أين التباكي على حقوق الإنسان وقصف المدنيين!! انفجار سوق جروزني ,, هل يحرك صمت الغرب تجاه أزمة الشيشان؟ |
* القاهرة - محمد المنشاوي - أ,ش,أ
بدأت موجة من الاستياء الدولي العام تتصاعد لتوها على مستوى العالم ازاء ما يصفه البعض بسياسة الانتقام الجماعي الروسية ضد جمهورية شيشنيا في شمال القوقاز في اعقاب سقوط نحو 130 من الضحايا المدنيين واصابة نحو مائتي شخص آخرين على اثر اطلاق خمس قذائف صاروخية يوم الخميس الماضي على قلب العاصمة الشيشانية جروزني.
فهل يدفع انفجار جروزني الغرب والولايات المتحدة الى التحرك والخروج عن الصمت المطبق ازاء ما يجري في الشيشان, ولماذا تباطأت استجابة الغرب والمجتمع الدولي حتى الآن ازاء هذه الحرب؟ وما الفرق بين الشيشان وكوسوفو وحتى تيمور الشرقية؟ وماهي اوجه الخلاف بين حرب الشيشان الاولى 1994 - 1996م والحرب الحالية؟ وفي النهاية هل يجني الساسة الروس في موسكو مكاسبا داخلية من وراء استمرار هذه الحرب؟
لقد بدأت لتوها موجة من ردود الفعل الدولية المختلفة تتردد للمرة الاولى على هذا النحو بين الشجب او الادانة او الاعراب عن القلق ازاء استمرار العمليات العسكرية للجيش الروسي في الشيشان والتي يشترك فيها ما يزيد على 90 الف من القوات الروسية المسلحة تسليحا ثقيلا في شمال القوقاز.
غير ان هذه الموجة من ردود الفعل لا تزال غير متناسبة مع حجم الفعل الروسي الذي يجري تنفيذه في شمال القوقاز والمتمثل في تنفيذ استراتيجية القصف الجوي الذي يوقع الكثير من الضحايا, بما يفسر ان حجم رد الفعل الغربي تجاه بؤر التوتر والنزاعات والحروب على مستوى العالم قد ارتبط دوما بمدى اهتمام وحجم مصالح هذه الدول في مناطق النزاعات.
ان استجابة الدول الغربية التي تتباكى على حقوق الانسان وقصف المدنيين في اكثر من موقع على مستوى العالم تأتي بطيئة وغير كافية تجاه ما يحدث في جمهورية الشيشان مقارنة بما حدث في كوسوفو وتيمور الشرقية ومناطق اخرى.
فقد تكاتفت الآلة العسكرية الغربية لوقف اعمال القمع الصربية ضد سكان كوسوفو وهو الاقليم الواقع ضمن حدود دولة ذات سيادة في حين ان القائمين على هذه الآلة العسكرية ذاتها اكتفوا بالصمت حينا والتحفظ حينا آخر على ما يجري من عمليات قمع عسكرية ضد شعب جمهورية شيشينا الواقعة ايضا ضمن حدود روسيا الفيدرالية.
فاذا كان القاسم المشترك بين الحالتين هو تعرض شعب لاعمال قمع من جانب الحكومة المركزية المنتمي اليها هذا الشعب الا ان المعيار الغربي لتطبيق حقوق الانسان قد استوجب التطبيق في واحدة دون اخرى,.
وبالتالي توفرت عوامل اخرى تتعلق بالمصالح الغربية التي رأت في حال كوسوفو ضرورة ضرب الآلة العسكرية اليوغسلافية المتنامية في جنوب اوروبا على نحو اصبح يشكل تهديدا مستقبليا لهذه المصالح في هذه المنطقة المتاخمة لدول الناتو.
على حين رأى الغرب ان الصمت اكثر نفعا في استمرار الحرب في الشيشان فهي على الجانب الروسي تشكل نزيفا مستمرا في جسد الدولة الروسية التي ما زالت تمتلك ثاني اكبر قدرات نووية على مستوى العالم في حين تشكل على الجانب الآخر قمعا لنوع من التيارات الاسلامية الانفصالية المتشددة في منطقة القوقاز وبحر قزوين التي تعد واحدة من المناطق الواعدة للمصالح الغربية خاصة على ضوء ما يتردد ان حوض بحر قزوين يقبع على احتياطي ضخم من النفط يفوق ما يخرج من منطقة الخليج في الوقت الراهن.
وتتناغم دائما مسألة تطبيق معيار حقوق الانسان من جانب الغرب على اي من النزاعات والحروب مع التغطية والحشد الاعلامي الدولي وتسليط الضوء على نزاع معين او حرب بعينها وكأنها منظومة متكاملة, وليس ادل على ذلك من اعتراف السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان من انه بالرغم من حجم الخسائر البشرية والمادية التي تخلفها حرب القرن الافريقي بين اثيوبيا واريتريا الا ان هذه الحرب لم تأخذ حتى بعض من الاهتمام الاعلامي الدولي والتغطية التي حظيت بها الحرب في كوسوفو.
ومرة اخرى يسارع الغرب الى تطبيق معيار حقوق الانسان في تيمور الشرقية على نحو اسرع ويهىء لها المسرح الدولي من تحذيرات لحكومة جاكرتا وقرارات مساندة لمجلس الامن الدولي وارسال قوات لحفظ السلام تهافت العديد من الدول الغربية لنيل شرف الاشتراك فيها.
والواقع ان الشيشانيين يتحملون جانبا من المسؤولية ازاء صمت المجتمع الدولي والغرب تجاه قضيتهم التي تحولت من حرب من اجل الحرية الى حرب ارتبط اسمها بالانفجارات في بعض المدن وهو الامر الذي تسبب في انحسار التأييد لهذه القضية داخل روسيا وخارجها.
فقد تخيل البعض في بادىء الامر ان هذه الحرب من جانب الشيشانيين تعيد الى الاذهان حركة الجهاد التي قادها الامام شامل في منطقة القوقاز في عام 1834م ضد روسيا القيصرية من اجل الاستقلال والحرية.
يضاف الى ذلك انه في الوقت الذي حظيت فيه حرب الشيشان الاولى 94/1996م بتأييد معنوي حتى من داخل روسيا وبتعاطف شمل مجلس الدوما نفسه الذي انتقد الحكومة المركزية بسبب هذه الحرب إلا أن الحرب الحالية وبفعل بعض الممارسات الشيشانية قد قوبلت بتعبئة معنوية روسية ضخمة لمواصلتها ومباركة استمرارها.
ومع ذلك فان هناك من المراقبين من يرى انه ليس هناك ما يبرر سياسة الانتقام الجماعي التي لا يقرها القانون الدولي ضد شعب بكامله لوجود مناوئين في هذه الجمهورية للسياسة الروسية.
ولكن ما هي المكاسب الداخلية التي يحققها البعض داخل روسيا من استمرار هذه الحرب,, لقد اظهر استطلاعا للرأي العام مؤخرا داخل روسيا تمتع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بتأييد 65 في المائة من الشعب الروسي الذي مازال يساند استمرار الحملة العسكرية الروسية في الشيشان.
هذا الرجل الذي كان شبه غير معروف على الساحة السياسية الروسية منذ بضعة اشهر فقط يقف الآن كأكبر منافس في انتخابات الرئاسة الروسية عام 2000 مقارنة بذلك اليوم الاول الذي دفع به الرئيس يلتسين الى منصب رئاسة الوزراء على نحو لم يتوقعه الكثيرون بل ثارت ثائرة العديد من السياسيين في روسيا عندما لوح يلتسين بان بوتين هو الرجل الذي سيخلفه في منصب الرئاسة.
في حين يرى البعض ان روسيا تحاول من خلال هذه الحرب الهروب من المأزق الداخلي الذي يضج بالفساد وفضائح غسيل الاموال الى افتعال معارك خارجية تشحذ الهمم للشعب الروسي وتوجه انظاره صوب الخارج,.
ويتزايد القلق الآن على الساحة الدولية بشأن تطور العملية العسكرية في الشيشان من مجرد اقامة منطقة امنية عازلة حول الشيشان حسب الروايات الروسية الاولى لحماية روسيا الى ماهو اكبر من ذلك.
وتكمن خطورة الحرب في جمهورية الشيشان في ظل التعتيم الاعلامي الذي تفرضه السلطات الروسية على مسرح القتال في هذه المعارك في ان احداث هذه الحرب قد لا تكتشف سوى بعد فترة في صورة مقابر جماعية وعمليات ابادة وفظائع انسانية لمجموعات من السكان على غرار ما شهدته الحرب في كل من البوسنة وكوسوفو.
ويشير البعض الى امكانية تطور الامر الى هجوم بري واسع النطاق ولاسيما على ضوء الهجوم الذي وقع في سوق جروزني والذي اوقع العديد من الضحايا بين المدنيين وايضا على ضوء الانباء التي افادت بوصول عدد القوات المشاركة في العمليات الى اكثر من مائة الف جندي.
|
|
|