لم تعد مقومات التقدم في هذا العصر محصورة في التفوق العسكري والنهضة الصناعية، فتطور الخدمات اصبح مؤشراً مهماً على تقدم الدول، فسويسرا- مثلاً- تعتبر من اعظم الدول تقدماً مع انها دولة محايدة لا تملك الا قوة رمزية، وكذلك الامر بالنسبة لالمانيا واليابان، في حين ان دولاً اخرى مثل روسيا والصين لا تصنف ضمن الدول المتقدمة على الرغم من امتلاكها قوة عسكرية ضخمة، ومرد ذلك تراجع الخدمات فيها.
اما نحن في هذه البلاد فقد نعمنا بنهضة شملت جميع اوجه الحياة وفي مدة زمنية وجيزة اذا ما قيست وقورنت بالدول الاخرى، فالبنية التحتية قد اكتملت في كثير من جوانبها، والوصول الى مصاف الدول المتقدمة اصبح يسيراً، اذا احكمت ادارة هذه المنشآت الضخمة، وارتفع اداؤها دقة ومتابعة واشرافاً, وكلما حرصت الادارة على تقوية العلاقة وتحسينها مع المستفيد من خدماتها كان ذلك دليل وعي اداري، وضعف هذا الاهتمام مؤشر على وجود خلل يحتم على الادارة المراجعة والتعديل في مسار العملية الادارية للجهاز.
ولو توقفنا عند احدى الجهات الخدمية، ولتكن مصلحة المياه- بوصفها مسؤولة عن اهم الخدمات الحياتية,, فقطع الماء فجأة عن المستهلك دون سابق انذار، لا يبرره اكتشاف المصلحة المفاجىء ان المشترك لم يسدد فاتورة ست او عشر السنوات الماضية.
وما يستوقفنا هنا هو مدى الضرر الذي ألحقته المصلحة بعلاقتها مع المواطن من جراء هذا التصرف، فالمصلحة محقة في تحصيل قيمة الاستهلاك - علماً بأن ما يدفعه المستهلك لا يوازي ولو جزءا يسيراً من التكلفة الفعلية لهذه الخدمة- الا ان هذا الحق في التحصيل لا يعفي المصلحة من مسؤولية التأخر في المطالبة.
وحفاظاً على العلاقة التي اشرنا اليها ينبغي اللجوء الى اساليب ادارية حضارية في المطالبة قبل فصل الخدمة فآخر العلاج الكي .
وان حديثنا عن مصلحة المياه لا يعني انها المقصودة تحديداً، ولنا امل كبير في قدرة ادارة المصلحة - وبقية الاجهزة الخدمية الاخرى التي قد تشترك معها في مثل هذا الاجراء- على معالجة اساليب التعامل مع المستفيد من الخدمة، وذلك لتعزيز العلاقة التي نرى في قوتها قوة دفع لوطننا للوصول الى مصاف الدول المتقدمة, والله من وراء القصد.
|