عزيزتي الجزيرة الغراء,.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,.
لست اعلم لماذا ازج نفسي في هذا الموضوع الشائك الخطر المزالق والذي يصح فيه القول: الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود والذي قد يغضب عددا كبيرا من سيداتنا ولا يرضي العدد الكبير من الرجال ايضا.
وكنت منذ مدة قد كتبت مقالا عن ست البيت فقام من يطالبني بإنصاف الرجل الذي هو عماد البيت ورب الاسرة والدعامة الكبرى التي يقوم عليها بناء العائلة الراسخ.
وقد كان جميع الذين طالبوني بالتحدث عن الرجل من الرجال طبعا فاذا سمعوا او سمع بعضهم ما لا يسر الخاطر فذنبهم على جنبهم وعلى نفسها جنت براقش.
طبعا لن اسهب في التحدث عن اهمية رجل البيت فهذا من تحصيل الحاصل ولكنني سأتحدث عن دوره الذي بدأ يتقلص في هذا العصر وعن بعض الصلاحيات التي انتزعت منه فلم يتمتع بالنفوذ الذي كان له في الماضي غير البعيد.
كان الرجل سيد بيته عن حق وحقيقة ولم يكن الاولاد او الست قد استحوذوا على الكثير من صلاحياته ولم يكن لهم هذا النفوذ الكبير الذي يتمتعون به اليوم.
كان الوالد اذا ضحك في وجه اولاده عمَّ البشر والسرور ارجاء المنزل واذا عبس او سكت تهيَّب الجميع عبوسه وسكوته، كان يأمر فيطاع، كلمته هي المسموعة وتوجيهاته هي المعمول بها، كان اذا دخل البيت يخيّم سكون عميق فيخرس الجميع لا خوفا، بل احتراما,, اما اليوم فلم يعد يأبه بدخوله او خروجه احد,, ورب البيت لم يعد ادرى بالذي فيه فماذا عدا مما بدا,, حتى انقلبت المقاييس وتغيرت الامور؟ لماذا صار كلام رجل البيت لا قيمة له,, ولماذا تقلصت سلطاته الى هذا الحد مع ان مهامه وواجباته قد ازدادت، فالرجل المفروض فيه ان يعمل ست ساعات تراه يعمل عشرا,, والذي دخله الف يسهر الليل ليصل الى الالفين وذلك ليسد المتطلبات والحاجات التي بدأت تكبر,, وتزداد مع كبر وازدياد مقتضيات المدنية ومتطلبات العصر الحديث.
والغريب ان رب البيت كلما تقدم في السن ازداد ضعفه امام اهل بيته وازداد بالتالي اهمالهم واكاد اقول عدم احترامهم له والاسترشاد بآرائه ورجاحة عقله.
بالامس كان الرجل هو المسؤول عن سياسة البيت الخارجية اما السياسة الداخلية من طبخ وكنس وغسل فكانت من نصيب الست ولكن الحال قد انقلبت اليوم وصارت الست هي التي ترسم خطوط السياسة الخارجية للمنزل,, وهي مثلا تقرر من يجب ان تصادق العائلة او تعادي,, تزور او تقاطع,, فاذا خاصمت جارتها فعلى الزوج ان يخاصم صديقه زوج الجارة,, اذا كرهت امه واباه واخواته,, فعليه ان يكرههم ويقيم تمثالا لأبيها وأمها واختها,, كما ان الادوار قد انقلبت فصارت السيدة تهتم بالسياسة وتحضر الاجتماعات والندوات الخيرية طبعا وصار بعض الرجال يقبعون في البيوت للعناية بالاولاد,, ولن انسى قصة ذلك الشاب الذي ذهب يخطب فتاة فقال له ابوها: ابنتي تجيد الرقص والسباحة والعزف على البيانو,, فأجاب الشاب: وانا اجيد الطبخ والمسح وتقشير البصل!
بالامس كان وراء كل عظيم امرأة اما اليوم فوراء كل عظيمة رجل تصدر اليه الاوامر فيلبي الطلبات,, والغريب ان كل رجل يدعي انه اسد هصور في بيته تراه عصفورا بريئا حين تتأزم الامور,, لزوجتي صديقة اعرف مدى صداقتها مع زوجتي من مجرد التقائي زوجها الكريم فان كان سلامه حارا فمعنى ذلك ان الست راضية عن زوجتي,, وان كان العكس عرفت ان العلاقات الدبلوماسية سيئة بين القطبين او السيدتين العظميين .
ومع ذلك فما ضمنا مجلس الا وتغنى صديقي هذا بمقدار قوته وسطوته في بيته وانتقد رجال هذه الايام الذين اصبحوا دمى في ايدي زوجاتهم.
عائلة صديقة مؤلفة من ثلاثة رجال متزوجين ارادوا اقتسام ارضيتهم وبيتهم فدب الخلاف بينهم كما هي العادة في مثل هذه الحالات ولم يستطع الاخوة ان يقتسموا الارث بسبب تدخل زوجاتهم فاقترحت عليهم ان تجتمع الزوجات الثلاث حول طاولة مستديرة للتفاهم فاجتمعن وحللن المشكلة ونجح الاخوة في تفادي الاصطدام.
مما تقدم قد يتهمني بعض القراء بأنني اريد ان تقبع المرأة في مطبخها وان تظل متاعا لا اهمية له في المنزل ولا مكانة كلا,, والف كلا,.
انا لست ضد توسيع صلاحيات المرأة في البيت,, فالحياة المنزلية شراكة وللمرأة في هذه الشراكة نصف الحقوق والواجبات,, والتي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها .
ولست ادعو الى الرجوع الى يوم كان رب البيت جلادا,, ودكتاتورا يتحكم بالمصائر,, والاعناق والارواح.
لست ادعو الى زمن كان الرجل هو الذي يتكلم عن الجميع ويقرر عن الجميع دون الاستئناس بآراء اهل بيته,, ولكنني ادعو الى عدم الافراط في التحرر,, وعلى الآباء ان يعرفوا كيف تساس حياة الاسرة وان يعرفوا متى تمنح الحرية,, ومتى تحجب,, لئلا يساء استعمالها.
انا لا انكر ان هذا العصر قد انقلبت فيه امور كثيرة,, وان البون اصبح شاسعا بين الامس واليوم,, من عدة نواح,, وهذا البعد بين الماضي والحاضر يوجد بطبيعة الحال بعدا بين الجيلين القديم والحديث بين الاب والابن,, واحيانا بين الزوج والزوجة,,
وعلينا نحن الآباء والازواج الرجال ان نراعي هذا التطور حتى تبقى لنا هيبتنا دون المساس بواجباتنا تجاه الزوج والاولاد وبذلك يبقى الرجل متمتعا بنفوذه وحقوقه ضمن الحدود المعقولة,, ويظل حائزا لقب: رب البيت,, لا ان يكتفي بلقب زوج الست وحسب.
مالك ناصر درار