يبدو التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي وكأنه منشغل كلية بهموم الحاضر,.
هذا ما يبديه ظاهر الأمر، حيث يلاحظ المتابعون مدى انغماس القيادات الاسرائيلية في المسائل الإجرائية المتعلقة بالاتفاقات المبرمة، وكيف أنهم يتمسكون ببعض التفصيلات الصغيرة,, وكيف تمارس لعبة الشد والجذب بين الحكومات الاسرائيلية ومعارضيها في صغائر الأمور,.
لكن العارفين بالعقلية الاسرائيلية واستراتيجياتها ومخططاتها وأهدافها، يعلمون ان منهج التفكير الاسرائيلي يتعدى الانغماس في هموم الحاضر إلى تفكير وتخطيط عميق لكيفية الهيمنة في المستقبل.
فإسرائيل تعرف ان المستقبل يحمل قنابل موقوتة تهدد الهيمنة الإسرائيلية الحالية، كما تعلم أيضاً ان معيار القوة الذي ما زال قادة إسرائيل يلوحون به - كما بدا من تصريحات باراك الأخيرة لجيروزاليم بوست - هو معيار قابل للزوال بفعل التغيرات العميقة والجذرية التي تحدث في المنطقة وفي مفاهيم العالم,.
نعم,, إسرائيل تعلم ان معدلات التكاثر السكاني العربي تهدد - بالفعل - التركيبة الديمغرافية المستقبلية في إسرائيل، كما أن إسرائيل تعرف أن معايير القوة بشكلها التقليدي لن تكون,, حيث ستسوء مفاهيم الحق القادرة على تحريك كل العالم رداً للظلم وإعادة للحقوق.
تقرأ إسرائيل معطيات الحاضر بشكل عميق لكي تخطط لمستقبل الهيمنة التي تنويها على كل المنطقة، ولذلك,, كانت أفكار فتح الأراضي العربية لهجرة اليهود من أصقاع المعمورة لفرض واقع سكاني يهودي غالب في الأرض، وكانت افكار إقامة المستوطنات وتشجيع وجود اختراق سكاني إسرائيلي داخل المجموعات العربية في فلسطين,, وكانت عشرات المخططات التي تضع عينها على المنطقة وخيراتها بدءاً من الماء وانتهاءً بالثروات الاقتصادية الأخرى.
وحسناً فعلت السلطة الفلسطينية وهي تتنبه وتنبه إلى المخططات الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية، فقد حذّرت في مذكرة عمّمتها على الدول العربية مؤخراً من المخططات الإسرائيلية الرامية الى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، واشارت الى السعي الإسرائيلي المستمر من أجل إقناع عدة دول غربية بضرورة زيادة أعداد المهجرين اليهود إلى فلسطين المحتلة.
إن التنبيه والتحذير خطوة أولى جيدة,, لكن لابد من خطوات أخرى لتطويق التآمر، بل وأخذ زمام المبادرة في ما يمس مستقبل الوجود العربي في فلسطين,.
ولعلّ أول ما يمكن عمله كخطوة تالية هو كشف النمط الإسرائيلي في التفكير امام العالم كله، ثم احتواء تلك المخططات عبر منهجية عربية تحافظ على هوية الأرض الفلسطينية,, وتقهر عتمة الظلام الذي تريده إسرائيل لمستقبل الفلسطينيين في أراضيهم وثرواتهم.
الجزيرة