Saturday 9th October, 1999 G No. 9872جريدة الجزيرة السبت 29 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9872


منعطفات
هموم الصحة
1) تجارة السلخ!
د, فهد سعود اليحيا

(أعتقد جازماً أن أوضاع الرعاية الصحية لدينا والممارسة الطبية عندنا - في القطاع الحكومي او القطاع الخاص على السواء - بحاجة إلى مراجعة شاملة من الألف الى الياء, وأنها بأمس الحاجة لوضع الضوابط التي تحافظ على مستوى عال من الخدمة الصحية وتمنع كافة اشكال الممارسات الخاطئة.
ولن يتم ذلك إلا بأن تتوفر للاجهزة المعنية كل الوسائل والامكانات التي تتيح لها تطبيق تلك الضوابط ومراقبة الاداء فلا تجدي افضل قوانين العالم إذا ما ظلت حبيسة الادراج لاي سبب من الاسباب, وليس هناك من عذر يجيز لنا - حكومة وشعبا - غض الطرف بدعوى نقص المال او القوى العاملة.
وفي هذه المقالة وأخريات تليها سألقي الضوء قدر استطاعتي على عديد من الجوانب في هذا الموضوع متبعا الحكمة القائلة: أن تشعل شمعة، خير من ان تلعن الظلام والله من وراء القصد).
عندما يقوم طبيب او مستثمر او مجموعة من الناس باستثمار أموالهم في منشأة طبية سواء كانت عيادة وحيدة او مجمع او مستشفى فإنما يمارسون حقا مشروعا في التجارة الحلال, ومن السخافة ان نطلب منهم ان يحولوا مشروعهم إلى عمل خيري او مبرة فهناك وسائل اخرى يقومون من خلالها بأعمال الاحسان والتبرع, ولكن لنا جميعا الحق الكامل بأن نطالب ان يكون المشروع نظيفا بعيدا عن استغلال المريض وان نطلب بالصوت العالي تجريم كل الطرق التي قد تؤدي الى ممارسات خاطئة واستغلال, ويبقى من حق اصحاب المشروع ان يحددوا رسوم خدماتهم كما يرون بحسب نظرتهم إلى الخدمات التي يقدمونها وتكاليف الانشاء والتشغيل والربح المشروع سواء رضوا ب10% أو 200%, وكما تتفاوت السيارات من حيث الجودة والمميزات تتفاوت المنشآت الطبية من حيث مميزاتها ومستويات العاملين فيها.
ومن أسوأ الامور التي تحدث في معظم المراكز الصحية الخاصة إلا من رحم ربي ان الباب يفتح على مصراعيه للممارسات المنافية للاخلاقيات الطبية والاستغلال البشع ان يحصل الطبيب بالاضافة إلى مرتبه الشهري (سواء كان مرتبا ثابتا او نسبة من رسم الكشوف) على دخل اضافي قد يتجاوز دخله الرئيسي يمثل مجموع ما يأتيه من نسب على رسوم اخرى تؤدي الى تشغيل العيادات, فيتفق المجمع او المستوصف مع الطبيب على ان يحصل على (والنسب هنا تقريبية) 25% من قيمة الادوية التي وصفها, و20% من رسوم الكشف إذا قام بتحويل المريض إلى طبيب آخر و30% من رسوم اي تحليل او اختبار سواء كان تحديد فصيلة الدم او تخطيط للقلب, وربما كانت هناك نسبٌ اخرى.
فتخيلوا طبيبا يحصل على 150 ريال، مثلا اي 50% قيمة رسم الكشف على مريض, ثم يطلب من يطلب من المريض مجموعة من التحاليل لا يحتاج المريض إلا إلى عدد محدود منها، ويصف له عددا من الادوية الغالية، ويقوم بتحويله إلى واحد أو اثنين من زملائه ليخرج في النهاية بخمسمائة ريال اخذها من ظهر المريض دون وجه حق.
بالطبع لا بأس في فحص بالاشعة يكلف ثلاثة آلاف ريال إذا كان المريض بحاجة إليه حقا, ولا مانع أبداً من وصف دواء يكلف ألف ريال في الشهر طالما ان المريض بحاجة إليه بحق, وعلى هذا يتم القياس في اي أمر آخر, اما أن يتحول المريض الى نعجة تسلخ ليكتسي العاملون بفروها فهذا أمر لا يقره شرع ولا عقل ولا عرف.
والمأساة ان هذا ديدن العديد والعديد من منشآت القطاع الخاص إلا من رحم ربي, حتى اضحى هذا الامر هو القاعدة وليس الاستثناء وحتى غاب تماما عن عقل مالكي المنشأة ان يتساءلوا عما إذا كان هذا السلوك حلالا ام حراما, وعندما سألت احدهم قال لي ان مشروعه كاد ان يسقط عندما توسع القطاع الطبي الخاص في السنوات الأخيرة وكان عليه ان يجاري الآخرين ليحتفظ بموظفيه ويتمكن من تشغيل مركزه ويعيش أولاده!! فهل يستحق هذا الصديق التعاطف ام هو جدير بالصفع؟أما المواطن المسكين فقد يحتج على هذا الاجراء او ذاك ولكنه يرضخ في النهاية لحرصه على صحته, ولن يعرف المسكين إذا ما كان ذلك التحليل ضروريا أم لا فالطبيب ابخص من ناحية، ثم انهم كلهم كذا يا رجال من ناحية اخرى, وفوق هذا قد يتعرض المريض الى اخطار نتيجة اخطاء طبية فاحشة, وفي النهاية حشف وسوء كيل إذ لا يملك المريض طاقما من الاطباء والمحامين - مثل شركات التأمين - يقومون بمراجعة التقارير ويمسكون بخناق المركز او المستشفى حتى يقول في النهاية: آمنت بأن الله حق, افعلوا ما تشاءون، بس لا تفسخون العقد فالمريض بداله مريض ولكن من الصعب استبدال عقد بعقد,,قد يتعلل موظفو الأجهزة التنفيذية بأن العقود المكتوبة بين المركز الطبي والطبيب لا تشير إلا إلى راتب شهري او نسبة من رسم الكشف الذي يقوم به الطبيب, وهذه حجة واهية فنظرة إلى مسير رواتب ومكافآت الطبيب مثل جهيزة تقطع قول كل خطيب.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
ملحق المجمعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved