اسطورة اوزوريس في اصلها قصة بسيطة للغاية لكنها فاقت ما عداها من الاساطير الفرعونية الاخرى، ولقد لقيت ذيوعاً وانتشارا واسعين فانتقلت من موطنها الاصلي بشمال الدلتا على افواه القصاصين والرواة الى كافة الارجاء المصرية واصبحت من التراث القومي للمصريين القدماء مثلها في ذلك مثل اساطير حرب طروادة عند الاغريق، واثرت في معتقدات المصريين, فلماذا كان لهذه الاسطورة كل هذا التأثير؟ وما العوامل التي اكسبتها كل هذه القوة؟؟.
لنبدأ اولاً برواية احداث هذه الاسطورة لكي نتعرف على سر تفوقها على غيرها من الاساطير الفرعونية,, وسبب تأثيرها القوي والكاسح في قلوب وعقول القدماء,, تقول الاسطورة:
انجب كب وتوت اربعة اطفال ولدين هما اوزوريس وست وابنتين هما ايزيس ونفتيس,, تزوجت الاولى من اوزوريس والثانية من ست وحكم اوزوريس العالم كملك وعلم الناس كل ماهو طيب ومفيد وورثه ركب فاعطاه ملك القطرين واسند اليه قيادة البلاد لسعادتها.
وكان اوزوريس ملكاً عظيماً سطع على عرش ابيه كالشمس عندما تشرق في السماء فترسل اشعتها لكل من يعيش في الظلام وكان عادلاً ثبت من اقدام الحقيقة في مصر، وحيثما تكون الحرب يظفر بانهائها لانه كملك يلقب ب الذي يسوي المعارك الدامية فهو بطل من ابطال الحروب واسع الشهرة اذا ما اوقع باعدائه، قوي الشكيمة اذا ما اردى عدوه قتيلا، وكان اعداؤه يرتجفون امامه.
وعمل على توسيع رقعة بلاده وكان مبرزا في سيادته.
وهكذا حجب اوزوريس باعماله ست مما اوغر صدر الاخير عليه لكنه لم يستطع ان ينال اخاه بسوء لفترة طويلة، لان ايزيس كانت تحمي زوجها وتدفع عنه اعداءه، وكانت ذكية لسانها سليط وبديهتها حاضرة واوامرها محكمة ولذلك احتال ست على قتل اخيه، ونجح في ذلك حيث استدرجه ودعاه ليضطجع في صندوق على سبيل المزاح ثم اغلق الصندوق وقذف به في البحر.
وبذلك بقيت ايزبيس وحيدة مسكينة لم تعرف حتى اين المكان الذي استقرت فيه جثة زوجها وبحثت عنه دون ملل، وجابت الارض كلها والهموم تملأ صدرها لكنها لم تدع للقنوط سبيلاً الى قلبها الى ان عثرت عليه ثم جلست مع أختها ها نفيس بجانب الجثة واخذتا تولولان بنشيد اصبح فيما بعد نموذجاً لكل الاناشيد الجنائزية ونصه كما يلي: ارجع الى منزلك,, ارجع الى منزلك,, عد الى منزلك، انت الذي لا اعداء لك, ايها الشاب الجميل, ارجع الى منزلك لتراني، فاني اختك التي تحبها، ويجب الا افقدك ايها الطفل الجميل عد الى منزلك .
هكذا ندبته ايزيس مما جعل رع يتعاطف معها فارسل اليها ابنه الرابع انوبيس ليدفن أوزوريس، اذ جمع اشلاء اوزريريس التي لم يبق منها غير العظام، التي مزقها ست ثم طواها في لفائف,, واتم كل المراسم التي اصبحت فيما بعد نموذجاً يحتذى، وبذلك صار ملكاً للموتى بعد ان كان ملكاً للاحياء ولكن النصر كان حليفاً ايضا فوق الارض وترك لها وريثه الذي انجبه من ايزيس.
فعندما حملت ايزيس هربت من مطاردة ست لها الى احراش الدلتا، وهناك في هذا المكان الموحش وضعت ولدا هو حوريس الذي وضع في هذه الوحدة ولا يدري انسان اين مكانه ولقد عطفت عليها بوطو حامية الدلتا وانقذت الصبي حوريس من الاخطار التي تهدده يقظة وعناية امه ايزيس وهكذا ترعرع حوريس في الخفاء حتى اذا ما اشتد ساعده قام يقاتل ست قتالاً رهيبا فقد فيه حوريس عينه وتشوه فيه ست ولكن تحوت خلصهما من بعضهما وطببهما.
وعندما انتصر حوريس قادته امه ايزيس الى قاعة كب فقوبل بالحفاوة: اهلا بك حوريس يا ابن اوزوريس، ايها الشجاع مخلص حقه ابن ايزيس ووريث اوزوريس ولكن ست رفع امره الى المحكمة موجهاً عدة تهم الى اوزوريس وطاعنا بشدة في صحة ميلاد حوريس وفي احقيته في الوراثة الا ان تحوت دافع عن اوزوريس واظهر براءته فكان الحق بجانب حوريس على ست واعلن نصر اوزوريس واصبح حاكماً وبقي التاج فوق جبينه وغدا اول الاحياء الذين حكموا الارض وبه يبدأ عصر كل ملوك مصر التالين كما اعتقدوا فكلهم ليسوا سوى خلفائه الذين جلسوا على عرشه.
وعلى ذلك فالاسطورة في حقيقتها ورغم بساطتها الظاهرة قصة جميلة فهم الشعب مغزاها الطيب، وارتاح الناس الى مافيها من مشاعر بشرية والى نزوع اوزوريس الى الحق، وولاء ايزيس لزوجها وحبها لابنها اما العوامل التي اكسبت الاسطورة كل هذه القوة فهي بلا شك الاعتقاد بأن الاستبداد والتعسف ليسا هما القوتين اللتين تسودان العالم، بل الحق.