لم يكد يجف دمع اسرة الطفل الذي لقي مصرعه وهو يلعب بصحبة والده ووالدته في إحدى الحدائق العامة بجدة، إثر سقوطه فجأة في فوهة مفتوحة خاصة بخزان سقيا تلك الحديقة التابعة رعايةً وصيانةً ومتابعةً لأمانة مدينة جدة، أقول ان ذلك الدمع لم يجف بعد - وبعض الدموع لا تجف أبداً!! - حتى حملت الصحف قبل أيام خبر مأساة أخرى بمدينة جدة أيضاً وكانت المأساة تتحدث عن مصرع طفل آخر كان عائداً من مدرسته ووالدته بانتظاره وقلبها خفاق مثل أي أمٍّ تنتظر وتتمنى عودة صغارها سالمين، وذلك عندما سقط هذا الطفل في خزان مفتوح على مصراعيه تابع لعمارة حديثة الانشاء لم يقم صاحبها - على ما يبدو - باتخاذ احتياطات السلامة اللازمة فكان ما كان!!.
وما ذُكر هو غيضٌ من فيض، فالمتابع للصحف المحلية على مستوى البلاد لا يكاد يمر عليه اسبوع إلا ويقرأ في إحداها أو جميعها خبر مأساة طفل أو طفلة يلقى مصرعه غرقاً في خزان لعمارة حديثة الانشاء أو فتحة لبيارة خاصة بعمارة قائمة لم يكلف المالك او المستأجر نفسه مهمة تفقد الفتحة، والتأكد من ان غطاءها موجود عليها بعد قيام ناقلات المياه الآسنة برفعه لشفط ما بها من المياه، حيث يهمل بعض السائقين ذلك الامر وينسون أو يتناسون إعادة وضع الغطاء في محله فيقع فيه المارة ولاسيما الاطفال منهم ويكون مصيرهم الموت غرقاً في المياه الآسنة!.
ولعلّ أعجب ما في الأمر، بل وأكثره سوءاً هو أن جهات الاختصاص مثل الأمانات والبلديات والدفاع المدني وغيرها من الجهات لم تتعلم مما حدث وتكرر أي درس مفيد، ولم تقم بدراسة الأمر بصورة جادة وفعالة، لذلك ظل الوضع على ما هو عليه وتواصل مسلسل سقوط الضحايا واصبح شيئاً معتاداً تنشره الصحف احياناً على عمود واحد!.
وفي مأساة طفل حديقة الأمانة قال مسؤولون فيها إن الأمانة تحقق في الامر تمهيداً لرفعه الى الشرع، ولا أدري كيف تحقق الأمانة في أمر هي مسؤولة عنه مباشرة لأنها هي الراعية للحديقة ولو كانت الرعاية عن طريق مقاول وكان المفروض ان تشترك عدة جهات في مساءلة الأمانة عما حصل ثم يرفع الأمر الى الشرع لتحديد الحق الخاص والى جهات الاختصاص لتحديد الحق العام، ولعلّ ذلك حصل ولكن الحادث مرّ عليه حوالي شهرين ولم نسمع أو نقرأ أي تفاصيل عن مجريات قضية عامة حدثت في حديقة عامة لطفل كان يلعب مطمئناً في الحديقة التي تتغنى بجمالها الصحف ويتباهى بها المسؤولون في الأمانة كالعادة، فإذا هي تتحول الى بؤرة للموت والأحزان والدموع التي لا تجف!.
أما الدفاع المدني فقد انشغل بالثأر لنفسه وبصرامة يُحسد عليها من الصحفي الذي نشر خبر المأساة واتهم في الخبر رجال الدفاع المدني بالتقصير، فنشر الدفاع المدني ردّاً احتل نصف صفحة من جريدة سيارة، فنَّد فيه ما قاله الصحفي واتهمه فيه بالتجني على الدفاع المدني ورجاله والسخرية منهم، وأعانه على التنديد بالصحفي قوم آخرون وكانت النتيجة ان قضية الطفل الغريق قد نسيت في ظل تجاذب صحفي بين الصحافة والأمانة والدفاع المدني ليفاجأ الجميع بغرق الطفل الثاني في الخزان المفتوح التابع للعمارة الحديثة الانشاء؟!.
ولعلّ مما يدعو الى السخرية حقاً بل والغيظ الذي لا يكتم ان المسؤولين في البلدية الفرعية التي تشرف على الحي الذي به العمارة الحديثة الانشاء، قد اعتذروا عما حصل بقولهم إن صاحب العمارة قد أخذ عليه تعهدان اثنان وجُلب للبلدية مرتين للتأكيد عليه بأن يقوم بالاجراءات اللازمة لحفظ خزان عمارته المكشوف ولكن سعادته لم ينفذ ما تعهد به حتى وقع الطفل في الخزان ومات!!، وهذا الاعتذار من البلدية الفرعية غير مقبول إطلاقاً، فقد كان الواجب على مراقبيها عند وقوفهم على الخزان المفتوح وهو موجود ومجاور لعمارة في شارع طويل عريض وإن كان شارعاً فرعياً، كان عليهم ان يستدعوا صاحب العمارة فوراً الى الموقع ويأمروه بوضع حواجز سلامة حول الخزان أو تغطيته فإن أبى أوقف العمل في العمارة وتم استدعاء الشرطة ورجال الدفاع المدني للمشاركة معهم في اتخاذ ما هو مناسب من اجراءات رادعة مثل طمر الخزان بقلابات من التراب او شفط مياهه حتى لا يغرق فيها أحد أو عمل حواجز السلامة على حساب الأمانة ثم اقتياد صاحب العمارة الى قسم الشرطة او الحقوق لدفع قيمة الحواجز مضاعفة فإن لم يفعل رفع الأمر لجهة الاختصاص لمعاقبته حسب النظام!.
وربما يقول قائل إن البلدية أو الامانة أو الدفاع المدني ليس لديهم الصلاحية التي تخول لهم وقف العمل بالعمارة فوراً أو القيام بأي إجراء من الاجراءات السالف ذكرها، بل لا بد من الرفع الى الجهات المختصة للحصول على أمر بذلك ضد صاحب العمارة، وهذا الاجراء قد يستغرق اياماً أو اسابيع تكون خلالها حفرة الموت أو خزان الموت أو بيارة الموت فاغرة فاها لالتهام الضحايا وقد تلتهم منهم واحداً أو أكثر قبل ورود الأمر بالاجراء الحازم اللازم، ويمكننا أن نعلق على مثل هذا القول بالتذكير ان الامانات والبلديات تقوم حالياً بقفل فوري للمطاعم المخالفة لشروط النظافة والبقالات التي يوجد بها بضائع منتهية الصلاحية وبإيقاف العمل في العمائر المخالفة لتصريح الانشاء من حيث المساحة او الشكل او غيرها من النواحي الفنية، فالامانات والبلديات تملك مثل هذه الصلاحية، ولا شك ان كل ما ذُكر من أسباب لقفل مطعم أو بقالة أو وقف العمل في عمارة، أقل خطراً من خزان مياه مفتوح على مصراعيه في عرض الطريق، لأن خطر هذا مباشر وقريب وقاتل وليس مجرد تسمم غذائي أو اساءة لشكل جمالي للعمارة أو تعدٍّ على مساحة عامة مع عدم التقليل من حجم كل هذه المخالفات ولكن المخالفة التي تؤدي الى ازهاق الأرواح اعظم وأكبر!.
كما يقوم الدفاع المدني بما لديه من صلاحيات ومسؤوليات بقفل اي مستودع غير مطابق للشروط الصحية او مطبخ عام لا يوفر هذه الشروط بشكل فوري لتوقع حدوث حريق في المستودع او المطبخ ولا شك مرة أخرى ان خطر الآبار والبيارات والخزانات المفتوحة التي لا تتوفر لها شروط السلامة هو خطر مباشر لا يُبقي ولا يذر، ولذلك كله فإننا نعتقد أن من حق هذه الجهات متابعة مثل هذه المخالفات واتخاذ اجراءات فورية ضدها دون انتظار أوامر أو تعليمات قد تستغرق أياماً أو اسابيع,, أما القول إنه قد تم أخذ تعهد خطي مرتين على صاحب العمارة او البيارة، إلا انه لم ينفذ ولم يسمع ولم يخضع، فإن هذا الاجراء الضعيف المتراخي لا يمكن ان يؤدب البغاة المستهترين بالأرواح، لأنه لا ضمير لهم ولا خلق ولو كانوا كذلك لخافوا الله في أنفسهم وفي المارة وقاموا بعمل وسائل السلامة التي لا تكلِّفهم الا بضع مئات من الريالات ولكن من أمِن العقوبة أساء الأدب!.
أما القول إن ذوي المتضرر أو المتوفى سيأخذون حقهم شرعاً ديّةً أو إرشاً عندما تصل المسألة للشرع، فإنه تحصيل حاصل وليس هو موضوع نقاش، أو جدل، فالشرع سوف يحكم به القضاة الثقاة ولكننا نتحدث عن أرواح تُزهق بسبب الإهمال واللامبالاة ولا يكفي ان نزعم أنها حوادث قليلة محدودة ما دمنا نعرف أسبابها وأن بالامكان تفاديها - بإذن الله - بالقيام بما يجب علينا وبعد ذلك فأمر الله نافذ ومشيئته سارية ولكن الانسان مأمورٌ شرعاً بأن يعقلها ثم يتوكل لا ان يهمل الاسباب ويُلقي بيديه الى التهلكة ثم يقول إنها الأقدار!!.
ولعلّ المأساة تبلغ ذروتها عندما يحول الأمر الى الشرع ويحكم القاضي على المتسبب بالديّة أو الارش، فنجده يقاوم ويناور ويتهرب ويسوف ويشفّع شفعاء السوء حتى لا يتحمل الدية أو الارش أو يفاوض ليدفع بعضها ليزيد بذلك من آلام ذوي الضحية وأحزانهم العظيمة، وفي المحاكم وإدارات الحقوق المدنية حالات وقصص لا تصدق!.
لقد أردت من طرح هذا الموضوع بطريقة مستفيضة أن أوجه نداءً الى المسؤولين في وزارة الداخلية الموقرة وفي وزارة البلديات، راجياً منهم تشكيل لجنة فعالة لدراسة هذا الأمر ووضع ضوابط حازمة ورادعة تسمح للجهات التنفيذية بسرعة التحرك واتخاذ الاجراءات اللازمة لدرء الخطر عن الناس صغاراً وكباراً، فإن كان لدى الجهات التنفيذية ما يكفي من صلاحيات لدرء الاخطار سئلت عن أسباب عدم استخدامها وان كان ما لديها غير كافٍ، مُنحت ما تحتاجه من صلاحيات ثم تحاسب بعد ذلك على أي تقصير في التنفيذ حساباً عسيراً والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين!!.
لقطات فلسطينية!
(1)
* بعد خمسين عاماً من السكن في المخيمات البائسة وبعد سنين طويلة من الحديث عن حق العودة اخذ اللاجئون يسمعون عن مخطط دولي للتوطين وهو مخططي تحدث عنه بعض العرب وهم يستبشرون، فيا له من سلام,, عادل, شامل!!.
(2)
* تقول الأنباء ان ضابطاً فلسطينياً عوقب وحُوّل للتحقيق بعد ان رفض مصافحة ضابط صهيوني,, لأنه يعتقد ان يده ملطخة بدماء الأبرياء من شعبه الفلسطيني,, ومع ان الضابط الفلسطيني على حق الا أننا لا نستبعد ان يأتي اليوم الذي يعاقب فيه ضابط فلسطيني آخر لأنه لم يُقبِّل يد نظيره الصهيوني!؟.
(3)
* بعد ان استولت اسرائيل على الارض وعلى كل شيء استولت مؤخراً على الثوب الفلسطيني وزعمت انه من التراث اليهودي العريق,, فماذا بقي للقوم العراة؟!.
(4)
* من المفارقات المحزنة في قضية بناء المستوطنات الصهيونية في مدينة القدس وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة ان معظم عمال البناء هم من الفلسطينيين، ولعل بعضهم يودُّ الا يرفع قواعدها على الارض، ولكن احوالهم قد بلغت من السوء انهم يخدمون اعداءهم حتىيجدوا لقمة العيش الممزوجة بالالم والهوان والكرامة المراقة على الارض السليبة!.
(5)
* لقد أصبحت عبارة سلام الشجعان تعنى ان يقبل الطرف الأضعف بشروط الطرف الأقوى حتى يوصف بالشجاعة وحب السلام,, وهذه العبارة وما تبعها من تطبيقات وتنازلات مهينة هي من نتائج كامب ديفيد التي يوصف أبطالها بالحكمة وفصل الخطاب!!.
|