عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
يشترك في هذه الحياة الجميع الصغير والكبير الغني والفقير الذكر والانثى,, الكل بين فرح وسرور وبهجة وحبور وبين الحزن والهموم والكرب والمعاناة,, فأحوال الناس متقلبة بتقلب الايام ومختلفة باختلاف الطباع ومتنوعة بتنوع المقاصد ومتعددة بتعدد الاحوال ومتباينة بتباين الاجناس,, فمن الاحوال ما اطلع عليه الغير ومنها ما استتر بحجاب عن اعين الناس وآذانهم لتصبح في ملفات الاسرار، وماخفي اعظم مما بدا وظهر للعيان,, وذلك لتغير الاحوال وطرائق الناس في تعاملاتهم واهدافهم ومشاربهم,, ومتى ما عنّ لكاتب ان يخوض في كتابته في تلك الاحوال فما عساه ان يبلغ؟! حتى ولو كرس جل وقته وكل جهده فما احتواه القلم وقيده من ذلك البحر ما هو الا بقدر ما يملأ الكف، ولكن حسبه انه اجتهد,, وفي هذه العجالة اطرق قضية مهمة جداً، ارى انها لم ترو ولم تعط حقها من الطرح,, فما لقيته من طرح لايوفيها حقها من جميع جوانبها, هذه القضية هي: معاملة بعض الازواج لزوجاتهم,, واقصد المعاملة الفظة الغليظة والتي تحمل بين طياتها من الظلم الشيء الكثير، مما جعل الكثيرات يعانين من الاحباط النفسي وكره للرجال.
وتمهيداً اقول إن طابع الحياة الزوجية قائم على الالفة والمحبةوالمودة والمعاملة بالحسنى والمبني على التفاهم المتبادل وتقديم التضحيات,, وبالجملة فإن المعاملة بين الزوجين مدارها تطبيق ما امر به الشرع ونبذ مانهى عنه,, فمن حكمة الله تعالى ان خلقنا من نفس واحدة وخلق منها زوجها :يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء الآية الاولىمن سورة النساء, فبالزواج يتحقق التكاثر وزيادة القوة بالعدد، قال صلى الله عليه وسلم : تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الامم , والزواج سكن ومودة وشعور متبادل بين الزوجين لينعما بالامان والطمأنينة، قال تعالى :ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الروم آية 21.
ولهذا فإن الدخول في هذه الحياة يتطلب عقداً يحدد جوانبها بشروط يتفق عليها الزوجان,, ويكون هذا العقد ايذانا ببدء حياة مستقرة من منطلق واضح وسليم وصحيح، وفي ضوئها (اي الشروط) تدار العجلةوتسير المركبة في بحر زاخر بكل شيء, فيذوق كل داخل فيها طعم الحياة السعيدة الهنيئة المبنية على اساس قوي ومتين ثابت، بنية صادقة صافية، محفوظة بحفظ الله ومكلوءة برعايته سبحانه,, فهنيئاً لكل متزوجين التزما بهذه الشروط وعملا بها وانعشا حياتهما بالامتثال والوقوف عندها,, ومن الاسس والقواعد التي تسير فيها وبها وعليها الحياة الزوجية اساس مهم وراسخ، لكونه الشرط الاهم في عقد الزواج واكمال الحياة الزوجية بسعادة غامرة حدده الشارع (فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان) البقرة آية 229, والامساك والتسريح بيد الزوج، فهو مسؤول مسؤولية كاملة عنه وهو راع ومسؤول عن رعيته,, فهو مسؤول عن معاملة زوجته معاملة حسنة طيبة، والصبر على الزلة، ونصحها وتوجيهها توجيها سليماً,, وما المرأة الا خاضعة وعاملة وساعية لطاعته، لانه جنتها ونارها : من ارضت ربها وصلت فرضها وصامت شهرها وأطاعت بعلها دخلت الجنة,, وطبيعة المرأة التي جبلت عليها حب زوجها وطاعته والميل له والحرص على كل مايرضيه وتنفيذ جميع مطالبه, والمرأة مهما استغنت عن الاشياء لايمكن ان تستغني عن زوجها,, فكان على الزوج ان يشفق على زوجته ويسعى جاهداً في سبيل اسعادها وتهيئة الجو المناسب لها لتقوم بكل حقوق زوجها عليها, فيكون كل منهما عونا لصاحبه في جعل الحياة بينهما سعيدة فيها الشيء الكثير من التضحية.
وبعد هذا التمهيد نجد بعض الازواج قد استغل هذه السلطة استغلالاً سيئاً، فظلم زوجته بشتى انواع الظلم, واليك بعضاً من هذه الامثلة عن هذه المعاملة الفظة الغليظة التي يمارسها بعض الازواج هداهم الله - مع زوجاتهم مما يتنافى مع الشرط الذي دخلا هذه الحياة من خلاله : الامساك بالمعروف او التسريح بالاحسان .
فمن الامثلة الموجودة في الواقع ماجاء في زاوية مستعجل للكاتب المعروف الاخ عبدالرحمن بن سعد السماري تحت عنوان قصة زوج,, قد لا تصدقونها في عدد الجزيرة ذي الرقم 9855 يوم الاربعاء 12/6/1420ه ولولا الاطالة لذكرت المقالة بكاملها فمن اراد قراءتها فليرجع الى العدد المذكور, وانها لمصيبة عظيمة وخطب جلل ان يصدر ذلك التصرف الارعن من زوج تجاه زوجته,.
ومن الامثلة ماكتبته الاخت الكريمة ليلى بنت محمد المقبل في عدد الجزيرة ذي الرقم 9872 الصادر يوم السبت 29/6/1420ه وعنوان مقالتها: قلوبهم غير مأمونة على الثبات,, جحود الرجال,, طبيعة متأصلة,, ام حالات فردية واردة؟! .
ومثلها مانقرأ من آلام تبث عبر صفحة :مشكلة تحيرني وما تطالعنا به الكتب والجرائد والمجلات من مشاكل تقع بين الزوجين سببها معاملة الزوج السيئة لزوجته,, وماهذا الا من الظلم المبين الذي سيسأل عنه الزوج, اذ كيف ستعيش الزوجة المسكينة في ذلك الحجيم الذي ان ارادت الخروج منه وقعت في غيره من نظرة المجتمع للمطلقة وما يصاحب ذلك من مطالبة الزوج لها بالمهر الذي دفعه لها ان هي طلبت الطلاق؟ فحالة بعض الزوجات أليمة لايعلمها الا الله.
وهنا زوج يعامل زوجته معاملة عنيفة، يضيق عليها الخناق,, حول حياتها الى عذاب دائم ومرارة العلقم، فما يكاد يدخل المنزل الا والبيت مضطرب يتكهرب الكل ينتفض خوفاً على نفسه ان تصيبه طلقة من ذلك الغضب المتحرك الزوج فإن طلب شيئاً وتأخر قليلاً فالويل ثم الويل لهذه المسكينة التي لا حيلة لها الا البكاء وحسبي الله ونعم الوكيل ,, فهل مثل هذه المعاملة قد التزم صاحبها بقولة تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء آية 19, وقد يرفع يده ليوقع عليها عقوبات متنوعة مقالية وفعلية,, وكثيراً ما يختلق الاسباب ليفرغ غضبه على زوجته المسكينة,, فهل يكون هذا قد استوصى بالنساء خيراً: الا واستوصوا بالنساء خيراً فانما هن عوان عندكم,, والعوان جمع عانية وهي الاسيرة فكأن المرأة في بيت زوجها اسيرة عنده,, فأين الرحمة وأين الشفقة؟!
ومن الازواج من يخرج من وظيفته ويتجه مباشرة الى الاستراحة لايمر على اهله ولا يسأل عنهم فلا زوجته تراه ولا اولاده يرونه، قد افتقده بيته لا يأتي الا بالهزيع الاخير من الليل منهك القوى منهد الجهد من السهر مع الاصدقاء في لعب ومشاهدة تلفاز ليطرح نفسه جثة هامدة,, ينهض في الصباح متثاقلاً إلى عمله,, فأين حقوق زوجته وعياله!! أمثل هذا يكون من خيار الناس لأهلهم؟؟! كما جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام :خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ، شتان بين مشرّق ومغرّب!! فمن لم يكن من الاخيار فما عساه ان يكون؟؟!.
ومنهم من اهمل اهله بالنفقة، فلا طعام يطعمهم ولاكساء يكسوهم، حتى ليكاد بعضهم ينسى اهله حتى تصل الحال بأهاليهم ان يستجدوا الناس في بعض شؤونهم,,!! فهل عمل هؤلاء بحقوق اهلهم عليهم كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل ماحق زوجة احدنا عليه؟ قال:أن تطعمها اذا طعمت، وتكسوها اذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت اي في المضاجعة اما هجرها بالكلام فلا, فكيف بأولئك الذين هجروا بيوتهم واستبدلوها بالاستراحات؟! فلا وجه يرى ولا كلام يسمع فضلاً عن ان يغتنموا فرصة للجلوس معه والاستئناس بقربه فأين الرعاية؟! وأين القوامة؟! وأين الرجولة؟؟!
وحقيقة مرة ان نسمع او نقرأ عمن قطع نفقته عن اهله ومن يعول فبعمله هذا ترك اجر الانفاق عليهم ليبوء بالاثم: كفى بالمرء اثما ان يضيع من يقوت .
كم في البيوت من اسرار قد خفيت بإغلاق ابواب نشرها وكتم الزوجة ما تتكبده من ظلم زوجها لها من معاملة وهضمه لحقوقها وغيرها مما تتطلبه الحياة الزوجية والاسرية، وقد عفّت نفسها ورفعت شكايتها وأمرها لخالقها الذي لا يضيع عنده شيء,, فتجرعت ألوان وصنوف القهر والاضطهاد وهي مع ذلك لم تبح بسرها لأحد.
فهل من معاملة حسنة طيبة ايها الازواج؟! وهل من امساك بمعروف تجاه هذه الضعيفة التي حذر من سلبها حقها رسول الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني احرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة .
فإذا ما عاشت بعض الاسرة بعضاً من هذا الاضطهاد في حق الزوجية فكيف سيكون الجيل القادم الذي تخرج من تحت يدين ترتعشان بالمشاكل والاحزان، فلم تهيأ لهما الاجواء المناسبة من قبل الزوج,, وما صلحت المجتمعات الا بصلاح الاسر وما استقرت الحياة في المجتمعات الا باستقرار الاسر,, وما صلاح الاسر واستقرارها بعد الله الا باهتمام رب الاسرة بها وتوفير كل ما تحتاجه للعمل بألفة واتحاد وصلاح فحينئذ يخرج افراد صالحون نافعون.
فعلى الجميع دور مهم في القضاء على هذه المشاكل الاسرية التي تضعف كيانها وتنخر بنيانها فيكون عرضة للانهيار امام اي تيار من تيارات هذه الحياة.
وعلى الجميع علماء وخطباء وأئمة ومربين وكتاباً واعلاميين ان يقفوا وقفة رجل واحد للقضاء على هذه السلوكيات الخاطئة فيما يخصه,, والله ولي التوفيق.
عبدالمحسن المنيع
الزلفي