيل مما هي عليه من الأمن والأمان والاتفاق والائتلاف، والمحبة المتبادلة بين الراعي والرعية، وطلاب العلم والعلماء، والتعاون على البر والتقوى، عجزوا عن ذلك من الخارج، فقد ابتكروا طرقا شيطانية موغلة في الخبث والحقد، اعتمدت على الدخول الى اهل هذه البلاد من العمق واتيانهم من قبل انفسهم ودينهم، وذلك باستقطاب كثير من ابنائهم وخصوصا الشباب، وتربيتهم تربية غريبة عن ديننا ومبادئنا.
نسأل الله العلي القدير ان يحفظ علينا ديننا وأمتنا وولاة امرنا، وان يرزقنا الاخلاص والاحتساب في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
*وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.