Friday 5th November, 1999 G No. 9899جريدة الجزيرة الجمعة 27 ,رجب 1420 العدد 9899


لما هو آت
أي البضاعة في موازينك؟
د ,خيرية إبراهيم السقاف

أتخيل سباق الآباء والأمهات في (تربية) الأبناء.
هؤلاء (الصفحات) البيضاء، كلٌ يدلو بدلوه كي يسقيها,,، هذه الدلاء ماذا تحمل؟ هل ماؤها عذب فرات؟,, أم ماؤها مشوب بطفيليات؟,,، هل هو ملح أجاج؟، أم فيه رمل وبقايا زجاج؟,,، إن كان ماؤها عذباً فراتاً بُذرت، فنمت وأثمرت، وإن كان مشوبا بطفيليات بُذرت فسرى فيها المرض وانحنت قبل أن تنتصب، وإن كان ماؤها ملحاً أجاجاً بُذرت لكن تظل صلداء لاينمو فيها عرق، ولا فرع ولا يتكون لها جذر، أما إن كان ماؤها ممزوجاً برمل وبقايا زجاج، فربما بعد بذرها تنمو، ولكنها هشة ضعيفة، ممزقة مخدوشة.
ترى أي المياه تحمل دلاؤكم أيها الآباء والأمهات؟!
أما أنا فلقد التقيت أبناءكم في درب الحياة، وكنت أعبر دروبكم ، أتطفل على نوافذ الورد، وثقوب العطور، أتحين لحظات أطالع فيها صفحات الصفحات كي أتسلق بحسي جذور بذوركم بحثاً وراء السعادة عندما أقف على نضج ثمارها,,، وضعني في هذه الدروب حظي.
في كل يوم منذ زمن وأنا أجلس على أرصفة الحياة ألتقيهم,,، قَدَري أنني (أُعلِّم)، والمعلم هذا السائح في أراضيكم,, الواقف على نواتج زروعكم، وثمار سقياكم، أتدرون بماذا خرجت؟: ليس بالورد ولا بالعطر!!,.
وجدتكم قليلاً ما تنجحون,, حين تكون دلاؤكم مليئة بماء عذب فرات,,، وقلةٌ قلةٌ منكم هؤلاء.
ووجدت صفحاتكم تراوحت بين مصابة بالأمراض، أو عاجزة عن النمو، أو هشة ضعيفة، وكل هذه الزروع غير قادرة على مواجهة الحياة، وغير مؤهلة لخوض غمارها، وغير صالحة, لكنها ملقاة في واقع الحياة، تحتاج إلى علاج,, وعلاجها يطول.
وأنتم تظلون تتسابقون كي يثبت كل منكم أنه أب، وأنها أم، ويحرص كل منكم على أن يوسم بالناجح, أي نجاح واللهاث وراء حمل صفة الأبوة والأمومة لايعادله عندكم الحرص على سقيا صالحة، ورعاية فالحة، وفلاحة دؤوبة؟.
هذا الجيل يحتاج إلى إعادة نظر في التعامل معه، وإلى صياغة أساليب تربوية صالحة من أجله، وإلى إدراك حقيقي لخطورة دور المحاضن بين الآباء والأمهات.
كم من الأبناء لهم آباء لكنهم لا يعرفونهم، ولا يتبادلون معهم لحظة حوار، أو لقاء ود؟,.
وكم من الأبناء علاقتهم بآبائهم لحظة خذ ، وماذا تريد من النقود ؟.
وكم من الأبناء لايلتقون مع آبائهم على طاولة طعام في أي وقت إلا في المناسبات؟
وكم من الأبناء تخرَّجوا في مدارسهم، ولا يعرف آباؤهم بوابات مدارسهم على اختلاف مراحلهم؟
وكم من الأبناء يمرضون، ويفرحون، ويحزنون، ويعانون ، ويواجهون مشكلاتهم بمفردهم، وتمر بهم مواقف عصيبة، ولا يجدون لهم آباء يقفون، أو يشاركون؟.
وكم من الأبناء يخافون آباءهم؟ وكم منهم يهابونهم ويخافونهم في حضورهم، وبمجرد أن يغادروا تنطلق ألسنتهم حداداً عليهم؟.
وكم صدور الأبناء التي لا تعرف النبض بحس الأبوة؟ وكم,, وكم؟ فهل يكفي الآباء أن يعملوا ليل نهار، ويكوِّموا أرصدة في البنوك؟ ويشمخوا في البناء ليتركوا لهم إرثا عظيما,,, دون أن يكوِّنوا نفوساً ثرية، ومشاعر خصبة، وقلوباً عامرة، وأحاسيس غامرة، وعقولاً واعية؟,.
,, مثل هؤلاء مَن قابلتُ,,،
وهؤلاء مَن يبكون من قسوة الآباء الذين يمثلون لهم النماذج في الحياة ، فيفقدون الثقة فيمن عداهم.
فهل يعيد الآباء النظر في الحرص على السباق، واللهث من أجل تكوين الأسر، وإقامة الأفراح، وفتح البيوت، وتجهيزها,, مع السيارة والخادمة، والسائق,,، دون أن يعدّوا انفسهم لمسؤولية الابوة؟ هذه المسؤولية التي ترقى إلى درجة عالية من الأمانة، والأمانة توضع في الموازين؟.
فكيف هو ثقل/ أو هي خفة موازينكم؟
وهل تساءلتم في لحظة الفرحة بمولد طفل، أو الدمعة عند مرضه,, أن هذه الانفعالات ليست هي التي تكوِّن الابن الناجح في كل شيء؟,, على الصعيد الإيماني والوجداني ، والخلقي، والسلوكي، والثقافي، والعلمي؟,.
إن أي فشل في بناء الإنسان سببه الإنسان، يكون الأول فيه الابن والثاني الأب,,، كما أن نجاح الابن هو ثمرة أبيه.
فلا تفرحوا كثيرا بأن تكونوا آباءٌ,, وإنما كونوا هُم على مستوى الأداء لهذه المسؤولية ، كي تسعدوا بقرة العين,, في الدنيا وما بعدها.
رجوعأعلى الصفحة
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
الثقافية
أفاق اسلامية
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved