(,,وأننا لن نركع ولن نخضع للذل والمهانة وسنناضل ونحارب حتى آخر نقطة دماء زكية من دماء شهدائنا,, الخ ما هنالك من الكليشة المعروفة).
ما سبق هو ليس مقطعاً من إحدى خطب الستينات المفخمة بالحروف الحلقية الضخمة المتورمة بكل شيء سوى علاقاتها بالواقع.
كذلك ليس مقطعاً من حوار في رواية لنجيب محفوظ، حيث يبرز صراع الفتوات بين بعضهم البعض.
ما سبق ببساطة هو خطاب سياسي رسمي ما برحت بعض القيادات العربية تستعمله كواجهة إعلامية لها.
والملاحظ في الخطاب السابق هو إلغاء علاقته (تماماً) بالزمن، بل الخروج من مركبة العصر، والتعامل مع الزمن كأحد الاشياء التي من الممكن ان تدجن وتكمم تحت أنظمة قمعية تستطيع ان تصمم ما تشاء من الطروحات السياسية والفكرية ليرتديها الشعب المغلوب على أمره.
وتلك الطروحات السياسية مقارنة بلغة العصر تبدو طفولية ومهرجانية تحاول ان تثير الكم الأوفر من الصخب الذي يغطي غياب لغات الحوار الحضارية الأخرى.
فإذا كانت السياسة هي فن الممكن، حيث تختبىء العضلات والهروات وراء المعاطف الانيقة والقفازات الناصعة، الا أن بعض الحكومات العربية والتي قبضت على الزمن وأودعته احدى دهاليزها تلوّح بعضلات اللسان في زمن لن يستمع لك فيه احد، ما لم تكن خبراً قد بث عبر إحدى الوكالات الأخبارية الأمريكية أو الغربية على الاقل!!
ولعل من يستعمل اللغة الصاخبة السابقة يعيش (أحلام يقظته) في الخمسينات والستينات، تلك الأحلام التي تحولت الى بيوت مشيدة من أعواد القش الذي جففته السنون.
فهناك مقولة أجنبية تقول: (أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً)، ولكن هنا وضمن هذا الواقع نجد أن الأفضل عدم الوصول أو عدم الحضور بتاتاً، لأن من يستعمل الدواب في التنقل في زمن تحفنا فيه الأقمار الصناعية، خير له ألا يصل أبداً.
* * *
إلى د, ثريا العريض (أيتها الثريا، كم شمعة خبت حين هدأ صهيلك؟ وكم غرفة أوحشتها الظلمة والكآبة بعيداً عن ضوئك؟ مرحباً بعودتك عدد ياسمين قلبك الناصع، وعدد جنيات الشعر في قلمك).
|