ونحن نحتفل بتاريخ مرور مائة سنة على توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، نلتقي اليوم في رحاب جامعة الملك سعود- الجامعة الام- في ندوتها الكبرى احتفاء بهذه المناسبة الغالية على قلب كل مواطن في هذا البلد.
وهذه الندوة في اعتقادي هي الكبرى على مستوى الجامعة منذ تأسيسها، وكيف لا تكون الكبرى وهي مشاركة هذا الصرح في اهم مناسبة تشهدها المملكة خلال قرن، وهي مناسبة المئوية الاولى على قيام المملكة.
اننا ونحن نقيم هذه الندوة، وبهذا الزخم الذي تشارك فيه الجامعة بكل كلياتها وكل قطاعاتها، انما نستدعي التاريخ ليحدثنا كيف حدث هذا الحدث العظيم, فبدون التاريخ لا يمكننا ان نقدم صورة حية وواضحة وصادقة وموثقة، ولذا تبرز أهمية التاريخ الذي يسعدني ويشرفني - بصفتي احد منسوبيه والمحسوب على مدرسته- ان اكون مشاركاً في هذه الندوة بهذه المحاضرة التاريخية لمحاولة معرفة هل كتب التاريخ قصة قيام هذا الكيان الشامخ بكل وضوح وبكل امانة وبكل صدق؟ ثم نحاول من جهة اخرى ان نتعرف على الطريقة التي كتب بها هذا التاريخ ومن قام بكتابته؟ وما هي الوسائل او المنهج الذي استخدم في كتابة تاريخ هذه المسيرة المباركة؟ وهل نحن - من منظور تاريخي- راضون عن كتابة تاريخ بلادنا خلال هذه الفترة الطويلة؟ هل اصبح بالامكان ان نقول لابنائنا طلاب اقسام التاريخ ان تاريخنا الوطني اصبح في معظم صوره وجوانبه مكتمل البناء واضح المعالم، ام مازالت هناك جوانب غير مكتملة وصور غير واضحة؟ علماً بأن التاريخ -مثله مثل غيره من العلوم- لا يمكن القطع بالقول ان كتابته قد اكتملت فما زال هناك مجال بل مجالات واسعة في هذا الحقل لم تكتب او لم تستكمل كتابتها، ومازال الباب مفتوحاً للباحثين ومن مختلف الاجيال للاضافة والحذف، والتغيير والتبديل، والتفسير والاستنتاج، والبحث والتنقيب عن مصادر ماتزال مفقودة او محجوبة او لم تنل ما تستحقه من اهتمام, لهذا فإن الوصول اليها حتماً سيحمل الباحثين على اعادة النظر في قضية كان الاعتقاد بانها مسلم بها، ولكن على ضوء المصادر الجديدة ستجعل الامر مختلفاً، وهذا ما يميز طبيعة الدراسات التاريخية اذ يظل الباحث دائماً متحفزاً مواصلاً البحث والتنقيب في المصادر لاضافة معلومة جديدة في الكتابة التاريخية، او تجلي غموضاً او تعطي تفسيراً غير ما كان معتقداً تجاه حدث معين.
ايها الاخوة:
سأحاول الالتزام بالقاء الضوء على تاريخ الفترة التي عقدت هذه الندوة من اجلها، وكيف تطورت الكتابة التاريخية خلالها، وما هي البدايات الاولى لمسيرة كتابة تاريخ هذه الفترة، ثم كيف تطورت مع الزمن تبعاً لتطور كل جوانب الحياة المختلفة للبلاد.
وبما ان قيام الدولة السعودية الحديثة بقيادة الملك عبدالعزيز ماهي الا امتداد للدولتين السعوديتين الاولى والثانية، فإن هذا يعني ان التاريخ السعودي - شأنه شأن غيره- حلقات متصلة، لا يمكن ان نتجاوز ولو التلميح سريعاً الى طبيعة الكتابة التاريخية للفترات السابقة للفترة التي مدار هي حديثنا في هذه المناسبة وان كان لكل فترة طبيعتها وظروفها، فان الاسس التي قامت عليها الدولة السعودية في اطوارها الثلاثة هي واحدة لم تتغير.
الكتابة التاريخية في الدولتين
السعوديتين الأولى والثانية
يعتبر قيام الدولة السعودية الاولى في نجد 1157ه/1744م، من اهم الاحداث التاريخية التي حدثت في الجزيرة العربية منذ قيام دولة الاسلام على يد نبي هذه الامة صلى الله عليه وسلم, ومنذ البدايات الاولى لقيام الدولة السعودية، ظهرت اول محاولة جادة لكتابة التاريخ، خاصة تاريخ تلك الدولة نفسها، والظروف المحيطة بها والموطن الذي قامت فيه, وكان الرائد في هذا الميدان هو من يستحق ان يطلق عليه مؤرخ الدعوة الشيخ حسين بن غنام، وهو فقيه من الاحساء استوطن الدرعية ت 1811م وعاصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب، واصبح من اكثر المخلصين لدعوته، وقد جسد ذلك الاخلاص في كتابه تاريخ الدعوة، والذي اسماه تاريخ نجد المسمى روضة الافكار والافهام لمرتاد حال الامام وتعدد غزوات ذوي الاسلام , وتلاه في الاهمية، بل تفوق عليه من جاء بعده مباشرة المؤرخ النجدي عثمان بن بشر الذي ألف تاريخا شاملا لنجد والدولة السعودية الاولى والجزء الاكبر من تاريخ الدولة السعودية الثانية بعنوان عنوان المجد في تاريخ نجد ويعد واحدا من مؤرخي نجد، بل الجزيرة العربية المشهورين.
ومع ان المؤرخين وجد بينهما تمايز وتوافق فانهما اتبعا منهجا يكاد يكون متقاربا في تناول المواضيع والاحداث التاريخية، وحتى في طريقة الاسلوب، مع ان ابن بشر كان متخففا الى حد كبير من ابن غنام في استخدام اسلوب السجع في كتابته التاريخية.
وكل من المؤرخين كان متحيزا بشكل واضح للدولة السعودية التي تفرغا لكتابة تاريخها وللدعوة الاصلاحية التي نذرا نفسيهما للدفاع عنها والرد بشدة على خصومها.
ولم يظهر من ينافسهما فيما كتباه من تاريخ، بل كادت نجد تفقد من يكتب تاريخها بعد توقف ابن غنام عن الاستمرار في كتابة تاريخه في عام 1267ه/1850م، والذي لا نعرف سبب ذلك التوقف الى الآن بشكل واضح, بيد ان ابراهيم بن عيسى وهو من سكان بلدة اشيقر ومعاصر للملك عبدالعزيز قام بإكمال كتابة تاريخ الفترة التي توقف عندها ابن بشر، ولكن لم يرق الى مستوى سلفه لا في الاحاطة برواية الحدث، ولا في اسلوب الكتابة اذ كانت كتابة الاخير الى العامية اقرب منها الى الفصحى، والى تسجيل الوقائع على شكل يوميات اقرب منها الى كتابة التاريخ.
تعد هذه المصادر الثلاثة هي الابرز والاكثر احاطة بتاريخ الدولة السعودية الاولى والثانية, ومما يزيد من اهمية هذه المصادر انعدام وثائق هاتين الدولتين، ولا اريد الدخول في تفاصيل اكثر، التزاماً بعدم الخروج عن الفترة التي تدخل ضمن اهتمام هذه الندوة.
كيف بدأت الكتابة التاريخية
في عهد الملك عبدالعزيز؟
لم يفق احد من الحكام - في المنطقة العربية، بل وفي غيرها- الملك عبدالعزيز اهتماماً بالتاريخ قراءةً وفهماً وتوظيفاً كيف لايكون كذلك، وهو سليل اسرة صنعت التاريخ، وعاد الى عاصمة بلاده بعد سنوات في المنفى في مغامرة تاريخية هي الاندر في التاريخ, ما اعتقد ان الملك عبدالعزيز كان يجد متعة في اي هواية اخرى اثناء سنوات المنفى مثل ما كان يجد في قراءة التاريخ، والتفكر فيه واستعراضه بشكل يكاد يكون مستمراً مع نفسه ومع من كان حوله, كان يستعرض تاريخ اسرته التي دانت لها الجزيرة العربية بكاملها، وكيف اصبحت هذه الاسرة في ظل ظروف صعبة تزداد صعوبتها مع كل يوم، بل ربما كل لحظة تنقضي من عمر الفتى عبدالعزيز الرافض لاستمرار هذا الوضع, لم يكن كل ما يشغل بال عبدالعزيز شأن اسرته فقط، بل كان الاكثر اشغالاً لباله حال وطنه وابناء وطنه الذين فرقتهم الحروب القبلية وخيم الجهل بكل ابعاده الديني والمعرفي والاجتماعي على حياة ذلك المجتمع المفكك، الذي يتلمس هو بدوره انتظار يوم الخلاص من حالة الفوضى والضياع التي يعيشها منذ اكثر من ثلاثة عقود, وحان وقت الخلاص مع انبلاج فجر يوم الخامس من شوال 1319ه.
في هذا اليوم عاد عبدالعزيز من الكويت، وهو يحمل حصيلة مخزون قرنين ونصف من التاريخ، وخارطة سياسية كاملة المعالم شديدة الوضوح للجزيرة العربية تعيها ذاكرة فذة هي ذاكرة عبدالعزيز الذي اجمع المؤرخون على انه لا يفوقه احد على الاطلاق في معرفة ادق التفاصيل عن جغرافية كل شبر في الجزيرة العربية، ومعرفة فائقة بكل صغيرة وكبيرة عن قبائل الجزيرة العربية وقياداتها وزعاماتها.
هذه الركائز الثلاث التاريخ والجغرافيا ومعرفة السكان هي من اهم الركائز المعرفية التي وظفها الملك عبدالعزيز احسن توظيف في سبيل توحيد بلاده، يضاف الى ذلك معرفته غير العادية بتطورات الاوضاع السياسية على المستويين الاقليمي والدولي.
فكان طوال فترة سنوات المنفى يتابع التطورات السياسية بدقة، وساعده مكان المنفى في التعرف على تلك التطورات لما يتمتع به من انفتاح ومنافذ للتواصل مع كل مصادر الاخبار ومعرفة التطورات على جميع الاصعدة، وانعكاس ذلك على ما كان عبدالعزيز يخطط له.
هذه الحصيلة المعرفية بكل التفاصيل عن تاريخ وجغرافية وسكان الجزيرة العربية اضافة الى مهارته السياسية وحنكته القيادية وحضوره الذهني الخارق للعادة هي التي دخل بها مفاوضاً ماهراً واثقاً منتصراً مع الاتراك في الصبيحية عام 1913م ومع الانجليز في دارين عام 1915 وفي العقير عام 1922 وفي القصيم عام 1904م ومع الهاشميين في نفى عام 1908م ومع الانجليز فيما بعد في جدة وبحرة عام 1925م ومع امام اليمن في الطائف عام 1932م وما سبقها وما تلاها من مباحثات، ومفاوضاته الطويلة فيما بعد اكتشاف البترول مع الانجليز حول واحات البريمي وحدود بلاده الشرقية وهي القضية الوحيدة في قضايا الحدود التي مات يرحمه الله وهي لم تنته، واستمرت الى ان اكملها ابنه فيصل يرحمه الله عام 1974م.
لم يكن التاريخ يشكل اية حساسية لدى الملك عبدالعزيز، بل انه كان يشكل له مصدر افتخار كبير، ولم يكن يرى غضاضةً في توجيه النقد لبعض الاخطاء التاريخية التي ارتكبها بعض اسلافه.
وتوظيف التاريخ لدى عبدالعزيز هو التوظيف المنطقي، اذ استفاد من كل معطيات التاريخ بطل ايجابياته، وتجنب كل ماوقع فيه من سبقوه من اخطاء ليس فقط من سبقه من الحكام من افراد اسرته، ولكن كان يرجع الى عظات التاريخ من الحكومات الاسلامية السابقة .
كان مهتماً بأن يكتب تاريخ فترته بكل تفاصيله، وبدون اخفاء اي شيء فيه دافعه الى ذلك ثقته بنفسه واعترافه بأن ليس هناك معصوم من الخطأ الا من عصمهم الله، كان عبدالعزيز لا يعقد مجلسا الا وللحديث عن التاريخ فيه مساحة زمنية من احاديثه اما استعراضا لتاريخ اسرته في الماضي، او استعراضا لتاريخ الوقائع التي خاضها عسكرية كانت او سياسية تسعفه في ذلك ذاكرته الحديدية.
وكان اول من تنبه الى هذه الميزة التي يمنحها عبدالعزيز لمن يحضر مجلسه في الحديث عن التاريخ المؤرخ الرحالة الامريكي العربي الاصل امين الريحاني، الذي قابل الملك عبدالعزيز لاول مرة في العقير عام 1922م، وشهد المحادثات السعودية البريطانية حول تحديد الحدود السعودية او النجدية مع كل من الكويت والعراق, وقد سمع الريحاني - الذي كان حاضراً كل جلسات المحادثات- كيف كان عبدالعزيز يوظف حجته التاريخية ومعرفته الجغرافية في اثبات احقيته في الحدود التي يرى انها امتداد طبيعي جغرافي لنجد، وانها تاريخيا جزء من املاك دولة اسلافه، وانها سكانيا من العشائر النجدية التي هي جزء من رعاياه.
افتتن الريحاني وهو الاديب والشاعر والرحالة ذو الخيال الجانح بأحاديث عبدالعزيز فترك الشعر والادب والخيال واندهش امام عظمة التاريخ الذي يحسن الملك عبدالعزيز روايته وهو تاريخ لم يكتب, وهاهي الفرص قد واتته كي يدخل التاريخ من اوسع ابوابه اذا هو استغل الفرصة وكتب التاريخ من مصدره الاول، ولقد استغل الريحاني الفرصة فأصبح واحدا من اشهر من كتبوا تاريخ نجد الحديث في عهد الملك عبدالعزيز، واصبح كتابه المعنون نجد وملحقاته , من اهم مصادر تاريخ المملكة.
ويعتبر كتاب الريحاني اول سفر يكتب عن تاريخ المملكة في عهد الملك عبدالعزيز بمنهج حديث مبني على مصادر اولية اهم تلك المصادر الرواية المباشرة من الملك عبدالعزيز بنفسه للاحداث التي شهدها والمعارك التي خاضها رواية تتسم بالموضوعية والامانة والوضوح, يقول الريحاني في مقدمة كتابه المشار اليه:
وكنت قد تذوقت السمر السلطاني في العقير، فروى عظمته شيئا من اخبار حروبه وابن الرشيد وكان في الرواية فصيحا، بليغا، جذابا، ومنصفا لخصمه, فقلت في نفسي، وقد فُتح لي باب في الكتابة عجيب، حبذا القصة كلها ادونها للناس- قصة هي تاريخ كله جديد، واكثره لذيذ ومفيد.
ثم يقول الريحاني:
لم اجرؤ يوم كنا في العقير ان افصح للسلطان عن رغبتي هذه، ولكني قلت لرفيقي السيد هاشم الرفاعي اني احب ان اكتب سيرة السلطان عبدالعزيز، واني مباشر العمل وفي الحقيقة كنت قد دونت في مذكراتي الواقعة التي سمعت خبرها في الليلة السابقة
,
كيف فاتح الريحاني الملك عبدالعزيز
في إبداء رغبته في كتابة تاريخه
يقول وعندما جئت الرياض وبدا من عظمة السلطان ذاك التعطف الخاص الجميل، فأنزلني في القصر وكان يشرف منزلي كل ليلة بعد صلاة المساء، تشجعت فاستأذنت بأن اكون مؤرخه، فأجاب، وكان الجواب مبهجاً: ما يخالف لا بأس فاستويت واقفاً وشكرته، ثم قلت وخير البر عاجله، لنبدأ اذا امرتم الآن.
- ما يخالف
وكان على المنضدة الورق والحبر فجلست اكتب ما رواه تلك الليلة من اخباره الاولى في الكويت, وبعد ذلك اثناء المدة السعيدة التي اقمتها في الرياض اي ستة اسابيع 4 ، كان عظمته يروي من اخباره ما يستغرق ساعة واحدة كل ليلة، فنتعاون انا والسيد هاشم في التدوين, وكنت استوقف عظمته في بادىء الامر مراراً لأفهم معنى لفظة من الفاظه او عبارة نجدية الاصطلاح, وكنا فوق ذلك، رغبة في التدقيق والتحقيق، نقرأ قبل ان نباشر الكتابة ما كتب في الليلة السابقة، فيصلح عظمته ما قد يكون فيها من الخطأ .
ويختتم الريحاني قصة كتابة تاريخه عن الملك عبدالعزيز بذكر اهمية مصادر تاريخه هذا حيث قال: هوذا المصدر الاول الاعلى لهذا التاريخ، اضف الى ذلك رسائل عدة ووثائق رسمية اطلعني عظمته عليها وأذن بنسخ بعضها 5
من اهتمام الملك عبدالعزيز بالتاريخ احضر كتابي ابن غنام وابن بشر من الهند بعد ان تمت طباعتهما هناك وربما هو الذي امر بطبعهما او ساعد على طبعهما وقد اهدى الملك عبدالعزيز نسخا من هذين الكتابين الى امين الريحاني وهو في الرياض عندما شرع في كتابة تاريخ الملك عبدالعزيز تاريخ نجد الحديث 6 .
عصر الانفتاح على كتابة تاريخ المملكة
ظلت منطقة نجد وخاصة وسطها اكثر اجزاء الجزيرة العربية انغلاقا على الآخر الى حين عودة الملك عبدالعزيز واعادة بناء الدولة في عهده، حيث اثبت الى جانب حنكته ومهارته السياسية والقيادية ثقته الشديدة بنفسه وعقليته المتفتحة المتطورة واعتزازه بمشروعه الوطني الذي يعمل ورجاله بكل ثقة وإيمان على اقامته مكنته هذه الصفات والظروف من الانفتاح على الآخر، وعدم تخوفه من معرفته لما هو عليه وطبيعة وضع بلاده السياسي والديني والاجتماعي وطبيعة الحياة السياسية والاقتصادية منها, بل كان هو صاحب المبادرات في دعوة الآخرين لزيارته مثل ما فعل في دعوته للرحالة العربي الامريكي امين الريحاني, وما اسفر عن تلك الدعوة من تمكين الريحاني من اظهار الصورة الجميلة التي نقلها عن ابن سعود وبلاده والقوة الواعدة التي يبشر بها من خلال ظهور عصر جديد في الجزيرة العربية بزعامة الملك عبدالعزيز، فكان لصدى التاريخ الواضح الناصع الذي كتبه الريحاني في ثلاثة كتب الاول احتل الفصل الواسع الذي افرده الريحاني لعبدالعزيز في كتابه ملوك العرب، وافرده بينهم بالتميز وانه يحقق الحلم العربي في اقامة دولة عربية متحدة قوية, والثاني تاريخ نجد الحديث طبع عام 1928م ونشر هذان الكتابان باللغة العربية، وكانا اول عمل تاريخي عن بلاد شهدت اكبر ثورة في التاريخ العربي الحديث، ولكنها ظلت مجهولة او قدمت بصورة مشوهة الى القارىء العربي من خلال ما كتبه ويبثه الخصوم.
اما الكتاب الثالث وهو بعنوان Maker of Modern Arabia، وقد نشر باللغة الانجليزية, وطبع في الولايات المتحدة عام 1928م وكان ثاني كتاب يقرؤه الغرب عن ابن سعود والثورة العظيمة التي يقودها في الجزيرة العربية بعد كتاب فيلبى قلب جزيرة العرب Heart of Arabia المطبوع في لندن عام 1922م، وتزامن مع مؤلف فيلبى الثاني بلاد الوهابيين Arabia of the wahhabis الذي طبع في العام نفسه الذي طبع فيه كتاب الريحاني، وسنأتي على الحديث عن فيلبي الرائد المتميز في كتابة تاريخ فترة الملك عبدالعزيز.
قام السيد فيلبى بزيارته الاولى لبلاد الملك عبدالعزيز عام 1917م مندوبا سياسيا في مهمة سياسية تتعلق بتطورات واحداث الحرب العالمية الاولى 7 , ولقد ارتبط السيد فيلبى منذ زيارته الاولى لنجد بعلاقة متينة بالارض والقائد الملك عبدالعزيز بعلاقة لم تنفصم عراها طوال حياة هذا السياسي البريطاني الذي تحول الى واحد من كبار الرحالة في القرن العشرين، واوقف معظم ان لم يكن كل نشاطه على الجزيرة العربية وبخاصة الارض الواسعة التي بسط الملك عبدالعزيز نفوذه عليها، فلم يترك فيلبي صقعا في هذه الارجاء الواسعة الا وزاره وكتب عنه من جميع جوانبه الجغرافية والتاريخية والآثارية والسكانية, فأصبحت اعمال فيلبي الكثيرة، التي توضح بعضا منها القائمة المرفقة، وهي من اوسع الاعمال البحثية والاكاديمية تغطية لاحوال الجزيرة العربية، وخاصة الفترة التاريخية لبداية تكوين الدولة السعودية الحديثة في عهد الملك عبدالعزيز، وتغطي كل مراحلها التاريخية وتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فأصبحت هذه الاعمال المعين الذي ينهل منه كل باحث والمصدر الذي يستقي منه كل مؤرخ.
لكن وبكل اسف لم يترجم من اعمال فيلبي الى اللغة العربية الا القليل لا يتجاوز ثلاثة كتب وبعض ترجماتها خرجت اما مبتورة او مشوهة وكل هذه الترجمات قام بها مترجمون عرب من خارج المملكة، والعمل الوحيد من اعمال فيلبى الذي ترجمه باحث سعودي هو تقرير بعثته الاولى الى نجد عام 1917م والتي قام بها الدكتور عبدالله العثيمين.
أعمال فيلبي
الكتب:
1- Heart of Arabia قلب جزيرة العرب ويقع في جزأين:
لندن: كونستابل Constable 1922, ويغطي تفاصيل مهمته عام 1917م عبر الجزيرة العربية ورحلته الى وادي الدواسر وعودته منها عام 1918م.
2- Arabia of the Wahhabis بلاد الوهابيين.
لندن: كونستابل 1928م ويغطي رحلته الى حائل مع جيش ابن سعود ونهاية مهمته في عام 1918م.
3- Arabia جزيرة العرب سلسلة العالم الحديث, لندن 1930م.
4- The Empty Ouarter الربع الخالي .
لندن: كونستابل ونيويورك 1933م, ويغطي رحلة الربع الخالي جزءاً من رحلته عام 1933م.
5- Harun al-Rashid هارون الرشيد لندن, 1934م.
6- Sheba's Daughters بنات سبأ .
لندن: 1934م يغطي رحلته غير المصرح بها الى شبوة ومنها الى محمية عدن, 1936م.
7- A Pilgrim in Arabia حاج في جزيرة العرب طبعة محدودة مطابع قولدن كوريل 1934م, طبعة شعبية.
لندن: Hale, 1946م، يشرح مناسك الحج ويصف المدينتين المقدستين في عام 1931م، ويتضمن فصلاً عن رحلته الى بلاد فارس بعد تسريحه من بغداد في عام 1921م.
8- Arabian Days ايام جزيرة العرب .
لندن: Hale 1948م سيرته الذاتية حتى بلوغه سن الخمسين.
9- The Background of Islam الخلفية السابقة للاسلام طبع في الاسكندرية 1947م لمحات عن تاريخ ما قبل الاسلام اعاد طباعته في لندن على حسابه، وكان تحت المراجعة عند وفاته.
10- Arabian Highlnds النجود العربية Jthaca:اثيكا Cornell كورنيل 1952م.
مسح ووضع خرائط للحدود السعودية اليمنية 1936- 37.
مشتملاً على مقدمة عن رحلته الاخيرة الى الربع الخالي في عام 1932م.
11- Arabian Jubilee الذكرى العربية الذهبية .
لندن: Hale 1952م, مسيرة الملك عبدالعزيز مع تفاصيل عن حياة البلاط.
12- saudi Arabia العربية السعودية سلسلة تاريخ امم العالم الحديث، لندن 1955م.
13- The Land of Midian بلاد مدين .
لندن: Benn 1957م, يغطي رحلته الاولى الى مدين عن طريق المدينة-تبوك.
14- Forty Years in the Wilderness اربعون عاماً في البرية .
لندن: Hale 1957م, يتكون من اثنتي عشرة مقالة عن حياته العملية مشتملة على مقالة عن لورنس العرب في شرق الاردن عام 1921م ومقالة عن محاصرة ابن سعود لمدينة جدة في عام 1924- 25.
15- Arabian oil veutures.
طبع في معهد الشرق الاوسط بواشنطن, 1964م, عن امتياز النفط في الاحساء للسيد هولمز عام 1923م ومنح الامتياز لشركة ستاندرد كاليفورنيا للزيت عام 1933م.
المطبوعات الرسمية:
1- Arab Bulletin النشرة العربية القاهرة سلسلة ملاحظات وتقارير عن مهمته الى ابن سعود ابتداءً برقم 75 ومن تاريخ الثالث من يناير 1918م متضمناً اخبار رحلته عبر الجزيرة العربية وردت في الاعداد رقم 79، 80، 81 لشهري فبراير ومارس 1918م.
2- Report on Najd mission تقرير عن مهمة نجد 1917- 1918م من منشورات مطابع حكومة بغداد, 1918م.
Southem Najd جنوب نجد ويشتمل على رحلته الى الخرج والافلاج والسليل ووادي الدواسر 1918م, طبع في المكتب العربي في القاهرة للاستخدام الرسمي، القاهرة مطبعة الحكومة 1919م.
الكتب غير المنشورة
وكل هذه الكتب غير المنشورة موجودة ضمن مجموعة الاوراق الخاصة لفيلبي المحفوظة بكلية سانت انطوني، جامعة اكسفورد.
1- Arabin Mandates مقالاته وخطبه عن السياسة البريطانية تجاه الجزيرة العربية 1924- 1926م.
2- The Iegend of Lijman خرافة ليجمان , سيرة حياة العقيد جي,اي ليشمان بتكليف من اسرته ولكنهم لم يقروا نشرها, مطبوعة على الآلة الكاتبة, كتبت في جدة 1928-1929م.
3- More Arabin Days زيادة من ايام جزيرة العرب تكملة لسيرته الذاتية لم ترقم فصولها مطبوعة على الآلة كتبت في عامي 1953-1954م.
4- The Mines of Midian معادن مدين , الجزء الثاني من بلاد مدين يغطي رحلته الثانية والثالثة الى مدين, مطبوعة على الآلة الكاتبة, كتبت في عام 1955-1956م.
ان عدم استفادة المؤرخين السعوديين، خاصة من اعمال فيلبي ومؤلفاته افقدهم الشيء الكثير من معرفة مواد تاريخية لم تتعرض لها المصادر التقليدية التي عولوا عليها او تناولوها، وظل معظهم يدور في حلقة التكرار يكرر الخلف ما قاله السلف دون محاولة الخروج عن هذه النمطية المملة في كتابة تاريخنا الوطني.
انه يمكن القول ان الريحاني وفيلبي هما رائدا المدرسة الحديثة في كتابة التاريخ السعودي والفضل كل الفضل يعود الى الملك عبد العزيز الذي مكن كلاّ منهما ليكون كذلك حيث كان احد اهم مصادرهما، اضافة الى توفيره للمناخ الذي يفسح للمبدع ان يبدع فلم تمارس عليهما قيود ولا ضغوط ولا رقابة ولا محاذير ولا ما يسمى خطوطا حمراء, ولا سمح لمغرض او صاحب هوى ان يؤثر على مسار كتابة التاريخ, رحم الله عبدالعزيز.
المدرسة العربية لكتابة تاريخنا الوطني
املت الضرورة استعانة الملك عبدالعزيز ببعض المثقفين العرب الذين ضاقت بهم بلادهم الاصلية على اثر احتلالها من قبل الدول الاستعمارية الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، وانكسار الحلم العربي على واقع الاعيب السياسة البريطانية التي انخدع الكثير من مثقفي الامة وسياسييها بوعودها، فساروا في ركاب ثورة وهمية ليس للعرب فيها الا تقديم ضحايا لا يعرفون في سبيل ماذا يضحون بأنفسهم, فلما انكشفت لهم حقائق الامور لم يجدوا لهم ملاذا الا بلاد عبدالعزيز بن سعود- التي ظلت بفضل حكمته وحنكته خارج دائرة اللعبة - الذي آواهم ورأوا في مشروعه الوحدوي املا في تحقيق حلم تغنوا به عقودا, فرأوا الحلم يصبح حقيقة على ارض جزيرة العرب ويصنعه زعيم عربي بجهود شعبه العربي وبامكانات جزيرة العرب التي هي الاقل اذا قيست بامكانات غيرها من الاقطار العربية الاخرى.
كان حافظ وهبة وهو مواطن عربي مصري اول من قدم راغبا في العمل مع الملك عبد العزيز واصبح من مستشاريه السياسيين، وذلك في السنة التي سبقت سنة ضم الحجاز عام 1343ه 1923م وبعده بفترة قصيرة التحق بخدمة الملك عبدالعزيز يوسف ياسين وهو عربي من سوريا، واصبح ايضا من مستشاريه السياسيين وتبعهما نفر آخرون من بلاد الشام والعراق وليبيا وفلسطين ولبنان ومن ابرزهم فؤاد حمزة وخير الدين الزركلي ومحمد امين التميمي.
فاضافة الى اعمالهم السياسية والادارية كتب بعض منهم اعمالا تاريخية من واقع تجربتهم العملية، ومن خلال ما امكنهم الاطلاع عليه من معلومات ما كانت متيسرة لغيرهم.
فكتب يوسف ياسين القصة الكاملة للرحلة الملكية الاولى من نجد الى الحجاز وقد قام بنشرها في جريدة ام القرى الذي اصبح اول رئيس لتحريرها ثم اعيدت طباعتها فيما بعد اكثر من مرة آخرها طبعة دارة الملك عبدالعزيز, ولم يكتب يوسف ياسين غيرها - على حد علمي -.
اما حافظ وهبة الذي اصبح فيما بعد اول سفير للمملكة في بريطانيا من قبل الملك عبدالعزيز فقد ساهم في كتابة التاريخ السعودي بكتابين هامين اولهما خمسون عاما في جزيرة العرب والثاني جزيرة العرب في القرن العشرين .
كما الف فؤاد حمزة كتابا بعنوان في قلب جزيرة العرب وهو من اهم ما كتبه, اما شيخ المؤرخين فانه خير الدين الزركلي الذي كتب ما يشبه الموسوعة عن تاريخ عصر الملك عبدالعزيز في عدة مجلدات بعنوان شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز , ومختصرا لذلك التاريخ اسماه الوجيز في تاريخ الملك عبدالعزيز .
هذه مدرسة اخرى في كتابة تاريخنا الوطني كتبها موظفون رسميون من خلال تجربتهم ومشاركتهم ومشاهداتهم وليس لدينا الوقت لعمل تحليل لهذه المدرسة، ولكن يمكن القول انها اثرت تأثيرا واضحا في كتابة تاريخنا الوطني وتعد احد اهم مصادره وهي مدرسة لها طابع مختلف عن مدرسة الريحاني وفيلبي, وهي الى المدرسة الرسمية لكتابة التاريخ اقرب.
ولنا ان نتصور واقع دراساتنا التاريخية دون هذا الاسهام العظيم الذي قام به هؤلاء النفر الذين احبوا عبدالعزيز، فاخلصوا في محبته على جميع الاصعدة، بما فيها تسجيل ما امكنهم تسجيله من تاريخ الفترة التي كانوا شهود عيان وممارسين في جهازها الاداري والسياسي.
ظهور مؤرخي المناطق
بما ان المملكة دولة واسعة الارجاء وتكونت متحدة من اجزاء واقاليم كانت في مجملها قد اصبحت اجزاء من الدولة السعودية الاولى, وبعد سقوط هذه الدولة، اصبح لبعض هذه الاجزاء حكومات اقليمية خاصة بها او تحولت الى ولايات او متصرفيات عثمانية فيما بعد مع محافظتها على خصوصيتها ومن هذه الخصوصية تاريخها الخاص بها وتاريخ رجالاتها وعلمائها.
لم تنف الوحدة حق هذه المناطق من كتابة تاريخها، فظهر في تلك المناطق عدد من المؤرخين ولم تخل بعض هذه المناطق من اكثر من مؤرخ، فظهر في الحجاز وخاصة في مكة احمد السباعي وفي جدة عبدالقدوس الانصاري، وفي المخلاف السليماني محمد بن احمد العقيلي وفي عسير هاشم النعمي وفي الاحساء ابن عبدالقادر وفي القصيم ابن عبيد وفي القطيف محمد بن سعيد المسلم وفي الرياض حمد الجاسر وفي الدرعية عبدالله بن خميس ومحمد حسين زيدان في المدينة وغيرهم كثير, ويغلب على اتجاه هؤلاء الرعيل الاول من مؤرخي المناطق انتماؤهم الى مدرسة واحدة هي المدرسة التقليدية بحكم انتمائهم الى مدرسة ثقافية واحدة هي مدرسة التعليم التقليدي, وكان لظهور مؤلفاتهم في زمن ما قبل نشوء المدرسة الحديثة لكتابة التاريخ دور في سد الفراغ مع ما يعتور تلك المؤلفات من قصور في المنهج والمادة والتحليل، اذ لم يكن معظم هؤلاء ان لم يكن جميعهم مؤرخين منقطعين لكتابة التاريخ، بل كانوا ذوي انتماءات لثقافة غير الثقافة التاريخية، فمنهم من كان منشغلا بالعلم الشرعي او بالادب او بعلوم اللغة او بالشعر او الصحافة وغير ذلك, وفقد نتاج هذه المدرسة قيمته في ظل نتاج المدرسة الحديثة الاكاديمية, ولكن ظل محتسبا لهؤلاء حق الريادة.
وينتمي الى مدرسة مؤرخي المناطق بعض المؤرخين الذين امتازت مؤلفاتهم بالتاريخ الشمولي للبلاد، ومن هذه الفئة عبدالغفور عطار في كتابه صقر الجزيرة الذي الفه عن الملك عبدالعزيز وعصره، والامير سعود بن هذلول في تاريخ ملوك آل سعود حيث غطى ما يتعلق بفترة حكم الملك عبد العزيز بشكل عام, وغيرهم نفر غير قليل جاء بعدهم من اتباع المدرسة نفسها.
المدرسة الحديثة المدرسة الأكاديمية
يفترض ان هذه المدرسة بدأت تؤتي اكلها مع فترة البواكير الاولى لنشوء الجامعات السعودية التي تعود نشأة اولاها الى عام 1377ه/1957م، وهي جامعة الملك سعود, بيد ان المدرسة الاكاديمية لم تبدأ القيام بدورها وظهور تأثيرها على مسيرة كتابة تاريخنا الوطني الا في وقت متأخر, وحتى مع حصول هذا التأخير، فإن دورها مازال - والى حد كبير- لم يبلغ الحد الادنى مما يطمح اليه.
ولهذا عدة اسباب منها ان بعض الرواد الاوائل المبتعثين لدراسات التاريخ دراسة اكاديمية قد تخصصوا في تخصصات بعيدة عن تاريخ الدولة السعودية الحديثة، والبعض الذين كانت تخصصاتهم قريبة او حول هذه الفترة اعتمدوا في جل مصادرهم على مصادرنا المحلية التقليدية، والجهد الاكبر الذي بذلوه هو اعادة صياغة النصوص القديمة في صيغ لغوية وادبية حديثة.
وكانت القيود والمحاذير والرقابة او الشعور الوهمي بها لدى بعض هؤلاء الاكاديميين اسباب عدم ظهور تأثير المدرسة الحديثة الاكاديمية على مسار كتابة تاريخنا الوطني.
تعتبر المؤتمرات والندوات العلمية من اهم المحركات لتفعيل دور المؤسسات الاكاديمية في ميادين البحث العلمي ومنها ميدان الدراسات التاريخية, واذا نظرنا الى اهم تلك المؤتمرات التي عقدتها جامعاتنا السعودية في مجال تاريخنا الوطني نجدها اربعة مؤتمرات دولية فقط يمكن ان يشار اليها بالبنان.
الاول منها نظمته جامعة الملك سعود عام 1397/1977م بعنوان ندوة مصادر تاريخ الجزيرة العربية وكان واحدا من انجح المؤتمرات على الاطلاق من حيث ضخامة المشاركين فيه من المتخصصين من بقاع العالم، ومن العلماء المشهود لهم، ومن حيث دقة تنظيمه وحرية المناخ المصاحب له ونشر كامل بحوثه التي امتازت بمهنية اكاديمية عالية، فأصبحت من اهم المصادر التي يرجع اليها كل باحث ليس في المملكة فحسب، بل وفي كل انحاء العالم, وقد اثرت ابحاث هذه الندوة معرفتنا - وبطريقة علمية- مصادر تاريخنا الوطني.
المؤتمر الثاني ذلك المؤتمر الذي نظمته جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية تحت عنوان اسبوع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وما اسفر عن طبع بحوث ذلك المؤتمر من اثراء معرفتنا التاريخية ومعرفة العالم العربي والاسلامي بآثار الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتأثير دعوته ليس في الجزيرة العربية فحسب، بل في معظم انحاء العالم الاسلامي.
المؤتمر الثالث المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبدالعزيز الذي نظمته جامعة الامام بالتعاون مع اتحاد المؤرخين العرب، وذلك في عام 1985م في مدينة الرياض, ولا نستطيع ان نحكم على اهمية بحوث ذلك المؤتمر التي لم تنشر الى الآن, ولا اعرف ولا غيري من الباحثين سبب عدم نشر ابحاثه الى الآن.
المؤتمر الرابع مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام الذي نظمته الامانة العامة للاحتفال بهذه المناسبة بتاريخ الخامس من شوال من العام الماضي 1419ه وابحاثه خليط من التاريخ والتقارير الحكومية لاداء المؤسسات خلال مائة عام, وبحوثه المتعلقة بالتاريخ لا يرقى بعضها الى الاهمية الكبرى للمناسبة، حيث لم توضع معايير محددة لنوعية المشاركة ومكانة المشاركين العلمية ورقابة اكاديمية جيدة على تحكيم الابحاث المشاركة، لان الهدف هو ان تبقى هذه المشاركات وثائق مهمة من وثائق مسيرة تاريخ المملكة.
ان الاحتفال بالمئوية كان اهم احتفالية تشهدها المملكة، وهل هناك ماهو اهم من هذا الحدث, وقد شهدت البلاد حركة غير عادية على مستوى التأليف والنشر والترجمة، واعادة طبع ما اصبح في عداد الكتب النادرة مما كان قد كتب عن المملكة, ونظراً لكثرة هذه المؤلفات والترجمات وتقارير الاداء التي تعاقدت كثير من اجهزة الدولة مع ما يسمى ببيوتات الخبرة على اعدادها وبعض هذه البيوتات لا تملك من الخبرة شيئا في مجال البحث العلمي وخاصة في حقل التاريخ، ولم تظهر بعض هذه البيوتات الا مع ظهور التجهيز للمئوية، بينما الخبرة الحقيقية توجد في الاقسام المتخصصة في الجامعات، وتلك الاقسام هي الاولى بالاموال التي صرفت على غير مستحقيها لوضع تقارير تلك الدوائر والوزارات، وللاسف انها احتسبت اعمالا توثيقية، وهي في الواقع غير ذلك.
لهذا كله فاننا نحتاج الى وقت ربما يكون طويلا لتقويم تلك الاعمال والخروج منها بنتيجة هل هي اعمال ترقى الى ان تكون اعمالا اكاديمية ام لا.
الوثائق وكتابة التاريخ
لا تاريخ بدون وثائق كما يقول علماء التاريخ, ووثائق تاريخنا الوطني تنقسم الى قسمين:
1- وثائق وطنية.
2- وثائق اجنبية.
دور وأهمية هذه الوثائق في دراسة تاريخنا الوطني
من المؤسف ان هذا المصدر المهم والاولى في كتابة التاريخ الوطني ظل مهملا تماما، ولم يعره اي من المهتمين او المتخصصين في كتابة تاريخنا الوطني الا القليل جدا او لا يكاد يذكر من الاهتمام, وظل كتاب التاريخ لدينا بكل انتماءاتهم التي اشرت اليها لا يولون هذا الجانب اهمية تذكر، اما الموقف الرسمي او الحكومي فان امر الوثائق لا يعدو كونه بقايا معاملات قديمة يجب التخلص منها بعد مضي فترة زمنية معينة, وذلك باحراقها او خزنها في اسوأ مكان من الاماكن المهملة التابعة للدوائر الحكومية.
ولا الوم هذه الدوائر فهذا حد فهمها للنهاية الحتمية لهذه الاوراق القديمة, ولكن اللوم يقع في الدرجة الاولى على المؤسسات الاكاديمية الممثلة في اقسامها المتخصصة في التاريخ بصفة خاصة، حيث لم يشكلوا الضغط الذي تشكله الجهات البحثية في البلدان المتقدمة وتجبر الدولة او ليست مجبرة لاجبارها تنبهها الى اهمية وضرورة الحفاظ على الوثائق الوطنية التي تشكل الذاكرة الحقيقية والدائمة للامة.
لم يظهر لدينا من يقوم بهذا الواجب، وحينما ظهرت مؤخرا بعض الاصوات التي تنادي بصوت مرتفع بالحفاظ على وثائقنا الوطنية وضرورة جعل اتاحتها للباحثين والمؤرخين امرا ميسورا
لم يؤخذ بهذه المطالبة من قبل الدوائر الرسمية بشيء من الجدية الى الآن، ومازالت وثائقنا الوطنية او ما تبقى منها في وضع مؤلم.
والمؤلم اكثر ان ما يتعرض للاندثار والضياع والاهمال من هذه الوثائق يعود لفترة التأسيس فترة المائة عام التي نحتفل بها.
وكنا معشر المتحمسين للحفاظ على الوثائق نعلق آمالا عراضا على مناسبة المئوية لتحريك الموقف الرسمي والاكاديمي بوضع خطة لانقاذ وثائق فترة التأسيس, ولكن هاهي سنة المئوية تؤذن بالرحيل وليس في الافق ما ينشط الامل.
اما الوثائق الاجنبية فهي تلك الوثائق المتعلقة بتاريخنا الوطني والمحفوظة في ارشيفات عالمية، وخاصة الارشيف البريطاني, وهذه الوثائق هي التي نلاحظ حركة نشيطة في تصويرها وجمعها وترجمة ما يمكن ترجمته منها، ونلحظ الاهتمام المتزايد بهذا المصدر الاجنبي الذي اصبح ميسورا في كل مكتبة ولم يعد محبوسا في الارشيف البريطاني الذي كان الباحث يعاني في السفر الى هناك للاطلاع على الوثائق بنفسه وتصوير ما يحتاج منها او نقلها او الاقتباس منها.
اما وقد قامت الحكومة البريطانية بنشر كامل وثائقها المتعلقة بمنطقة الجزيرة العربية مؤخرا لاغراض تجارية اولا وعلمية ثانيا فلم تعد هناك معاناة كبيرة تعتور طريق الباحث اللهم الا مشكلة اللغة لمن لا يعرف الانجليزية, مع هذا فقد اعطيت هذه الوثائق الاجنبية من الاهتمام ما يجعل المهتمين بأمر الوثائق الوطنية يصابون بالغيرة والالم والحيرة، ويسألون هل يمكن ان نكتب تاريخنا الوطني معتمدين على الوثائق الاجنبية فقط، ان هذا مستحيل ومستحيل جدا فدقائق امور تاريخنا لا يمكن كتابتها الا في ضوء الوثيقة الوطنية المحلية, ماذا سيفيد الباحث السعودي المهتم بتاريخ تطور بناء المدن السعودية او تطور انظمة الادارة المحلية اذا جمع عشرين او ثلاثين مجلدا تلخص وثائق اجنبية تركز في معظمها على قضايا محدودة تتمحور حول ثنائية العلاقة بين دولة الملك عبدالعزيز ودولة اجنبية اخرى وللاسف ان هناك اكثر من جهة تعمل بنشاط على جمع وترجمة الوثائق الاجنبية وهي جهود في معظمها مكررة, وتنفق عليها اموال طائلة.
نحن لا نقلل من قيمة الوثائق الاجنبية، ولكن يجب الا تصرفنا عن الاهتمام بوثائقنا الوطنية، فنصبح مع الزمن اميين بمعرفة تاريخنا الوطني ونقرؤه فقط من خلال الوثائق الاجنبية.
مهرجان الجنادرية والاهتمام بالجانب التاريخي
كان قيام مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة نقطة تحول في ايقاظ اهتمام الامة بتراثها, حيث اولى القائمون على المهرجان شيئا من الاهتمام بالجانب التاريخي، تمثل في جمع عدد من الوثائق لانعرف حجمها، ولكن نعرف ما تم نشره منها في مجلدين تعود وثائقها الى فترات مختلفة من تاريخ تأسيس المملكة، بها وثائق نادرة تعود الى السنوات الاولى من فترة التأسيس يضاف اليهما ما تضمنه كتاب لسراة الليل هتف الصباح تأليف الشيخ عبدالعزيز التويجري- من وثائق نادرة عن فترة الملك عبدالعزيز، والذي اعتقد ان مؤلفه اعده بتأثير من مهرجان الجنادرية، حيث يعد المؤلف نفسه احد مهندسي مهرجان الجنادرية، كذلك ما قام به المهرجان من لقاءات مع كبار السن من القادة الذين شاركوا في مسيرة بناء الدولة، ورواياتهم الشفوية تعد وثائق ناطقة اذا ما تم مقارنتها بالوثائق المكتوبة وما حوت المصادر والمراجع الاخرى, وهذا الجهد الذي قام به الحرس الوطني مشكورا من خلال مهرجان الجنادرية يعد اضافة قيمة في تطور كتابة تاريخنا الوطني, والامل الا يتوقف الحرس الوطني عند هذا الحد، ولاسيما قد اصبحت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من الجهات المهتمة بجمع النوادر من الوثائق الوطنية، بعضها ما كان مهاجرا ثم عاد.
ضرورة إنشاء أرشيف وطني للوثائق
لاتغني الجهات الحكومية المتناثرة القائمة حالياً التي تمنح الوثائق شيئاً من اهتمامها عن قيام ارشيف وطني يكون هو الجهة المسؤولة الوحيدة عن الوثائق الوطنية، وتبقى الجهات الاخرى متفرغة لما انشئت من اجله مثل مكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، والارشيف الخاص برئاسة مجلس الوزراء, ودارة الملك عبدالعزيز التي يمكن ان تكون مؤهلة لان تكون مركزاً عظيماً للدراسات التاريخية السعودية يحمل اسم الرجل المؤسس، وتترك امر الوثائق من حيث حفظها وفهرستها ومعالجتها ونشرها وما الى ذلك للارشيف الوطني.
والدارة اذا تحولت الى مركز متخصص في الدراسات التاريخية السعودية- وهي تحظى بما تحظى به من عناية فائقة من قبل رئيس مجلس ادارتها الامير سلمان بن عبدالعزيز - فانني على يقين من ان مستقبل الدراسات التاريخية في بلادنا سيأخذ منحنى آخر متطورا يعوض ما اصاب هذا الجانب من اهمال طوال فترة طويلة.
وفي ضوء ما سبق عرضه واجابة على بعض الاسئلة المطروحة ولعله أهمها هل اصبح بالامكان القول ان تاريخنا الوطني قد كتب كما نتمنى؟ وهل مازالت بعض جوانبه لم تكتب؟ وهل ظهرت في الافق بوادر امل في تشكيل مدرسة سعودية لكتابة التاريخ؟
لا يمكن القول ان تاريخ المملكة- بما تحتله من اهمية في موقعها وفي تركيبتها السكانية، وفي اتساع مساحتها الجغرافية، وفي تنوعها وتعقيداتها، وبما يتناسب مع حجم الحدث الذي قام به الملك عبدالعزيز ورجاله- قد غطي بالشكل الذي نتمناه، ولا حتى بالقريب مما نتمناه، وقد نلتمس العذر بأن مائة سنة من تاريخ اعمار الامم قصيرة، وان الظروف المواتية للقيام بكتابة تاريخ بلادنا لم تكن مهيأة بسبب النواقص الكثيرة واهمها النقص في الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بهذه المسؤولية نتيجة تأخير دخول التعليم الحديث في المملكة بصفة عامة، ونشوء الجامعات بشكل خاص، التي يقع على عاتق اقسامها المتخصصة العبء الاكبر من المسؤولية، وما تبقى تتحمله القطاعات الحكومية الاخرى.
ولكن ما العذر ! وقد تجاوزنا ما كان لتلك العوامل من تأثير، وسابقنا الزمن رغبة في تعويض ما اضاعه منا، وقد قطعنا شوطا كبيرا في معظم الميادين الا في ميدان الدراسات التاريخية، فما زلنا- وبكل اسف- في مرحلة غير مرضية, لا ارى انها تؤهلنا لان تكون لدينا مدرسة تاريخية خاصة بنا, طالما ظللنا بين وطأة تأثير مدرستنا التقليدية في نصوصها واسلوبها والتمسك لدرجة المبالغة بما مدتنا به مصادر تاريخنا التقليدية من معلومات تاريخية حتى مع قلتها وبعد ثبوت خطئها في ضوء المكتشفات الجديدة من الوثائق والمخطوطات، وبين الاخذ بما تمدنا به المصادر الاجنبية وخاصة الوثائقية منها دون دراستها دراسة متخصصة، ودوام استمرار غياب مصادرنا الوثائقية الوطنية التي مازالت محفوظة مهملة في دهاليز مباني الدوائر الحكومية القديمة, لم يستفد منها الباحثون السعوديون الى الآن.
كما انه مازالت هناك جوانب كثيرة من تاريخنا الوطني لم تكتب، منها على سبيل المثال:
تاريخ علاقات المملكة العربية السعودية الخارجية حيث لا توجد دراسات من منظور تاريخي يعتمد على المصادر التاريخية السعودية لهذا الجانب الى الآن، ومازلنا نعاني كثيرا في معرفة هذا الجانب، ولا يمكن ان تتم دراسته دراسة اكاديمية الا اذا افرجت وزارة الخارجية عن وثائق ارشيفها واخرجتها للباحثين السعوديين، لان الاستمرار في عدم الاهتمام بوثائق وزارة الخارجية في مراحلها الاولى وعدم تمكين الباحثين الاطلاع عليها لا اعرف له تبريرا واحدا, واحب ان اشير بمناسبة الحديث عن العلاقات الخارجية للمملكة بجيرانها وغيرها أن فترة سنوات حكم الملك عبدالعزيز كانت تعد الفترة الذهبية في تمكين الباحثين واصحاب القرار من الاطلاع والاستفادة من الوثائق الرسمية رغبة منه في توضيح وجهة نظره، والرد على وجهة النظر المعاكسة، وفي سبيل ذلك كان يعمد الى نشر الوثائق المتعلقة بقضايا الحدود مثلا اثناء فترات التفاوض، وامر بنشر وثائق مؤتمر الكويت عام 1923م المتعلق برسم الحدود بين بلاده والاردن والعراق في كتاب اسماه الكتاب الاخضر النجدي ومن غريب الصدف ان هذا الكتاب الذي طبع ونشر على الناس كافة اصبح في عداد الوثائق السرية التي لا يجوز الاطلاع عليها في هذا الزمان.
ومثله الكتاب الاخضر السعودي المتعلق بخلافات الحدود بين المملكة واليمن الذي امر الملك عبدالعزيز بنشره متضمنا كل المكاتبات المتبادلة بينه وبين ملك اليمن لكي يكون الرأي العام الوطني والعربي والاسلامي والعالمي على بينة من وضوح وجهة نظر الملك عبدالعزيز، فاصبح مصدرا مهما لكتاب التاريخ عدا المؤرخ السعودي الذي كان يلزمه ان يشد الرحال الى لندن او القاهرة او غيرهما من العواصم اذا اراد الاطلاع عليه.
وكتابة تاريخ قواتنا المسلحة منذ نشأتها في عهد الملك عبدالعزيز الى حين وفاته يرحمه الله ومشاركتها في الحفاظ على وحدة الوطن وحمايته، ودورها المشرف في المشاركة مع القوات العربية في حرب فلسطين عام 1948م, هذا التاريخ لم يكتب كتابة علمية تفصيلية، لان الباحث لا يمكنه الاطلاع على الوثائق المتعلقة بالقوات المسلحة، ولا نعرف اذا كانت محفوظة ومصانة ام هي متروكة نهبا للآفات؟
فاذا كانت محفوظة مصانة، فما الذي يمنع من الاطلاع عليها من قبل الباحثين المتخصصين؟ وما كتابة التاريخ الاقتصادي للمملكة اثناء فترة حكم عبدالعزيز بأحسن حالا مما سبق ذكره علما بأن لدى وزارة المالية ملايين الوثائق، الا انها مازالت في اكياس وصناديق من الزنك تمتلىء بها افنية وزارة المالية منذ سنوات طويلة, ولذا لا ولن يستفيد الباحث السعودي في مجال التاريخ الاقتصادي البتة من هذه الوثائق طالما ظلت على الوضع الذي هي عليه.
اوردت هذه الامثلة للتدليل على ما يعتور كتابة تاريخنا الوطني من عقبات، وهي عقبات من الميسور التغلب عليها باتخاذ القرار الحاسم واستخدام الوسائل الحديثة وتأهيل طلاب اقسام التاريخ والمكتبات تأهيلا علميا في مجال الارشفة والفهرسة واستخدام الوسائل الحديثة.
الآثار مصدر من مصادر التاريخ
وكيف نظر له الملك عبدالعزيز
كما سبق ان اشرت من قبل فان الملك عبدالعزيز يرحمه الله كان يملك حسا تاريخيا ونظرة خاصة للتاريخ، فان نظرته للآثار لم تكن نظرة مغلقة، بل لم يعترض على قيام السيد فيلبي بدراسة المواقع الاثرية في مواقع مختلفة من المملكة ومنها قرية الفاو حيث كان فيلبي اول مكتشف لها في التاريخ الحديث وأول من اشار اليها في مصادرنا الاسلامية المؤرخ والجغرافي الهمداني.
حينما احتاج فيلبي الى من يساعده من علماء اللغات القديمة استأذن الملك عبدالعزيز في السماح له بذلك، فسمح له وانما اشترط الا يخرجوا بشيء من اثار البلاد، وألا يحضروا معهم شيئا من الممنوعات, وبفضل الملك عبدالعزيز وعقليته المتفتحة اصبحت لدينا صورة شبه كاملة عن معظم المواقع التاريخية والاثرية, ولم يمنع الاستفادة من اصحاب الاختصاص من اي جنسية كانوا.
بدأ الاهتمام بالآثار من خلال اكاديميين سعوديين اول ما بدأ من هنا من جامعة الملك سعود واستبشرنا جميعا بهذه البداية وتطلعنا الى ان الدراسات الاثرية في ضوء الاكتشافات والتنقيب الاثري ستثري مصدرا هاما من مصادر تاريخنا الوطني وتغير الكثير من المفاهيم وتضيف اخرى, بيد ان الكشف الاثري على ايدي علماء جامعة الملك سعود اختزل اثار المملكة في موقعين اثنين لا ثالث لهما الفاو والربذة ولمدة قاربت ثلاثة العقود وجرى منع الاستعانة بالبعثات الاجنبية وهي ظاهرة انفرد بها علماء الاثار لدينا ومخالفة للسياسة التي كان قد رسمها الملك عبدالعزيز، حيث لا يمكن بجهود قسم واحد للاثار وعدد محدود من منسوبيه ان يغطوا الكشف عن اثار قارة كبرى هي المملكة العربية السعودية.
هذا بالاضافة الى ان ما تم كشفه في الفاو والربذة من اثار لم يدرس الى الآن ولم ينشر الا القليل منه مما جعلنا محرومين من معرفة ما يمكن ان تضيفه هذه المكتشفات الى تاريخ بلادنا.
ولذا فان معرفتنا بما يمكن ان تمدنا به الدراسات الاثرية كاضافة لتاريخ هذه البلاد يعود الى الفترة التي سمح فيها عبد العزيز يرحمه الله للمؤرخين والاثاريين واللغويين الاجانب بالتجوال والترحال في معظم انحاء المملكة.
وستظل معرفتنا كذلك محدودة او معدومة الى ان تنشر ابحاث الفاو والربذة كاملة، والى ان تتسع دائرة البحث الاثري لتشمل كل انحاء المملكة والى ان يتم الاستعانة بالبعثات الاجنبية صاحبة الخبرة الدولية في مجال الآثار، والتي تستعين بها كل دول العالم بما فيها اكثر البلاد انغلاقا مثل العراق واليمن وحتى ايران.
ولا نملك في نهاية هذا اللقاء الا ان ندعو للملك عبدالعزيز بالرحمة جزاء ما قدمه لهذا الوطن من اعمال خالدة ستظل مقرونة باسمه ما ظل في الوجود مؤرخ يكتب التاريخ.
محاضرة مقدمة للندوة الجامعية الكبرى المنعقدة بجامعة الملك سعود بالرياض في 7-18/7/1420ه