انتهت معركة اليونسكو، واصبح الدبلوماسي الياباني كوتشيرو ماتسورا المدير العام الجديد لليونسكو، كما كان متوقعا، وكما ذكرنا في هذا المكان فقد كان للتحالفات السياسية والمصالح الدولية الكلمة العليا في هذا الاختيار.
لكن، لا احد يستطيع ان ينكر تلك الحقيقة المرة التي مفادها ان وجود مرشحين عرب هو السبب الكبير في ضياع هذا المنصب المهم من العرب، الامر الذي ساعد الياباني في الفوز بالمنصب في الجولة الثالثة من الانتخابات.
كانت المعركة بين المرشحين الاحد عشر تنقسم الى اتجاهين، احدهما يتعلق بالمال والآخر بالثقافة، ويمكن ان نجتهد في تفسير هذين الاتجاهين بالقول ان المال يمثله ماتسورا والثقافة يمثلها غازي القصيبي.
ما الذي يمكن ان يحدث عندما يتنافس هذان التياران في عصر مثل عصرنا الحديث هذا حيث اصبح العالم ماديا لا يرى الا من هذه الزاوية الضيقة؟ الامر لا يحتاج الى كثير من الجهد في ترجيح كفة ماتسورا، او لنقل المال في هذه الحالة.
كما انه من الواضح من البداية، وكما بينت نتائج الترشيحات في الجولات الثلاث، ان المعركة لم تكن الا بين مرشحين اثنين فقط ماتسورا والقصيبي، اما الآخرون فلم يكن لهم اية مهمة الا لترجيح إحدى الكفتين كفة المال على حساب الثقافة!.
الشيء المضحك الساخر ايضا في هذه المعركة ان الميزان الذي يحمل هاتين الكفتين هو ميزان تابع للثقافة، لكنه رجح كفة المال على حساب الثقافة!!
المتابع من بعيد لمجريات الامور في تلك الانتخابات يجد صعوبة في فهم اصرار المرشحين العرب على اكمال الجولات الثلاث رغم ان الرؤية اتضحت من الجولة الأولى وكان على سراج الدين ان ينسحب خاصة وان القصيبي تقدم عليه بفارق كبير وبحاجة الى مزيد من الاصوات، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل اصر على المشاركة حتى جمع الياباني الثلاثين صوتا الكافية لترشيحه دون الحاجة الى خوض غمار جولات اخرى.
نتائج معركة اليونسكو، وهي المنظمة الانسانية التي تهتم بالثقافة والتربية والعلوم، تدل على ان العالم يتجه نحو الاهتمام بالمادة على حساب الثقافة او الادب الذي لم يكن له نصيب في تحديد مديرها القادم وهذا امر يبعث على التشاؤم حينما يربط هذه النتائج بالتحول الزمني القادم الى الالفية الثالثة بعد شهرين.
من الدروس العلمية الاخرى من هذه المعركة، ان الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة حضارية مندوبة، حتى وان كان الامر يتعلق بتقدم مرشحين عرب الى منظمة عالمية، كل منهما ينافس الآخر، حتى وان كانت المنافسة تتضمن تسعة مرشحين آخرين ينتمون الى ثقافات متباينة.
ايضاً نستطيع ان نستخلص من تداعيات تلك المعركة ونتائجها انه من الخطأ ان نقارن المال مع الثقافة، لان الخطأ هنا في طريقة طرح السؤال، بدلاً من ان تسأل عن تفضيل احدهما على الآخر، كان يجب ان تسأل: ما الذي يمكن ان يقدمه المال للثقافة؟ اي بعبارة اخرى ان اليونسكو اختارت الياباني بسبب ما يقدمه المال من خدمات لنشر الثقافة في العالم وليس ان الثقافة والمال شيئان منفصلان.
من جهة اخرى كان الامر غاية في الصعوبة لدى المجلس التنفيذي لهذه المنظمة البيروقراطية فلم يكن عمليا اطلاقا اختيار القصيبي وماتسورا كمديرين اثنين لها، اي اختيار الثقافة والمال معا!.
لكن يظل السؤال، هل مازال سراج الدين مصرا على عدم الانسحاب في الانتخابات واكمال الجولة الرابعة منها؟ احدكم يخبره ان الانتخابات قد انتهت, هذا لتذكيره فقط، ليس الا!.