تلقيت دعوة معهد الادارة لندوة (الصحافة والادارة الحكومية) التي عقدت يوم 29/7/1420ه, واستمعت الى الملخص البحوث والاوراق الذي عرض على من حضر جلسة الافتتاح, وهو اي ملخص جهد مقدر للمعهد فليس كل حاضر يمكنه ان يتابع الجلسات كلها, والاهم من ذلك هو ان المعهد قد احسن بعقد هذه الندوة التي حضرها طرفا المشكلة (الصحافيون والمسؤولون), وقد وضح الملخص ما توصل اليه الباحثون والكتاب بما رأوه لكل طرف او عليه, ثم ان نقاش المشكلة في جو من الحرية وسعة الصدر من كل طرف هو نهج حضاري محمود، وعسى ان يستمر المعهد في هذا النهج فقد انتهى ذلك الزمن الذي يُدعى فيه الموظف ليستمع الى نصائح دون نقاش موضوعي لما يطرح, وقد اكثر المعهد في سنواته الاخيرة من هذه الندوات مما يدلل على استشعاره لهذا التطور المهم في عالم الادارة.
ومع كل ما طرح فان العلاقة بين الصحافة والادارة الحكومية ستبقى علاقة شد وجذب، او تحفز من جانب الصحافة للنقد وامتعاض من جانب الادارة، فالادارة تأخذ على الصحافة عدم التحري قبل الكتابة, واكثرهم يقصد بذلك ان يتم سؤال الادارة قبل نشر النقد، في حين ان الاكثرين يقابلون السؤال اما بالتهرب واما بالتسويف، حتى اذا ما نشر النقد تغير الموقف باعداد رد يغلب عليه تفنيد ما ذكر ان لم يتجاوزه الى التلميح او التصريح الى اغراض خفية للكاتب, وان جاء الرد مقدرا لما كتب فقد يكتفي ب(الموضوع رهن الدراسة وموضع الاهتمام).
اما الكتّاب فتأخذ عليهم الادارة ان بعضهم دوافعه ذاتية لا تهدف للاصلاح بقدر ما تشير الى ان الكاتب له مصلحة اما قريبة او بعيدة وان بعض الكتاب قد يكتب بعد شهور نقيض ما خطه قلمه من تمجيد لتلك الجهة او لمسؤوليها، اما المنصفون فيرون ان كلا الطرفين لديه ضيق لما يكتب، فالكاتب لا يكتب بمبادرة منه بل اما بشكوى له من مراجع او بمراجعته لتلك الدائرة, ولكنه لم يذهب يوما بقصد المتابعة والالمام بالمشكلة من كل اطرافها (الادارة ومراجعيها), والادارة الحكومية يكاد يقتصر دور العلاقات فيها على التبرير او الدفاع ولا تتحرك العلاقات لاعطاء معلومات الا اذا نشر النقد, ولو راجع مراجع لطلب معلومات ولو ثقافية لقوبل غالبا بالتسويف والاحالة من فلان الى علان وغالبا ايضا انه لا توجد معلومات معدة اعدادا محدَّثا الا اذا كان الموضوع اخبار المدير، فهذه تطير عبر الفاكس لكل الصحف وهي في الغالب اخبار مغادرة وقدوم واجتماع وتصريح او ما يمكن اختصاره بأخبار التلميع.
هناك بحثان ميدانيان في الندوة احتويا على نتائج جيدة, وهناك اوراق منها ما عكس واقع العلاقات العامة في جانبيها السلبي والايجابي, والمهم ان في كل ذلك فوائد ولكن الفائدة العملية هي ان تفعَّل تلك التوصيات الى واقع، وستبقى الصحافة لسان المواطن ويده التي توصله للمسؤول, وسيبقى المسؤول هو صاحب قرار دراسة النقد وتمحيصه والافادة منه او تجاهله والسكوت عنه, وسيبقى الشكر لمعهد الادارة على عقد مثل هذه الندوات المفيدة للمجتمع وللصحافة وتعطي صورة عن الوعي الحضاري لمجتمعنا في مناقشة المشكلة وجها لوجه دون خوف او حرج, وستبقى المواطنة هي هاجس الاهتمام لدى الصحافة والادارة والمعهد والمواطن.