لا يمكن لأي إنسان مهما أعطي من قدرات ذهنية او علمية ان يعمل بصورة جيدة وهو في ظل مناخ ملبد بالغيوم، أو في جو يسوده التصيد للأخطاء، أو تكتنفه المنافسات غير الشريفة او الخوف من بروز هذا أو ذاك، والأخطر في هذه المسائل هو محاربة القدرات لكونها أصبحت منتجة او تميزت في عملها او حققت نجاحات حصدت به تقدير الكثير.
إن مرض المجتمعات العربية ان تكون سياسة كبت المبدعين فيها هدفا لدى البعض فبدلا من دعمها يمتشق بعضنا الحسام ونستدعي انصاف المثقفين لنطالبهم بتتبع مسارات الناجحين في سبيل رصد ما يمكن او يؤذيهم.
المشكلة ان هذه الفئة - ودائما هي اقلية - في المجتمعات العربية والخليجية على وجه الخصوص تكون بواعثها شرخا في التربية او ضعفا في المكونات المعرفية او الثقافية، تمكنت في ظروف غريبة او بقوة دفع غير طبيعية ان تتسنم مواقع تمكنها من الاضرار بالآخرين لا لسبب غير ان في دواخلهم خوفا من المستقبل لكونهم يدركون قبل غيرهم ان نفوسهم مهزومة وبالتالي يغطون ذلك الاحساس بالتسلط ليقنعوا أنفسهم بأنهم اقوياء واصحاب قرار، وليشعر من حولهم بقدرتهم على وضع العربة امام الحصان، ومع ذلك فالحصان من وجهة نظرهم يقود العربة!!
إن الدول الخليجية هي في اشد الحاجة لابنائها المستنيرين واستيعابهم بدلا من ممارسة الضغوطات تلو الضغوطات غير المبررة لتدفع بالقادرين منهم إلى التسرب من مواقع الانتاج بالاستقالة تارة او بالتقاعد المبكر او بالهجرة خارج الحدود، فالوطن اي وطن هو الخاسر اما الكاسب الوحيد هم أعداء النجاح.
لقد أدهشتني احصائية نشرت قبل سنوات عن عدد المهاجرين من احدى الدول العربية في تخصص الطب وحده حيث كانوا اكثر من خمسة آلاف طبيب يعملون في دولة اوروبية واحدة فإذا أضفنا إلى جانب ذلك المهاجرين من هذه الدولة من فئة المهندسين والشعراء والاعلاميين والمفكرين,, نلمس كم هي حجم مأساة هذا المجتمع.
فليس بالضرورة ان معظم المهاجرين هم معارضون لهذه الدولة أو تلك ولكن الضغوطات العملية والوظيفية او عدم الانصاف او تسلط بعض اشباه المسؤولين في هذه الدولة او تلك على الكفاءات الوطنية في تقديري هو السبب والدافع الرئيسي لهذه الهجرة.
إن الخطورة في هذا الوضع المزري ان الدول العربية من اقصاها الى أقصاها تفقد العديد من ابنائها المبرزين الذين حرموا من توفر المناخ النقي مما أدى إلى هروبهم خارج أوطانهم او انكفؤوا داخلها وهم قادرون على العطاء والابداع والانتاج.
إننا في هذا الوطن لا أعتقد ان في مقدور احد منا الادعاء بالكمال ويحكم بأن من لديهم الامكانات العلمية قد حازوا على الفرص المناسبة ولكن الشيء المؤكد ان بلادنا هي الافضل لوجود رجال كبار يدركون ان نهضة الوطن معقودة بعد الله على ابنائه، فاليسمح لي القارئ الكريم ان اقدم استشهاداً واحدا على دقة وحقيقة هذا الوضع فالنأخذ صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض الذي تحول قصره العامر ومكتبته إلى ملتقى لمحبي هذا الوطن يجاورهم وينصت باهتمام للراغبين في الحديث منهم يشعرهم جميعا بالرعاية الخاصة.
فسموه لم يكتف بخدمة منطقة الرياض التي اصبحت درة في جبين الوطن الغالي فحسب وانما جعل خدمة المواطن السعودي في اي بقعة من ارض بلادنا هما شخصيا لسموه ، وقد اصبح الامير سلمان بن عبدالعزيز رمزا لكل خير في هذا الوطن فاسمه مقرون بمعظم المشاريع الخيرية التي تستهدف اسعاد الانسان داخل الوطن وفي انحاء المعمورة انه النموذج الحي للقيادة الحكيمة التي اسس منهجها على الحق والعدل والاخلاص وإنكار الذات الملك عبدالعزيز آل سعود موحد هذه البلاد يرحمه الله تعالى.
متعب السيف
j_ Khk*ayna.com