أسبوع للمسرح,, سنوات للنسيان! |
حين نفتح الذاكرة او نستحضر الاثر البعيد لمسرحنا المحلي عبر المحاولات المختلفة طوال اكثر من ثلاثين عاما نرى ان محصلة كل تلك الجهود مازالت خربشة على الجدران وبيوتا من رمال، لهونا بها في الطفولة وأورثناها لابنائنا ليهيلوا عليها أكداس النسيان.
وحين يأتي الحديث عن المسرح السعودي فإن الاسئلة لا ترفع رؤوسها وحسب ولكنها تنقض علينا من كل الجهات، ولعل خشبات المسرح وصالات العرض الانيقة المنتشرة في كل ارجاء بلادنا التي غدت بيوتا بلا أشباح هي الاكثر تألما وأبلغ شهادة على جرح التساؤل والالحاح على الاجابة.
لقد دخل الجهد المسرحي مبكراً إلى مدارسنا، وصاحب بدايات نشر التعليم وانشاء المدارس في انحاء المملكة منذ اكثر من 40 عاماً، وسأشهد لتلك البدايات البعيدة بالجرأة والجدية معا, وفي ايام المرحلة الابتدائية - في منطقة تعد في ذلك الوقت نائية بشروط معنى البعد عن كل اساليب الحياة الحديثة - في مدرسة العطاردة بما يعرف الآن بمنطقة الباحة، كنت استمتع بعروض مسرحية يقدمها طلاب وأساتذة المدرسة ويحضرها الآباء من قراهم البعيدة في احتفائية تليق باستقبال الجديد, وقد شهدت ايضا وشاركت في احتفالية سنوية على مستوى المنطقة، حيث تقدم المدارس المهتمة بالمسرح عروضها المسرحية على مدى يومين حيث يحضر المئات من الآباء تلك العروض ويبتهجون بها, وحتما لم تكن تلك الحركة إلا صدى لما كان يجري في الحواضر المدنية من نشاط مسرحي اكثر جودة واخلاصا لنوازع المسرح والفرجة.
وفي زمن تلك المرحلة الطويلة التي اعقبت بواكير الالتفات إلى أبي الفنون/ المسرح ، ولدت جمعيات الثقافة والفنون وعشرات الاندية الادبية والرياضية، ومارست انشطتها المسرحية في كافة المدن والأرياف.
والسؤال هو: أين ثمرة كل تلك الجهود؟
لماذا لم تتأسس لدينا تقاليد مسرحية تشكل عنصراً من عناصر مكونات الذائقة والاهتمام وإلف التعود؟
لقد خطرت هذه الاسئلة وسواها امامي وأنا أحضر بعض فعاليات اسبوع المسرح السعودي - المقامة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران هذه الايام - منتشيا بالمواهب الواعدة اداء واخراجا، محتفيا بالاعمال المتميزة والقادرة على تقديم الفرجة واثارة التساؤل، وبالأحرى التي اجترحت آفاق التجريب والدهشة، وقد كلل احتفاليتي الصغيرة ذلك الحضور الجميل للجمهور من شباب الجامعة الذين ادهشني تفاعلهم من العروض وتعقيباتهم عليها مما اكد القناعة بأن هنالك جمهورا عريضا لهذا الفن الجميل.
ورغم هذه المتعة الخالصة فإن مرارة الالتفات إلى سياق الماضي وحصيلة الحاضر جعلتني اقبض بمرارة على مستقبل النسيان الذي سيجلل هذه الطاقات الموهوبة مثلما اسدلنا ستار الفناء على سابقاتها.
فلماذا نئد تلك الامكانات المفعمة بالحياة والقادرة على خلق فعالية مسرحية حديثة في بلادنا؟
لماذا يغيب سؤال المسرح من حياتنا الثقافية - حتى يصل غيابه اقفال التخصص المسرحي في الجامعات - وهو الفن الاول في حياة الشعوب والاكثر ارتباطا بالتساؤل والتحاور والنقد الاجتماعي والثقافي؟
لماذا يهمّش الفن القادر على بلورة مفهوم الحوارية بين اطراف تشكيلات المجتمع بمختلف تياراته ومواقعه؟
ولكيلا تبقى اسئلتي حداء عاريا في الدهناء، فإنني سألبسها دفء اجابة متواضعة على سؤال المسرح وتخلّفه في بلادنا, إنني ارى ان الاقرار أولا بأهمية المسرح هي نصف الاجابة، اما نصفها الآخر، فليس في الدهناء ولكنه في تشكيل هيئة رسمية وأهلية - من الاكاديميين المتخصصين ومن اصحاب التجربة ومن المهتمين - تعنى بالتخطيط لايجاد مسرح حي وحاضر في حياتنا المعاصرة، وتقوم بدراسة معيقات تطوره ووضع الحلول لها، واقرار البرامج الضرورية لتأصيله منهجيا وإداريا واجتماعيا.
وإذا كان غياب العنصر النسائي هو احد ابرز معوقات تطور المسرح بالشكل المتكامل فيمكننا مرحليا تجاوز ذلك العائق بحيل نصية او تكنولوجية.
ولعل اهتمامنا بسؤال المسرح وإنشاء تلك الهيئة لرعايته سيكون هدية ضرورية لجمهور المسرح ولفضاء الثقافة بشكل اعم وهو يستعد لدخول القرن الجديد، كما انه سيكون استجابة حضارية تتسق مع اختيار عاصمتنا الجميلة الرياض كعاصمة للثقافة في عام 2000م.
فهل أحلم أم أمد اللحاف على صوتي، كما اعتاد دائماً، في الصحراء العريضة؟
|
|
|