المؤتمرات المهنية التي تناقش كيفية وطرق الأداء وسبل الارتقاء به من أهم متطلبات الحداثة والتطوير من خلال تبادل الأفكار، التجارب والخبرات، سواء في المجال المعرفي بالابحاث العلمية والمستجدات المتوالية في الاختصاصات، أو في مجال الأداء المهني والممارسة العملية.
ولعل هذا التوجه قد ساد ونشأ في البلدان الصناعية منذ بدايات عصر الصناعة، حيث تعقد سنويا مئات المؤتمرات العلمية والمهنية التي تشكل فيها ورش العمل الى جانب الابحاث رافداً لاثراء مجالات التحسين والتطوير المعرفي والسلوكي والمهني في شتى حقول العلم والمعرفة, ولذا فانه من اليسير النظر الى أن المردود هو التميز الجاد في السعي الى تحقيق الجودة والارتقاء والرضا للعاملين والمتعاملين في المنشأة.
ولعل نهج وزارة الداخلية في السنوات الماضية الى عقد مؤتمرات سنوية لأمراء المناطق وقادة الشرطة في مناطق ومحافظات المملكة مؤشر جيد على الرغبة والطموح الى الافادة من الدراسات العلمية والميدانية, واستقراء آثار التجارب, واللقاءات وتبادل الخبرات من أجل تحسين أداء الأجهزة العديدة المربطة بوزارة الداخلية وبالذات في قطاعات الامن.
والأمن في بلادنا في نهجنا الفكري شيمة وقيمة ومن أعلى وأغلى القيم والمثل الاجتماعية,, قياساً لمسؤولية شعبنا الاجتماعية امام امة الاسلام كخدام وحراس ورعاة للحرمين الشريفين، وكعقد اجتماعي اخلاقي في الحفاظ على اهم مكتسباتنا الوطنية الاتحاد الوطني الذي توارثناه جيلا بعد جيل عن الاجداد والآباء الذين ناضلوا في الكفاح بقيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله من اجل هذا الارث الكبير.
والامن في بلادنا ليس امن سلطة حاكمة,, بل أمن جمع واجتماع,, فلا حراسات على الوزراء,, ولا الامراء,, ولا اخال أن بلداً في العالم مهما بلغت فيه الحرية الفردية والممارسة الديمقراطية,, يكون الحاكم فيه كما كان حال ولي العهد الامير عبدالله بن عبدالعزيز,, وهو وسط الجماهير الحاشدة المدججة بالسلاح ,, يمسك برأسه شباب الوطن في بيشة وابها,, بيد لجذبه لقبلة عربية وفي هذه اليد خنجر,, يرتكز فوق الراس,! ترى ماذا سيكون وضع اي امن وقائي في مثل هذه الحالة في أي مكان في العالم,, وهذا لاينفي أن لدينا تواجداً في بعض الاحيان من الاجهزة الأمنية في الاحتفالات,, لكنهم يتوارون عند التحام الناس بالزعيم.
بعد أيام سيعقد المؤتمر السابع لقادة الشرطة في بلادنا وأجدني استعيد كلمات لوزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز في المؤتمر الخامس ان لم تخني الذاكرة كمنطلق لموضوعنا هذا : يجب أن نحسن التعامل مع المواطن بأن نحترمه، وان نتعاون معه ونحل مشاكله وأن نعامله بلطف وفهم وتعاون كامل, ويجب ان نكون أشداء وحازمين مع من يفكر بالعبث بأمن الوطن او الاساءة لأي انسان في هذا الوطن !
وبهذه العقلية والنهج من مواطننا أمين الأمن نايف بن عبدالعزيز نستشرف آفاقا وضاءة ان شاء الله لمستقبل مسارات التحديث والتطوير لمرافق الأمن العام الشامل من شرطة وجوازات ودفاع,, مدني.
ولكي يحظى رجل الأمن بثقة المواطن وتقديره صارح وزير الداخلية المؤتمرين في العام الماضي بأنه يجب أن نقوم بواجباتنا متكاملة وان نشعر كل من له قضية وكل من يتعاون معنا اننا نشركه في اعمالنا ونتعامل معه بأفضل معاملة ونهتم به ونحسسه بالمسؤولية بكل مايعمل وكل ما يبذل من جهد .
لاشك ان الشرطة في بلادنا قد مرت بمراحل من التطوير والتحديث في المعدات والآلات، لكن لا يعيب اذا قلنا ان تطوير القدرات البشرية تحتاج إلى المزيد تبعاً للنماء الحضري للمدن والحواضر والترابط والاتصال والتواصل الاجتماعي، وتنامي البناء الفكري والمعرفي والارتقاء الاقتصادي والانفتاح على العالم فضائياً وتأثراً وتأثيراً من خلال الاتصال الانساني بثقافات العمالة القادمة من كل انحاء العالم وللحج والعمرة وفي مجالات تواصل اخرى,, دون انكار لشبابية الغالبية من شعبنا اليوم,.
ولعل هذا يدعونا الى احداث تغيير وتطوير في أجهزة الشرطة على وجه الخصوص وبقية الأجهزة الأمنية الأخرى عموما,, بما يتوافق وفقه الواقع المعيش,, ومن المفترض أن يكون التغيير متوافقاً شكلاً ومضمونا دون فصل بينهما,, ولايمكن أن يتحقق هذا المطلب دون أن تكون هناك منهجية تحليلية علمية حتى نصل إلى التطوير والتغيير من أجل تحسين الخدمة المطلوبة للشعب.
هواجس الأمن كثيرة, واستشعاراً بالمسؤولية الاجتماعية والفكرية اضع بعض الأفكار أمام قادة الشرطة, عسى أن يكون فيها فائدة تفيد، ويكون لنا فيها أجران ان شاء الله وان كان لنا أجر واحد فقد اجتهدت ولم آل.
التدريب من أهم مايجب التركيز عليه والاهتمام به,, أعلم أن لدى الأمن العام مراكز تدريب لضباط الصف والجنود، وكذا الحال مع أمن الطرق وقوة الأمن الخاصة وسلاح الحدود والدفاع المدني والجوازات وادارات الشرطة في المناطق، واعتقد أن هذا الشتات يمكن توحيده,, وتطويره الى تدريب أكثر فاعلية وانتاجية,, من خلال توحيد الجهود وتوفير المال والوقت واعتقد أن أسلوب التدريب التقليدي الذي يركز على تنمية العضل مهم لكن من المفترض أن يصاحب ذلك تدريب لتنمية المهارات الفكرية الابتكارية, وذلك استنادا الى أن المستويات العلمية للأفراد قد ارتفعت الى مستويات الثانوية العامة والجامعية أيضا كما هو الحال في الدوريات الأمنية.
وهنا فان الافادة من ارتقاء المستوى الفكري والمؤهل العلمي يقتضي شمولية التدريب على أساسيات التحقيق وعناصره الأولية ، وعلى مهارات التعامل والاتصال بالجمهور وأصحاب القضايا اليسيرة: حقوقية، مدنية,, الخ بل وحتى الاجرامية وتقدير الموقف في شأن الجنح والمخالفات من بعض الأشخاص وبالذات صغار السن من المراهقين.
كما أن اللياقة أمر مهم للشرطي, فهو متوقع منه المطاردة والمداهمة,, والمراوغة واستخدام المهارات في قيادة المركبات واستخدام أساليب وفنون الخداع والدفاع عن النفس قبل السلاح، ولعل الاستفادة من خبرات الولايات المتحدة واوربا في هذا الشأن مما يساعد على ايقاع المجرمين والمخالفين في زمن قياسي وبأقل جهد وتكاليف,, وبالذات في المطاردة واستخدام حركات المركبات في عرقلة واعاقة الهاربين,, واللياقة المتواصلة لاتأتي الا بوجود طابور صباحي للسير 3 4كيلومترات قبل بدء الدوام وقبل المساء, ولا أدري الشأن مع الضباط هل يشمل التدريب الأكاديمي في اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية شيئا ذا علاقة باللياقة البدنية,
وعليه فلابد من وجود مراكز تدريب على اللياقة دورة انعاش تنشيط لدى القوات المسلحة والحرس الوطني وفي الخارج أيضاً.
كما أن التفكير مهم في وجود نظام جديد للتدريب على رأس العمل بمشاركة أكاديميين وضباط مؤهلين تأهيلا عاليا لتدريب الضباط في دورات متواصلة واساسية تأسيسية لكل رتبة في مجالات الأمن العام، تحقيق، استطلاع، رصد معلومات، ادارة أزمات، أدلة البحث الجنائي واللغات.
المهم أن تكون ذات مستوى عال من التأهيل في المجالات الأمنية على غرار مافي دورات الأركان لضباط القوات المسلحة.
لعل من المهم أن يكون هناك مجلس لقوى الأمن: شرطة، دفاع مدني، مباحث، سلاح حدود، أدله جنائية، جوازات يتولى التخطيط الشمولي الاستراتيجي المترابط للخطط والعمليات والتدريب لكافة القطاعات الأمنية بمنظور شمولي هدفه تحقيق الأمن العام الشامل, ففي هذا وفر للجهود والشتات والتداخل الحاصل الآن,, وأن يشمل هذا التخطيط العنصر البشري والمقرات والمعدات والآليات.
كذلك فان الواقع المعيش يدعو الى انشاء شبكة معلومات وطنية للوقوعات اليومية، باستخدام طرفية مركز المعلومات الوطني لتكون الصورة الأمنية جاهزة صباح كل يوم على طاولة مدير الأمن العام واركاناته حتى يتم احكام السيطرة والتحكم في شأن المخالفين والجانحين والجناة والسرعة في رسم الخطط والقرار للمراقبة والرصد بحيث تكون المعلومات على مدار الساعة لدى قيادات الشرطة وضباط الخفر والآمر المناوب بمجرد لمسة زر الحاسوب.
ان بث الوعي بالتدريب والتكرار بالتعاميم والتكميل في طريقة التعامل والتخاطب مما يفيد في الارتقاء بالسلوك الانضباطي لاحترام الناس، ولعل في منهجية خطاب سمو وزير الداخلية الذي أشرت اليه في البداية من الوضوح مالايحتاج الى ايضاح فاحترام المواطن يجب أن يكون شعار الشرطة.
العمل على ايجاد آلية لتقليل مشكلة تداخل حدود ادارات الشرطة في المناطق,, وداخل المدن حتى لايكون في هذا ثغرات أمنية,, وتعطيل للايقاع ببعض المجرمين,, وهذا يدعو أيضا الى اعطاء مرونة أكثر لمراكز الشرطة للاتصال ببعضها البعض في أي مدينة من أجل سرعة الابلاغ والقبض دونما حاجة الى أن يكون التخاطب عن طريق مدراء الشرطة,, فالزمن هام جداً في شأن مكافحة الجريمة وملاحقة الجناة,.
تحسين مقار إدارات الشرطة واقسامها,, ولعل في الأمر متسعا أن تنحو وزارة الداخلية منحى وزارة المعارف مع القطاع الخاص لبناء مقرات للشرطة من خلال التمويل بالمصانعة أو المرابحة أو أي نوع من أنواع التمويل الائتماني, فالواقع أن جل مقرات الشرطة يجب أن تكون في المستوى الذي عليه بلادنا,, سواء في المباني,, أو الأثاث أو طريقة الأستخدام.
وبالمناسبة فان التخطيط يجب ان يكون بعيداً عن الأعمال الروتينية اليومية التي تشغل ضباط الشرطة بما لم يعد يفسح المجال للتخطيط الاستراتيجي والتفكير الأبداعي.
إن تطور وسائل الاتصال والفكر الاجرامي الماهر في استخدام شبكات المعلومات يقتضي وجود كفاءات متخصصة في هذا المجال تجاري العالم في استخدام التقنيات لمحاربة أوكار الجريمة وافكارها إن وجدت, ومن هذا المنطلق فان مركز أبحاث الجريمة يفترض أن يكون له دور فعال في دراسة الظواهر التي تؤدي بعينات من الشباب الى الجنوح للعنف والمخدرات والبحث في مدى الصلة بين الدوافع والواقع المعيش فقر وبطالة فالجوع والبطالة من اكبر الدوافع للانتقام من المجتمع, ومن هنا فلابد أن يكون للمركز وكذا ادارات البحوث والمعلومات في ادارات الشرطة علاقة يومية بالوقوعات وأعمال وأساليب البحث العلمي، ولعل من مواطن الأمانة الرسمية والاجتماعية والأخلاقية ان يقرر المحققون والباحثون اقتراحاتهم لصناع القرار في الشأن الأمني الاجتماعي عن توجهات واتجاهات ودوافع الجنح أو الاجرام.
لعله من المأمول أن يدرب ضباط الصف على القيام بأعمال التحقيق والضبط بدلا من الأعمال الكتابية التي يفترض أن يحل محلها الكمبيوتر في شأن البلاغات وتسجيل الوقائع والأحكام,, وماله علاقة بحوادث السير ونماذج الاصلاح والتقديرات وغيرها من الاعمال الروتينية فهذا سيفسح المجال للضباط في التفكير في وسائل وطرق التطوير والتحديث للعمل وسيره فلدينا كفاءات من صف الضباط والجنود ماهرة وعلى قدر كبير من التأهيل العلمي.
ومن النهاية عوداً للبداية, رجل الأمن مواطن قبل أي مسؤولية وظيفية له حق الرعاية والتقدير بقدر مايكون باذلا نفس الشيء لمواطنيه.
والى مدير الأمن العام واركانات الأمن العام في مؤتمرهم السابع الأمنيات بالتوفيق والصلاح.
|