Saturday 9th October, 1999 G No. 9872جريدة الجزيرة السبت 29 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9872


لأن الإهمال بلا وطن واللامبالاة بلا جنسية
خطر الإشعاعات النووية يكمن في المحطات المدنية

* القاهرة - عوض خليفة - أ,ش,أ
اثبت حادث التسرب الاشعاعي من محطة الطاقة النووية بالقرب من قرية توكايمورا اليابانية وبعده التسرب الاشعاعي من محطة اخرى في كوريا الجنوبية ان الاهمال بلا وطن واللامبالاة بلا جنسية بعد ان اكدت تصريحات المسؤولين وروايات الشهود انه لم يكن هناك واق كاف لمنع التسرب في المحطة اليابانية بل لم يبلغ العاملون بالمحطة عن الحادث الا بعد وقوعه بساعة كاملة.
فلم يكن الحادثان اللذان تعرض خلالهما اكثر من سبعين شخصا للاشعاع النووي هما السبب وراء الدعوة الى مراجعة موقف المحطات النووية لتوليد الطاقة بل عمد العلماء والمهتمون بشؤون البيئة منذ سنوات الى دق ناقوس الخطر للتحذير من مخاطر هذه المحطات ومع دقات الناقوس زادت دقات قلوب المجموعات الهندسية النووية الاوروبية مثل سيمنس الالمانية وفراماتوما الفرنسية ومجموعة الوقود النووي البريطانية بي, ان, اف, ال والمجموعة السويسرية السويدية المشتركة ايه, بي, بي, خوفا من تراجع الطلب على اقامة المحطات النووية وما يؤدي اليه ذلك من تدهور المهارات الفنية للعاملين بها بسبب عدم وجود طلبات لاقامة محطات جديدة.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الذرية الدولية الى ان محطات الطاقة النووية تزود العالم بنحو سدس احتياجاته من الطاقة بل ان اوروبا التي تعد اكبر سوق عالمي للطاقة تحصل على ثلث احتياجاتها من الطاقة من المحطات النووية.
واوضحت تقديرات الوكالة الدولية ان هناك 420 محطة نووية لتوليد الطاقة في 32 دولة في العالم تقوم بتوليد 18 في المائة من الطاقة الكهربائية التي يحتاجها العالم منها 38 محطة في 9 دول نووية نامية على رأسها كوريا الجنوبية بينما يوجد في جنوب افريقيا محطتان كبيرتان تبلغ طاقتهما 2000 كيلو وات.
لقد ادت الضغوط التي تمارسها الهيئات الدولية المعنية بشؤون البيئة اضافة الى الضغوط السياسية والاقتصادية والمالية التي تواجهها كثير من دول العالم الى تحجيم دور محطات الطاقة النووية وتراجع الاقبال عليها حيث تعهدت الحكومة الالمانية الائتلافية مثلا بالانسحاب من مجال المحطات النووية تحت ضغوط من حزب الخضر شريكها في الائتلاف الحاكم, والتزمت السويد بالانسحاب التدريجي من مجال المحطات النووية بحلول عام 2010 بينما فرضت اسبانيا وبلجيكا حظرا مؤقتا على اقامة المحطات النووية الجديدة في حين لا يوجد في فرنسا وبريطانيا اي مخطط لاجراء توسعات في هذا المجال.
وفي الولايات المتحدة لم يتم التقدم بطلب واحد لبناء محطة نووية جديدة منذ عام 1978م الذي شهد حادث محطة ثري مايلز ايلاند الشهير ولا توجد في اوروبا الغربية وامريكا الشمالية سوى محطة طاقة واحدة جديدة تحت الانشاء بمنطقة شيفو بالقرب من بواتيير بوسط فرنسا.
وعلى الرغم من وجود خطط في فنلندا لبناء محطة نووية جديدة الا انها لن تتخذ قرارا بهذا الشأن حتى وقت لاحق من العام الجاري.
اما اليابان فقد اصرت على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها ساداكي نوماتا على المضي قدما في الاعتماد على المحطات النووية باعتبارها المصدر الوحيد لها للحصول على الطاقة على الرغم من وقوع سبع حوادث تسرب اشعاعي بها خلال السنوات الخمس الاخيرة.
وفي المقابل فازت روسيا بصفقة قيمتها 800 مليون دولار لاقامة محطة نووية في ميناء بوشهر الايراني وعرضت ايران على الجانب الروسي اقامة ثلاث محطات اخرى جديدة قيمتها ثلاثة مليارات دولار وعلى الرغم من ان الدول النامية تعد اكثر استعدادا لاقامة المحطات النووية الا ان معظم هذه الدول يفتقر الى التمويل اللازم لمثل هذه المشروعات.
وكان نتيجة ذلك تراجع عدد محطات توليد الطاقة التي تعمل بالطاقة النووية الى ثلاثين محطة تحت الانشاء مع نهاية العام الماضي يعود طلب انشاء معظمها الى عشر سنوات مضت ويوجد ثلث هذه المحطات في الصين او الدول الشيوعية السابقة في شرق اوروبا.
وربما يرجع تركيز الاهتمام على اقامة المحطات التي تعمل بالطاقة النووية الى كونها تعد مصدرا نظيفا ورخيصا للطاقة يمكن الاعتماد عليه غير ان اهم عقبة تواجه اقامة محطات الطاقة النووية تتمثل في مشكلة التخزين الآمن للنفايات النووية حيث تحذر التقارير العلمية من ان بعض هذه النفايات سوف يبقى به اشعاعات حتى نهاية القرن القادم.
وفي هذا الصدد اشارت تقارير وكالة الطاقة الذرية الى ان حجم الوقود النووي المستخدم في تشغيل محطات الطاقة النووية او في مواقع التخزين المؤقتة بلغ 200 الف طن في نهاية عام 1997م وتوقعت الوكالة ان يصل هذا الرقم الى 340 الف طن بحلول عام 2010م.
ويتعرض استخدام الطاقة النووية للكثير من التحديات في مقدمتها استخدام الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة حيث بدأت الانظار تتجه اليه في الاونة الاخيرة وهنا يقول ادولفو دي اوبتا مدير قسم الطاقة النووية بمنشاة اسبانية ان تكاليف اقامة محطة نووية لتوليد الطاقة تتراوح بين 1500 - 3000 دولار لكل كيلووات من حجم طاقتها الكلية بينما لا يتعدى ذلك الرقم 300 - 400 دولار لكل كيلووات في المحطات التي تعمل بالغاز الطبيعي فضلا عن انه بالامكان الانتهاء من اقامة المحطة التي تعمل بالغاز وتحصيل العائدات منها خلال عامين فقط بينما يستغرق ذلك عشر سنوات بالنسبة لمحطات الطاقة النووية.
لقد فقدت محطات الطاقة النووية الميزة التي كانت تتفوق بها على المحطات التي تعمل بالغاز الطبيعي والمتمثلة في انخفاض سعر وقود اليورانيوم الذي تستخدمه المحطات النووية عن سعر الغاز وذلك بعد تراجع اسعار الوقود اثر انهيار اسعار البترول في العالم في السنوات الاخيرة هذا الى جانب فقدانها عنصر الحماية الذي كانت تحظى به في الماضي متمثلا في الملكية العامة التي سقطت بعد تحرير اسواق الطاقة في اوروبا وانتشار اتجاهات الخصخصة هناك منذ عشر سنوات, يرى مدير عام مؤسسة بريتش اينيرجي البريطانية بيتر هولينز ان الطاقة النووية لا ينجم عنها غازات امطار حمضية وليس لها تأثير في ارتفاع درجة حرارة الكون بعكس ماهو قائم بالنسبة للوقود المستخرج من الارض مشيرا الى ان محطات الطاقة النووية تزود اوروبا بنسبة 34 في المائة من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية سنويا وتمنع انبعاث 700 طن من غاز ثاني اكسيد الكربون الى الجو في اوروبا وتمنع انبعاث 8,1 مليار طن من غاز ثاني اكسيد الكربون الى الجو على مستوى العالم.
وفي مقابل الضغوط التي تمارسها جماعات الدفاع عن البيئة لوقف انشاء محطات نووية يمارس منتجو الطاقة والمهتمون بمعالجة الوقود النووي ضغوطهم ايضا على الحكومات للحصول على تعويضات منها عن الاضرار التي لحقت بهم من وراء اغلاق المحطات النووية ورضوخا لهذه الضغوط وافقت بريطانيا وسويسرا على تمديد تشغيل المحطات النووية القديمة بهما.
وتقول وزارة البيئة الاسبانية انها تنوي زيادة عمر تشغيل المحطات النووية القديمة بها تلبية لضغوط منتجي الطاقة مع التزامها بالمضي قدما في وقف اقامة اي محطات جديدة وهنا لابد من التنويه الى انه تم اقامة 150 محطة نووية من المحطات الموجودة حاليا في العالم قبل اربعين عاما.
واذا سارت الامور بشكلها الطبيعي فسوف يتم اغلاق ثلث المحطات النووية العاملة حاليا خلال الفترة المحصورة بين عامي 2010 - 2020 وتبقى القضية المثارة قائمة فهل يتعين اغلاق المحطات النووية القديمة او يتم تمديد فترات تشغيلها لتهدئة خواطر منتجي الطاقة ولو على حساب رغبات المدافعين عن البيئة وهنا يثور تساؤل اخر هل عجز العلماء الذين ابتكروا المحطات النووية عن ايجاد وسيلة فعالة توفر الامان لها وتمنع تسرب الاشعاع منها, ان الغرب قد انفق في حرب البلقان 40 مليار دولار كما يقول ستيفن لويس المدير التنفيذي لليونسيف فهل يعجز عن تخصيص مثل هذا المبلغ للابحاث الخاصة بتوفير الامان النووي في محطات الطاقة التي ابتكرها ويريد التراجع عنها الان.
واخيرا فقد ثبتت براءة الاسلحة النووية المكدسة في الترسانات العسكرية ولم تعد تمثل خطرا اللهم الا في تصريحات رجال السياسة والاستراتيجية واصبح الخطر الذي يواجهه العالم كامنا في محطات الطاقة النووية المدنية.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
ملحق المجمعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved