Friday 5th November, 1999 G No. 9899جريدة الجزيرة الجمعة 27 ,رجب 1420 العدد 9899


وقفات متأنية في مسار حركتنا الشعبية الراهنة
سعد حمد الخنيفر

الوقفة الأولى:-
من المبادىء المعرفية والبديهية معاً القول إن الآداب الشعبية لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية هي نتاج الإبداعات الفكرية لهذا المجتمع أو ذاك,, وإن شئت قل هي تلك الإشراقات العذبة والحلوة التي تختمر في عقلية الشعراء الشعبيين التي يترجمونها بإبداعاتهم الفريدة التي حباهم الله بها دون باقي خلقه,, فتكون عندئذ هي الفكرة الجامعة لهذا المجتمع والمرآة الصادقة له بإيجابياته وسلبياته بكل صدق وموضوعية,, ولكني كمراقب للساحة الشعبية وراصد لحركتها الدائبة في مجتمعنا الاحظ ظاهرة سيئة قد بدأت تخيّم على سماء ساحتنا الشعبية,, ولقد أظلت ساحتنا هذه السحابة السوداء القاتمة منذ فترة ليست بالقصيرة,, ولقد ظننت أنها سوف تزول باعتبارها سحابة صيف سرعان ما تنقشع,, ولكنها ظلت ملازمة لشعرنا وحتى يوم الناس هذا,, ودعني أصارحكم القول وباختصار شديد أن السرقات وعمليات السطو والبلطجة قد سادت حركة الشعر الشعبي,, فالكثيرمن الشعراء يسطون على قصائد البعض الآخر ويستولون عليها ثم ينسبونها لأنفسهم كأنها ملك لهم,, وذلك بعد إحداث بعض التعديلات والتغييرات الطفيفة عليها,, كأنهم بفعلتهم هذه سيكونون بمنأى عن القانون والرقابة,, وهذا في نظري عيب كبير في حق شعرائنا,, بل وسبّة عليهم,, ولم يكن هذا نهج شعرائنا القدامى وأساتذتنا الأفاضل ممن تركوا لنا تراثا عظيما وأدبا رصينا يؤمن بالمصداقية والموضوعية,, كانوا بعيدين عن التدليس في الشعر,, باعتباره سلما قذرا يصعد عليه كل شاعر غير مقتدر ومؤهل ليصعد على أكتاف الغير,, ولكني أقول لهؤلاء السارقين: إن أمركم مكشوف وواضح وسوف ينكشف أمركم طال الزمن أو قصر,, فاللص لابد أن يقع في أيدي العدالة لا محالة.
الوقفة الثانية:-
صدر مؤخراً كتاب عظيم الأثر للكاتب الكبير منديل الفهيد سرعان ما تلقفته الساحة الشعبية واهتمت به,, ولقد قسّم الكاتب كتابه إلى جزءين,, صدر الجزء الأول منه,, ولقد أحدث ردود فعل واسعة النطاق في الساحة الشعبية,, وفي رأيي أن الكاتب قد جانبه الصواب كثيرا واضطربت الأمور في نظره بشكل فاضح,, واختلط الحابل بالنابل أمام ناظريه بصورة واضحة,, إذ المعلوم بالضرورة: أن موضوعية أي كتاب ومنهجيته الصحيحة هي الاعتماد على مصادر موثوق بها,, وإن كان الكتاب يبحث في السير الذاتية أو التاريخية وجب عليه أن يعتمد على رواة موثوق بهم وبصحة رواياتهم,, حتى يكون الكتاب موضوعيا وصادقا في معلوماته,.
ولكن الأستاذ المنديل غفل عن ذلك كله فجاء كتابه مفتقدا لأبسط القواعد المنهجية والعلمية,, فلا هو اعتمد على مصادر صحيحة ولا حتى اعتمد على رواة ثقات صادقين,, ولكنه اعتمد ويا للأسف على الأدعياء وعلى (وكالة يقولون) وهذه الوكالة عديمة المصادر وكل اخبارها واهية لا احتمال فيها للصحة أبداً,, وهذا ما حدث بالضبط لكتاب الأستاذ المنديل,, إذ اعترض عليه كثير من القبائل محتجين على صحة هذه المصادر,, ولكن الأستاذ المنديل رد معتذراً بقوله: إنه قد اعتمد في هذه المصادر على رواة من كبار السن,, ونحن نرد عليه بأن هذا لا يمنع بتاتا من ورود الأخطاء,, بل إن ورودها محتمل ووارد,, ولاسيما ما يخص سيرة الفارس شليويح العطاوي وهذا ما أكده ثقات الرواة,, وأود أن أشير أيضا للأستاذ الكاتب أن هذه القصة قد أوردها الأستاذ سياف القحطاني في ديوانه الأول (مناهل البادية) وهذه هي الحقيقة كما تبدو للكل ولا تخفى إلا لمن في عينه رمد,, أما الأبيات التي جاءت في الديوان فهي - في رأيي - أكثر مما نشره منديل الفهيد,, وهي موجودة لدى أحفاد فراج بن ريفة وهذا لمن أراد التوثيق والضبط.
الوقفة الثالثة:-
في هذه الفقرة,, أود أن أوجه دفة الحديث تجاه الأستاذ الكبير أبو عبدالرحمن ابن عقيل,, وأودُّ بالتالي ان أسأله سؤالا محدداً: على ماذا استندت يا أستاذ أبو عبدالرحمن في روايتك هذه؟, ولماذا أسندتها إلى الفارس شليويح العطاوي؟ وأنا هنا متسائل لا محتج,, ومستفسر لا معترض على ما أورده الأستاذ ابن عقيل,, إنما هي شكوك تراودني وتداعب مخيلتي وأودُّ أن أدفعها ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
الوقفة الرابعة:-
شعراء عتيبة كتاب حديث صدر للأستاذ محمد دخيل الله العصيمي,, قذف به صاحبه إلى الساحة الأدبية أيضا,, وما أكثر ما تنشره المطبوعات ودور النشر,, ونحن هنا في عالم الفكر والرأي لم نُخب ظنه والتقطناه بكل سرور وتفحصناه بمجهرنا النقدي أيضاً وكلّنا وجدنا فيه مآخذ وأخطاء,, واحتمالات ضئيلة وبعيدة عن الصحة وسؤالي الذي يسبب لي صداعاً مزمنا: لماذا لم يعترض الأستاذ الفاضل المؤلف على هذه القصيدة,, علماً أن قصتها قد وردت كاملة في كتاب الأستاذ/ سياف القحطاني في كتابه الآنف الذكر - مناهل البادية - والغريب أن الكتاب عنده ومهدى إليه.
والأشد غرابة أن الأستاذ محمد دخيل الله العصيمي قد نسب قصيدة (يا الله أنا طالبك حمراء هوى بالي) إلى الشاعر المعروف مخلد الذيابي,, علماً أن الأستاذ منديل الفهيد قد أثبتها للفارس فراج بن ريفة,, أليس هذا محيراً حقاً؟! وكيف للقارىء البسيط أن يعرف الحقيقة؟! وكلا الأستاذين ينسب القصيدة لشاعر آخر,, اريحونا يا هؤلاء,, فلقد أربكتم الساحة الأدبية,, وغثيتوا القراء.
الوقفة الخامسة:-
ولقد حدثني الشيخ خالد بن شفلوت أن هذه القصة والقصيدة هي أصلاً للفارس فراج بن ريفة,, وأنه قد رواها عن أبيه الذي أطلعه عليها,, حتى لا يداخل الشك أصحاب النفوس المريضة بأنها لشخص آخر,, درءاً للمفاسد وأصحاب الأغراض الشخصية,, هذا هو قول الشيخ ابن شفلوت,, أقوله للحق والحقيقة.
ما أخلص إليه من نقاطي السابقة التي أثرتها وبإسهاب شديد,, أننا من محبي الشعر الشعبي ومن رواته وذواقته,, وأن الشعر الرصين والصادق والمعبر هو الذي يجب أن يسود الساحة بكل صدق وبعيدا عن السرقات واللطش, أما عن الصعيد الفكري وأخص بالذات المؤلفات الفكرية,, فإن كتابي الأستاذين منديل الفهيد والأستاذ محمد دخيل الله قد أثارا تساؤلات كثيرة وردود فعل واسعة,, فكتاب الأستاذ منديل افتقر إلى صحة المعلومات وهي المصادر الصحيحة المعتمدة,, ولكنه اعتمد على وكالة (يقولون) وعلى رواة ضعاف الذاكرة من فئة كبار السن,, فجاء كتابه كسيحاً بلا قدمين,,,, أما كتاب الأستاذ محمد دخيل الله فكان حظه كحظ سابقه تماما,, فكتاب (شعراء عتيبة) لم يعتمد على مرجع هام وهو كتاب (مناهل البادية) للأستاذ سياف القحطاني حتى يكون على بينة فيما أورده من شعر وعلى نسبته إلى قائليه الحقيقيين,, وعتبي على الأستاذ الكبير أبو عبدالرحمن ابن عقيل ككاتب عظيم القدر أن يأخذ السير الذاتية من مظانها الصحيحة ومصادرها التي يظن بها الخير والصحة وهذا هو عشمي فيه ولكنه خيّب رجائي فيه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
الثقافية
أفاق اسلامية
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved