بعد ان طرحت الصحافة المحلية خلال الفترة الماضية بعض ملاحظات العاملين بشركة الاتصالات السعودية حول قرار مجلس الادارة الوارد في خطاب رئيس الشركة رقم 2781/ش م/5 والمؤرخ في 27/8/1419ه، لم تتحرك الشركة للرد على هذه الملاحظات وابداء وجهة نظرها حول ما أثاره العاملون من تأثير القرار على وضعيتهم او مدى تماشيه مع نظام العمل والعمال الذي يخضع له العاملون في شركة الاتصالات السعودية.
كان من اهم ما تضمنه قرار مجلس الادارة يتمثل في النقاط التالية:
1 - تكون ساعات العمل بشركة الاتصالات السعودية ثماني ساعات يومياً ما عدا يومي الخميس والجمعة، وتبدأ من الساعة السابعة والنصف صباحاً حتى الساعة الثالثة والنصف عصراً.
2 - تكون اجازة عيد الفطر خمسة ايام (بحيث تبدأ من اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان).
3 - تكون اجازة عيد الاضحى ستة ايام (بحيث تبدأ من اليوم الثامن من شهر ذي الحجة).
4 - صرف بدل سكن بواقع (25%) من الأجر الشهري للعامل، اي ما يعادل اجمالي أجور ثلاثة اشهر سنوياً.
5 - تم ادخال نظام التأمين الصحي للعاملين وأسرهم، مع استثناء الأب والأم من هذا التأمين لجميع العاملين ما عدا الفئات العليا بالشركة.
ووفقاً لهذا التعديل في ساعات العمل اليومية، فان عدد الساعات التي يلزم العاملون بقضائها في عملهم قبل انشاء الشركة والتي كانت تبلغ 1538 ساعة سنوياً، اصبحت بعد قرار الشركة تبلغ 1936 ساعة عمل سنوياً، اي بارتفاع تصل نسبته الى 26% كما ان ايام العمل السنوية زادت من 204 يوم قبل انشاء الشركة الى 221 يوماً بعد قرار الشركة الأخير، كما ان ساعات العمل في شهر رمضان والتي كانت تبلغ 5 ساعات يومياً اصبحت بعد القرار تبلغ 6 ساعات يومياً.
- لم تكن الآراء التي طرحت من قبل بعض العاملين في شركة الاتصالات السعودية تتجه الى رفض هذا التعديل في ايام وساعات واجازات العمل او استغرابه، ذلك لأن هؤلاء العاملين يعلمون تماماً انه هذه التعديلات جاءت لتتماشى مع اتجاهين لا بد من مراعاتهما:
الاتجاه الأول: ان الهاتف في ظل الخصخصة واسلوبها الاداري لا بد له من ان يختلف في واقعه عن واقع ما قبل انشاء الشركة، وذلك من خلال اتجاه الشركة لاستغلال كافة الامكانيات البشرية الموجودة وضمن كل الوقت المتاح من اجل دفع اداء الشركة الى الامام، وجاء ذلك واضحاً من خلال زيادة ساعات العمل اليومية وتعديل اجازات الاعياد بحيث تتشابه مع اجازات القطاع الخاص، بل ان بعض العاملين في شركة الاتصالات السعودية رحبوا بهذه التغييرات على اساس انها ستخلق تجربة جديدة في قطاع حكومي تحول الى شركة تدار بأساليب القطاع الخاص مما سيكسب العاملين السعوديين الخبرة للتعامل الاداري وسط اجواء الشركة الجديدة المختلفة تماماً عن اجواء القطاع الحكومي.
الاتجاه الثاني: الذي لا بد ان تراعيه الشركة هو الالتزام بأحكام نظام العمل والعمال عند اجرائها اي تغييرات تمس ساعات العمل او ايامه او اجازاته وكافة تفصيلاته الأخرى، وبالتالي يمس العاملين الذين باتوا يخضعون له بشكل كامل، وفي هذا الاتجاه تماشت التعديلات التي اخذ بها مجلس ادارة شركة الاتصالات السعودية مع احكام النظام سواء في عدد ساعات العمل، او في عدد ايام اجازات الأعياد، كما ان اعطاء العاملين بدل سكن جاء كميزة تمتع بها العاملون، حيث لا يلزم النظام صاحب العمل بتقديمها لعمالة بل تركت لتقدير صاحب العمل، وجاء منح التأمين الصحي للعاملين متماشياً مع نصوص النظام، وان استثنى الوالدين لمعظم العاملين من هذا التأمين.
- الأمور التي اثارت اهتمام العاملين في شركة الاتصالات السعودية بعد صدور قرار مجلس الادارة كانت تتعلق بالتالي:
1 - ان ارتفاع ساعات العمل السنوية بنسبة تقارب 26% لم يقابله ارتفاع مماثل في الأجر الشهري الذي يستلمه العامل مقابل ادائه لعمله والذي بقي كما هو دون تغيير او زيادة لمقابلة هذا الارتفاع في ساعات العمل، وما قامت به الشركة هنا هو صرف بدل سكن بواقع 25% من الأجر الشهري او ما يعادل أجر ثلاثة اشهر سنوياً لتغطية هذه الزيادة في ساعات العمل، ويرى العاملون ان بدل السكن الممنوح لا يمكن اعتباره تعويضاً عن زيادة ساعات العمل وذلك حسب القواعد المتفق عليها في فقه انظمة العمل والعمال، لأن هذه الزيادة يجب ان تنعكس على الاجر الشهري الذي يستلمه العامل مقابل عمله، والذي له تأثير فيما بعد عند تصفية حقوق العامل في ارتفاع مكافأة نهاية الخدمة التي تحتسب على اساس الأجر الشهري، ولأن بدل السكن هو امر لا يلزم نظام العمل والعمال شركة الاتصالات بتقديمه لعامليها، ليس له علاقة بارتفاع ساعات العمل، بل جاء كميزة اضافية رأت الشركة منحها لعامليها، في حين بقيت اجور العاملين كما هي قبل التعديل دون مراعاة لارتفاع ساعات وايام العمل.
2 - جاء التأمين الصحي لمعظم العاملين في الشركة، ما عدا الفئات التي يطلق عليها صفة المهمة، قاصراً في تغطيته التأمينية حيث استثنى الاب والأم بحيث لا تشملهم تغطية الشركة التأمينية، رغم ان النص في الفقرة (ح) من المادة 137 من نظام العمل والعمال اوجب على صاحب العمل (اجراء ما يلزم من الترتيبات الطبية المناسبة للمحافظة على صحة العمال، وعلاج من يعولونهم شرعاً علاجاً شاملاً,,).
- ويرى بعض العاملين في الشركة ان عدم تعديل أجور العاملين بما يتماشى مع الزيادة التي حدثت في ساعات العمل، سيدفع الى زيادة نسبة تسرب الكفاءات السعودية المتميزة الى الشركات الأخرى وبالتالي تفقد شركة الاتصالات بذلك كفاءتها الجيدة التي سيكون لها دور في انجاح تطلعات الادارة العليا في الشركة وتطلعات جميع المشتركين، خاصة وان الشركات المنافسة تدفع بدل سكن سنوي مماثل لما تدفعه شركة الاتصالات السعودية، ولكن أجورها الشهرية ترتفع كثيراً عن أجور الشركة الحالية، اضافة الى اتباع هذه الشركات اجراءات اخرى لاجتذاب الكفاءات السعودية الموجودة بالشركة عن طريق منحهم تغطية تأمينية شاملة للوالدين وهو الأمر الذي تخلو منه تغطية شركة الاتصالات السعودية، والذي اقتصر على الفئات المهمة في الشركة.
- ويرى بعض العاملين ايضاً ان عدم صدور لائحة معتمدة للعمل كما تنص عليه المادة (9) من نظام العمل والعمال بحيث تشتمل هذه اللائحة على سلم للرواتب والمراتب وكافة التفاصيل الأخرى التي تقتضيها طبيعة العمل في الشركة وجهازها الاداري، وكذلك عدم صدور لائحة للجزاءات والمكافآت وشروط توقيعها او منحها كما تنص عليه المادة (125) من نظام العمل والعمال، وكذلك عدم تسوية وضع موظفي الباب الأول التابعين لوزارة البرق والبريد والهاتف الذين لا زالوا يخضعون لنظام التقاعد المدني ويعملون حالياً في شركة الاتصالات ستسبب في خلق حالة من عدم الاستقرار الوظيفي مما سيؤدي بدوره الى تسرب الكفاءات الجيدة من العاملين في الشركة الى الشركات الأخرى.
- اضافة الى ما تقدم، فان على شركة الاتصالات السعودية السعي نحو انشاء نظام للتوفير والادخار للعاملين تمشياً مع ما تنص عليه المادة (127) من نظام العمل والعمال التي تشير الى انه (يجب على صاحب العمل الذي يستخدم خمسين عاملاً فأكثر ان يعد لعماله نظاماً للتوفير والادخار توافق عليه وزارة العمل، على ان تكون مساهمة العاملين في هذا النظام اختيارية,,) حيث سيؤدي مثل هذا الاجراء الى بث الحماس وروح النشاط والجدية في نفوس العاملين، اضافة الى اجتذاب عناصر جديدة من شركات اخرى للالتحاق بشركة الاتصالات السعودية، وهذا النظام موجود ومطبق على سبيل المثال في شركة ارامكو السعودية وينفذ منذ عشرات السنين ويقدم قروضاً مختلفة، ولا يترتب على اعادة القرض للشركة اية فوائد، حيث يلزم العامل برد مثل ما اقترضه من مبالغ على فترات زمنية محددة حسب مرتبة العامل وأجره الشهري.
- في ظل عصر الخصخصة وادارة القطاع الخاص يجب على العامل اعطاء عمله جل اهتمامه ونشاطه وحماسه، ويفترض على العاملين في شركة الاتصالات السعودية التنازل عن مزاياهم الحكومية السابقة من حيث ساعات الدوام وايام الاجازات، ولكن يجب ايضا على شركة الاتصالات السعودية الالتزام بنظام العمل والعمال في اي اجراء تدخله على ظروف العمل او ساعاته او اجازاته بحيث يجب ان ينعكس ذلك على اجور العاملين الشهرية، ففي ظل قيام المنافسة على اجتذاب المستهلك وبالتالي تحقيق المنشأة للأرباح، يجب ان يكون هناك منافسة على اجتذاب العنصر البشري القادر على صنع المنافسة وبالتالي تحقيق الأرباح وهذا ما لم يمسه او يلامسه قرار شركة الاتصالات السعودية المتقدم.
* مستشار قانوني