تدور مفاوضات سرية جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في اوروبا، بهدف الوصول إلى الحل النهائي بينهما بعد ان تعذر وصولهما إليه في وضح النهار مما يفرض الريبة في هذه المفاوضات السرية الدائرة في اوروبا بصورة تزيد من عدم الثقة في المفاوضات السرية اصلا، وما يترتب عليها من معاهدات سرية تحرمها أحكام القانون الدولي العام بعد ان ثبت من خلال التجارب الانسانية الدولية في كل زمان ومكان ما تؤدي إليه هذه المعاهدات السرية لأوعية تآمرية ضد الدول غير الاطراف بها على المستويين الاقليمي والدولي.
السرية التامة لهذه المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية خيمت على المكان الذي تعقد فيه بأوروبا، وعدم الافصاح عن اسماء الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي المتفاوضين وفتح غموض المكان باب التوقعات التي تؤكد بعض منها ان كوبنهاجن العاصمة الدنيماركية هي البلد الذي يستضيف هذه المباحثات السرية الفلسطينية الاسرائيلية، ويروج لهذا المكان الموساد بصورة خفية، ولكن قوله لا يؤخذ على محمل الجد لان توقعاته السابقة عن انعقاد المباحثات السرية السابقة كانت كوبنهاجن بينما كانت تدور في اوسلو العاصمة النرويجية,, وهذا يعطي الانطباع بأنه يريد توظيف خطئه السابق لتضليل الناس عن مكان انعقاد المفاوضات السرية الدائرة لتضليل الناس عن مكان انعقاد المفاوضات السرية الدائرة اليوم لاسباب امنية لان غالبية الفلسطينيين والاسرائيليين غير راضين عن المباحثات بصفة عامة وتحت مظلة السرية بصفة خاصة، ويخشى على المتفاوضين من عدوان المعتدين عليهم.
وتناقض وحدة الاستخبارات التابعة لوزارة الخارجية المماد الموساد في تحديد مكان انعقاد المباحثات السرية الفلسطينية الاسرائيلية بتأكيدها ان استضافتها خارج إطار الاسرة الاسكندنافية، ولكنها تخفى مكان انعقادها الذي تعرفه بوجه الدقة من موقعها الوظيفي في وزارة الخارجية.
يؤكد اريل شارون رئيس حزب تجمع الليكود وزعيم المعارضة في البرلمان الكنيست ، بأن المعلومات المتوفرة عنده تحدد جنيف المدينة السويسرية ميدانا لهذه المفاوضات السرية ويعلن رفضه المطلق لاي اتفاق سري او علني يلزم اسرائيل باعادة مزيد من اراضي الضفة الغربية للسلطة الوطنية الفلسطينية حتى لو جاء ذلك في مقابل تنازلهم عن القدس والاعتراف بها عاصمة لاسرائيل، لان الحكومة قادرة على جعل القدس عاصمة اسرائيل بدون تنازلات عن اراضي إسرائيل في الضفة الغربية من نهر الأردن, ليس مهما معرفة مكان انعقاد المفاوضات السرية الفلسطينية الاسرائيلية، ولكن الجهات الرسمية في تل أبيب تعمدت ان تدخل العالم في متاهات المكان الذي تعقد به لتصرفها عن عدم شرعية هذه المفاوضات التي تتم في الظلام لتلغي كل التحفظات الدولية عليها المستندة على حرمانية المفاوضات الخفية التي يترتب عليها معاهدات سرية تتناقض مع قيم ومثل الحياة الدولية المعاصرة.
الخوف الفلسطيني من مغبة ردود الفعل من الشعب الفلسطيني على طبخ معاهدة سرية جديدة مع إسرائيل دفع مسؤولاً بارزاً فلسطينياً تعمد اخفاء اسمه إلى نفي السرية عن المفاوضات الدائرة في أوروبا، وقرر انها تدور حول محور وثيقة ابو مازن بيلين التي تم الاتفاق عليها بصورة علنية بين محمود عباس المكنى بأبي مازن الذي يشغل منصب امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبين يوسى بيلين وزير العدل الاسرائيلي.
غير ان هذا المحور التفاوضي الذي يدور حول وثيقة ابو مازن بيلين الذي يتحدث عنه الفلسطينيون لا ينفي السرية القائمة عن المفاوضات الدائرة في أوروبا، لان النائب السابق لرئيس (الشاباك) احد فروع الموساد يوسي جينوسار يعمل على فتح مسارات تفاوضية سرية في العاصمة الاوروبية المجهولة بهدف تقريب وجهات النظر بين المتفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين حول تحديد معالم الحل النهائي بينهما، بتذليل العقبات التي تحول دون الوصول إلى الحل النهائي للتضارب الحاد بين الامال الفلسطينية وبين الطموحات الاسرائيلية.
اعترف يوسى جينوسار بضرورة سرية المفاوضات في هذه المرحلة وابتعادها عن النطاق الإقليمي لان الحساسية المتأججة عند الطرفين من قضية الارض تتطلب الاتفاق على كثير من المحاور المتداخلة بعيداً عن العلنية التي تفسد الحوار وتدفعه الى التشنج عن طريق الالتزام الاعمى بالمواقف المتضاربة.
واضح ان يوسى جينوسار يوظف علاقته الحميمة مع يهودا باراك رئيس الوزارة الاسرائيلية، وعلاقاته الوثيقة بالعديد من المسؤولين في السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال رئاسته لشركة انشاءات بعد خروجه من منصبه الرسمي وقيام شركته بالعديد من المشاريع المشتركة الفلسطينية الاسرائيلية، الأمر الذي مكنه من تنسيق العديد من اللقاءات بين الاسرائيليين والفلسطينيين في داخل وخارج الاقليم كانت سبباً في تقريب وجهات النظر وبلورة العديد من الصيغ للحل النهائي، وكانت سببا في هذه المفاوضات السرية.
يتعمد يوسي جينوسار اللجوء الى المغالطة القانونية لتبرير المفاوضات السرية الدائرة اليوم في اوروبا التي تستهدف عقد معاهدة سرية للحل النهائي، وذلك بقوله ان طبيعة المرحلة تتطلب مفاوضات خفية بعيدة عن العلنية في داخل الاقليم,, وتأتي المغالطة ان كل المفاوضات تتم بسرية الحوار لانه من غير المنطقي او المعقول نشر ما يدور في داخل هذه المفاوضات على الناس جميعا، ولكن سرية الحوار لا تتطلب اضفاء السرية على اللقاء لهذا الحوار لان اخفاء مكان اللقاء واسماء المتفاوضين يقود إلى ابرام معاهدات سرية، بينما ما يتم التوصل إليه من خلال سرية الحوار يتم الاعلان عنه في شكل اتفاق او معاهدة يتم التعامل بموجب احكامها من قبل المتفقين عليها ومعرفة كل الناس بما تم الاتفاق عليه وخطوات تنفيذه.
كل المعاهدات الدولية المبرمة على المستوى الدولي او الاقليمي بين دولتين او العديد من الدول تدار المفاوضات فيها بصورة خفية وسرية وتكتسب الشرعية الدولية من معرفة التفاوض في مرحلة الحوار، والاعلان عن بنودها بعد التوقيع عليها، وهذا يخالف ما يدور اليوم بين الفلسطينيين والاسرائيليين بإخفاء بدء التفاوض ومكان انعقاده وأسماء المتفاوضين من الجانبين تمهيدا لقيام معاهدة سرية لا يعلن عنها عند البدء في تنفيذ بنودها.
مغالطة يوسى جينوسار لنفي السرية عن المعاهدة المرتقبة، وادعاء الفلسطينيين بان الحوار يدور حول وثيقة ابو مازن بيلين لينفوا أيضا السرية عن نفس المعاهدة، قابلهما ما أعلنه يوسى كاتسى عضو الكنيست عن حزب العمل، عن قيام حوارات سرية مستفيضة مع مسؤولين فلسطينيين حول مصير القدس، وقرر ان هذه الحوارات تعطي الانطباع بامكانية التوصل الى حل وسط يلتقي مع امال الفلسطينيين وطموحات الاسرائيليين مما يعطي دفعة قوية للمفاوضات السرية الحالية في اوروبا ويتطلب ابرام معاهدة سرية غير معلنة حتى لا تصطدم برغبات الجماهير في الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لان كليهما يرفض النتائج المتوقعة من هذه المفاوضات السرية، خصوصا في ظل المعادلة الجديدة التي اعلن عنها رئيس الوزارة يهودا باراك القدس مقابل الدولة الفلسطينية الذي تحدثت عنه باستفاضة يوم امس الاربعاء 18 نوفمبر 1999م من على منبر الشرق الاوسط.
اتضح هذا الرفض من الجانب الفلسطيني الذي عبرت عنه منظمة حماس المعترضة على وثيقة أبو مازن بلين التي تتضمن قبول السلطة الفلسطينية اتخاذ أبوديس عاصمة للدولة الفلسطينية، لان هذا القبول يعني التنازل عن القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل وهددت منظمة حماس بمواصلة الكفاح المسلح لابطال بنود المعاهدة السرية المرتقبة لان مسؤولياتها النضالية تفرض عليها حماية القدس من العدوان الصهيوني عليها، وضرورة الاحتفاظ بها مدينة مقدسة للديانات السماوية الثلاثة واتخاذ الجزء الشرقي من القدس عاصمة لدولة فلسطيني عند قيامها.
وعلى الجانب الآخر يرفض الاسرائيليون وثيقة ابو مازن بيلين بما فيهم شيمون بيريز لانها تخرج كثيراً من الاراضي الفلسطينية بما فيها غور الاردن بكامله عن السيادة الاسرائيلية,, أكثر من ذلك رئيس الوزارة الاسرائيلية يهودا باراك يرفض بصورة قاطعة وثيقة ابو مازن بيلين، لانها تعطي الفلسطينيين اكثر بكثير من الاراضي التي يدور الحوار حول اعادتها، فنحن نتحدث معهم على اعطائهم نسبة 55% من اراضي الضفة الغربية باستثناء القدس، بينما تنص وثيقة ابو مازن بيلين على اعادة نسبة 90% من الضفة الغربية باستثناء القدس.
هذا الموقف لرئيس الوزارة يهودا باراك دفع المحرر السياسي عكيف إلدار في صحيفة هآرتس الى مهاجمة وثيقة أبو مازن بيلين ووصفها بأنها تفتقد للشرعية بسبب تناقضها مع مجريات المباحثات السلمية مع الفلسطينيين وطالب بإلغائها فورا لمساسها المباشر بمصالح اسرائيل العليا التي جعلت الناس في السلطة وفي المعارضة وفي الشارع الاسرائيلي تقف ضدها وترفض التعامل معها سواء جاءت بصورة علنية بعد التوقيع عليها او جاءت ركيزة اساسية للمفاوضات السرية في اوربا كما يدعي اعضاء الوفدين السريين اللذين يتفاوضان على ايجاد الحل النهائي بين اسرائيل وبين الفلسطينيين بصورة سرية.
قرر عكيف إلدار في كلمته ان وثيقة ابو مازن - بيلين وثيقة ملغاة بحكم الامر الواقع حتى وان لم يصدر قرار رسمي بالغائها لان موقف الحكومة منها بالمعارضة لها يفقدها اهلية الالتزام بها، فالموقف الرسمي العام الذي عبر عنه بوضوح رئيس الوزارة يهودا باراك يجب الاتفاق عليها بتوقيع وزير العدل يوسى بيلين.
هذا الهجوم العلني لوثيقة أبو مازن بيلين جعل وزير العدل يوسى بيلين يلحس توقيعه ويسارع الى توقيع وثيقة جديدة مع عضو البرلمان الكنيست عن حزب تجمع الليكود ميخائيل إيتان وحملت اسم وثيقة بيلين ايتان لتحل محل وثيقة ابو مازن بيلين دون أدنى مراعاة للجانب الفلسطيني الذي مثله أبو مازن في الوثيقة الاولى.
المشكلة لاتقوم فقط باتخاذ قرار من جانب واحد وإنما لانها ايضا تمثل اتفاقا بين الحكومة الاسرائيلية التي يمثلها يوسى بيلين والمعارضة الاسرائيلية التي يمثلها ميخائيل إيثان، فهي وثيقة اسرائيلية 100% لا علاقة للفلسطينيين بها وبالتالي لا يمكن الزام الفلسطينيين بها لانهم ليسوا طرفا فيها، ويدل قيامها على المسلك الاسرائيلي الأحادي الذي يريد فرض ارادته على غيره من الاطراف العربية في قضية السلام الفلسطينيين بهذه الوثيقة الاسرائيلية الاسرائيلية، وعلى سوريا ولبنان بما يبتدعه من وثائق جديدة تنسجم مع الاوضاع القائمة في مرتفعات الجولان السورية وفي الجنوب اللبناني.
اريد ان اقول ايضا بأن وثيقة بيلين إيثان تهدم المفاوضات السرية الدائرة في اوروبا وما قد يترتب عليها من معاهدة سرية، وعلى الرغم من معارضتنا للاتفاقيات والمعاهدات السرية بصفة عامة لتعارضها مع معطيات المرحلة الحضارية الانسانية التي نعيشها اليوم نقرر بأن كل ما يدور اليوم في أوروبا بين الفلسطينيين والاسرائيليين تحت مظلة السرية لايزيد عن مضيعة للوقت بعد ان الغت إسرائيل وثيقة أبو مازن بيلين التي تدور من حولها المفاوضات السرية.
الموقف يزداد تعقيداً بعد ان رفض ياسر عرفات القبول بالأراضي البور وطالب بالأراضي الخصبة في الضفة الغربية الذي قابله اتخاذ يهودا باراك قراراً بتأجيل اعادة الاراضي إلى اجل غير مسمى بصورة جعلت المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية مكانك سر لمدة طويلة قادمة.
|