الأمن الاجتماعي مفهوم قديم جديد فقد تناوله الباحثون من كل صوب في الفقه والقانون وعلوم الاجتماع المختلفة ويتفق الجميع على مفهوم اجرائي مؤداه انه الامن الاجتماعي هو حماية المجتمع من جريمة حالة او متوقعة ومعنى هذا أن يحمى المجتمع مما يخل باستقراره سواء بوقوع جريمة يعاقب عليها النظام او في حالة الخطورة الاجتماعية التي تتمثل في ممارسة الانشطة الخطرة التي تدعو للتوقي والحذر خشية تحول هذه الانشطة الى جريمة فعلية.
والمقصد هو احقاق الاستقرار والعيش تحت مظلة السلام الاجتماعي وفقا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) البقرة:281 كما وأنه يعني احترام حقوق الآخرين وعدم النيل منها كحرمة الانفس والاموال والأعراض مما يدعو الى الامان النفسي والاجتماعي والتوافق والانسجام واللاصراع واللاتنافر.
ويرد مفهوم الامن الاجتماعي بمعنى النأي عن الظلم حيث يقول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الانعام: 82 مما يدل على ان الايمان من الامان، فالمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم, ابن ماجه ج2 .
وفي هذا الصدد والحق نقول ان اي مجتمع من المجتمعات التي تملك اسلحةالدمار الشامل أبدا لن يتحقق لها في ظل ذلك الامن والامان والاستقرار ما لم يتوافر لديها مقومات الايمان بالله الواحد القهار ففي الحديث: لا ايمان لمن لا أمان له، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، و المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم (ابن ماجة ح2).
ولذا كان من مقومات الامن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لحفظ النظام العام والعمل بأوامر الاسلام وآدابه والاجتماع على طاعة ولاة الامر واقامة الحدود والحفاظ على الشريعة.
وقبل قيام المملكة العربية السعودية كان من الشائع ان كل قبيلة كان لها الهيمنة والسيطرة على منطقة بعينها تمد نفوذها عليها وتدحر الدخيل لها مما ادى الى النزاعات ونشوب الحروب بين القبائل بنقل العصبية والحمية واعلاء الكلمة ورفعة الشأن، وكان من جراء ذلك تهديد الامن وتقويض الاستقرار وضياع الحقوق واشاعة القلق على الانفس والامراض والاموال, وأصبحت القبيلة هي وحدة النظام المسؤولة عن امن ابنائها ومن اجل احقاق الامن كانت الغارات كوسيلة حصينة للوقاية والعلاج من تسلط وسطو الآخرين والحيلولة دون اغارتهم او امتدادهم أو غلوهم.
وظل الحال هكذا ضعف واضطراب واختلال في الاحوال وغارات وسطو وسلب ونهب مع غياب للرادع ووجود زاجر يردع المغير والمعتدي ويجازي من تسول له نفسه ان يسعى في الارض فسادا,, إلى ان جاء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ودخل مدينة الرياض عام 1319ه وحينئذ خمدت الفتن وعم الاستقرار واستتب الامن الى ان تم توحيد المملكة العربية السعودية واشتدت ازاء ذلك الاواصر وتأكدت الروابط بين الجميع وصار شعب المملكة شعبا واحدا مستقرا آمنا يحدوه الايمان بالله والولاء لرسوله الكريم والسعي نحو التقدم والازدهار والرقي من خلال رسم خطط تنموية وطنية متتالية.
وتحقق الامن الاجتماعي في ربوع المملكة باعتبارها اليوم نموذحا ومثلا يحتذى في الامن والاستقرار تحقق بفعل محاور ثلاثة يتفاعل بعضها البعض وليست محاور مجزأة أو منفصلة.
المحور الاول: الدستور الالهي واشتقاق كل النظم منه واتباع تعاليمه والاهتداء بها سلوكا ومسلكا مما قوى معه الوازع الذاتي وشاعت الطمأنينة وساد الامن تحت مراقبة توجيهية تقويمية تتمثل في جهاز الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والمحور الثاني: ويتمثل في عموم تطبيق الشريعة بما يتضمنه من شرائع القصاص والحدود والتعزيرات التي حددها شرع الله لمحاربة الجرائم والحد منها مما أدى الى الضبط الاجتماعي، وتحقيق الطمأنينة في نفوس الناس وتخفيف حدة الاجرام وشيوع الامن والاستقرار.
المحور الثالث: ويتمثل في القائد القدوة فقد كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - قيادة حكيمة فذة صلبة في الحق عادلة في التطبيق وقد سار على الدرب ابناؤه البررة يطبقون شرع الله في كافة مجالات الحياة مما عم معه الامن الاجتماعي ورسخت مبادئ العدالة الاجتماعية وتحققت امارات الانضباط والنظام وسادت الطمأنينة والشعور بالامان والسلامة على العرض والمال مما جعل علاقاتها بالآخرين علاقات يسودها الود والاحترام والتقدير والاعزاز لما تعطيه من دلالات ظاهرة على اثر تحقيق الامان والاستقرار في ظل تطبيق الشريعة الاسلامية الغراء النظرية الخالدة التي تجيب على اصحاب النزعات النظرية والتوجهات الوراثية والبيئية والتفكك الاجتماعي والمخالطةالفارقة والازمات السياسية والاقتصادية والحتمية النفسية والعوامل الذاتية والخارجية مما تمثله الدراسات المستحدثة في علم اجتماع الجريمة او الدراسات التي تتناول الانحراف والمنحرفين.
مندل عبدالله القباع