بين عشية وضحاها رحل والدي وارتحل بإرادة الله العظيم إلى حيث يقطن الأخيار الأبرار في رياض الجنة ورحمة الرحمن التي وسعت كل شيء, ما هو العزاء في رحيلك يا والدي سوى أن تكون في ملكوت الرحمة الالهية حيّاً ترزق عند ربك في روحٍ وريحان وجنة نعيم، وذلك بحق جزاء الصالحين,, أولي النهى والهدى والتقى,, وأنت بحول الله منهم بشهادة حق من جموع مسلمة من ذوي القربى والجوار والأصحاب.
فراقك يا والدي وان عزّ مقامك عند ربك ألمٌ لا ينتهي,, ودمع لا ينجلي,, ومصيبة عظمى لا تندمل,, وما أمامنا من شيء بعد رحيلك إلا التسلح بسلاح المؤمنين المتقين إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ,, والدعاء الدائم لك يا والدي بالمغفرة والرحمة والرضوان من رب الأرباب القائل في محكم التنزيل وربك الغفور ذو الرحمة .
لقد أقمت يا والدي والله شاهد في عموم أهل بيتك الخير والصلاح والتقوى في كل جانب من جوانب حياتهم,, وأنشأتهم صغاراً على حب الأعمال الصالحة والفاضلة في كل أمر من أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم,, ورعيتهم وقدّرتهم فنعم الراعي ونعمت التربية,, ورأى الجميع فيك خير مثال وخير قدوة:
,,,كنت مثالنا في التمسك بأهداب الدين الحنيف,,.
,,, كنت مثالنا في التحلي بالخلق القويم.
,,, كنت مثالنا في اعمال البر والخير والإحسان,.
,,, كنت مثالنا في العون والعطف والحنان,.
,,, كنت مثالنا في الصبر على طاعة الله واجتناب معاصيه,,.
,,, كنت مثالنا في حسن التربية وسلامة النصح والتوجيه,.
,,, كنت مثالنا في صلاح النية واستقامة العمل,.
,,, كنت مثالنا في الأمانة والاخلاص والعفاف وغنى النفس,.
,,, كنت مثالنا في جملة كريم الخصال,.
أوَ بعد هذا كله يمكن أن نطيق فراقك؟؟ حاشا وكلا,, فأنت الأب الأوّاب,, نشأت وحيداً يتيماً,, وأعزّك الله بأن عشت عزيزاً كريماً,, بنفس مؤمنة وروح هانئة راضية وقلب عطوف كبير,, رعيتنا حق الرعاية,, وأغدقت علينا عطفك الجم,, وتحملت كبد الحياة ومشقاتها بعزة المؤمن الصابر في سبيل حياة أفضل لأهلك وذويك ومحيطك الاجتماعي, وكما جاهدت نفسك في سبيل مرضاة ربك,, ورعاية أهلك,, وكسب ودِّ ذويك وأصحابك، كنت أيضاً نعم المجاهد في عملك الوظيفي لما يقرب من أربعين عاماً,, قدمت فيها الواجب العملي المنوط بك بكل أمانة ونزاهة وإخلاص,, فنلت بكل استحقاق رضا العاملين معك أفراداً وجماعات,, رؤساء ومرؤوسين.
كيف لي أيها الأب الجليل أن أنسى السويعات القليلة التي أمضيتها معي في منزلي قبيل وفاتك الطاهرة,,؟ جئت إليّ بكل عطف الأبوة لتزورني وتهنئني بقدوم مولودتي الجديدة وتكرمني بجودك يا صاحب الجود,, ثم تسلّم وتمسح على جسم مولودتي حفيدتك الصغيرة براحتيك الطاهرتين وتنفخ عليها بنفَسك الطاهر داعياً لها بالصلاح والتقوى، وهكذا تمضي هذه الساعات القلائل ونفسي مستريحة بك ومعك الى أن خرجنا سوياً لصلاة العصر ثم عدنا وبقينا معاً مطمئنين بهذه الجلسة العائلية المباركة, وفي لحظات ما قبل أذان المغرب من يوم هذه الزيارة الكريمة يعود والدنا بصحبة بعض أفراد عائلته الى منزله ليمضي بقية يومه وليلته,, فيأتيه القدَر في اليوم التالي وعلى حين غرّة ويوافيه الاجل المحتوم بعد أدائه صلاة فجر يوم الجمعة السادس من رجب لعام 1420ه, الصدمة كانت قاسية كالحديد,, والمصاب جلل,, والخطب عظيم، هكذا فجأة كنا نعيش بظل والدنا وبطرفة عين خاطفة اختارته عناية الله فأصبح في عداد الأموات، وبالنسبة لي فلم أهنأ من بعد ذلك بنوم أو راحة أو معيشة حتى تفضل الله علي بعد ثلاثة أيام من رحيله برؤيا صالحة فسرها بكل ثقة شيخ جليل من كبار العلماء بأن الوالد بإذن الله منزلته رفيعة في الجنة , اللهم آمين، اللهم آمين,, وألحقنا به في الصالحين وعموم المسلمين يا رب العالمين وأرحم الراحمين,, والحمدلله في كل حين,, وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د, ثامر المطيري