تقوم شركات وكثير من الأفراد بإجراء بحوث علمية ودراسات استطلاعية على الشبكة لأغراض علمية وتجارية مختلفة. ويقومون بجمع مادة بحوثهم من خلال مواقعهم على الشبكة بطرق وأساليب شتى. ويتساءل المرء عن مدى المصداقية التي تحظى بها هذه الاستطلاعات وتلك البحوث. وللحكم عليها ينبغي النظر في الأساليب والطرق التي يتم استخدامها لجمع بيانات تلك البحوث وضبط عيناتها. ومن أساليب جمع البيانات الأكثر انتشاراً على الشبكة الاستبانات الموجزة والموسعة التي يعبئها الزوار الذين تؤخذ آراؤهم دون معرفة كافية بهم. وتكتنف العملية برمتها تساؤلات عدة فيما يتعلق بالجدوى والفعالية والمصداقية. فكثير منها يعتمد على الاستبانة المبسطة التي تستطلع الرأي من خلال أسئلة وجيزة ومجموعة إجابات يختار منها الزائر واحدة ليدخل صوته ضمن من أسهموا في الاستطلاع. ولأن بعض هذه الاستطلاعات تجبر الزائر على أن يجيب عنها حتى تزول من شاشته فإن كثيرا من الزوار يجيب بأية إجابة فقط للتخلص من ذلك الإطار البغيض الذي يشغل مساحة من شاشته.
والسؤال هنا: هل يهم من يكون المجيب؟ هل أجاب على الأسئلة صادقا؟ كم مرة قام نفس الشخص بالإجابة على تلك الأسئلة؟ على أي أساس أنشئت الاستبانة؟ أسئلة كثيرة تقدح إلى حد بعيد في صدق البحوث والاستطلاعات من هذا النوع وبهذه الطريقة. ومن ذلك أن مشاهدي بعض القنوات الإخبارية مثل قناة CNN اعتادوا على أخبار الاستطلاعات التي يتم جمعها من خلال مواقعهم على الشبكة. ويتم جمع البيانات باستخدام طرق مختلفة منها إطارات الجافا وذلك بتقديم سؤال محدد وله إجابات محددة يختار أحدها زائر الموقع الذي لايهمهم من يكون لتظهر له نتائج الاستطلاع بعد إسهامه فيه على شكل منحنيات أو أعمدة بيانية. وبعدها بفترة وجيزة تطالعنا القناة بالنتائج ضمن أخبارها! وقد درجت غالب شركات صناعة البرامج إلى طلب تسجيل النسخة التي يقتنيها المستخدم عند بدئ استخدامها لأول مرة. لكن بعض هذه الشركات تثقل كاهل المستخدم بسلسلة طويلة من الأسئلة مما يقتضي قضاء وقت طويل لإجابة تلك الأسئلة التي تصب في مصلحة تلك الشركة ولا تمت بصلة إلى ما ينفع المستخدم. وفي الماضي كانت تلك الأسئلة تأتي على بطاقة مرفقة مع البرنامج فمن شاء أجاب ومن شاء أهملها. لكن الأمر تطور الآن فأصبح من المحال تشغيل بعض البرامج قبل تعبئة نموذج إلكتروني مخصص للتسجيل وبعثه بالمودم. ولأن الأمر أريد له أن يتم عنوة فإن كثيرا من المستخدمين لايبذلون أي جهد في تحقيق مراد تلك الشركات فيختارون أي إجابات كي يتمكنوا فقط من بدء استخدام البرنامج.وأظن أن تلك الشركات بحاجة لشيء من احترام عقلية المستخدم. إن فكرة توظيف التقنية لخدمة البحث العلمي أمر لا غبار عليه لكن أن يعمينا استخدام تلك التقنية عن النظر في مصداقية البحث ومنهجيته فذلك أمر لايمكن تجرعه. والكثير من المشاهدين لايتساءلون عن مصداقية أولئك ولا يتلقون الأخبار بأذن فاحصة بل يؤخذون بالهيلمان ويشغلون بما هو أدنى عما هو أولى.
ولا يفوتني أن أشير إلى أن كثيرا ممن يستثمرون الشبكة قد نجحوا في توظيف إمكاناتها للوصول إلى جمهور عريض ممن لديهم الاستعداد للمشاركة في البحوث بشكل يعتمد عليه. لكن الفرق هنا أن المنهجية العلمية تكون الضابط الدقيق لجميع مراحل جمع مادة البحث دون تفريط في شيء من أركانه أو إغفال لشيء من جوانبه المهمة التي تؤثر على مصداقيته. وأحسب أن جمع مادة البحث العلمي من الشبكة ستكون وسيلة مستقبلية أكثر فعالية لأنها أقل كلفة وأيسر للوصول إلى قطاع أعرض بكثير مما يتيحه البحث بالطرق التقليدية. ولن يلزم مستثمروها من الباحثين والعلماء إلا التحقق من منهجهم في استخدام تلك التقنية بحيث لاتتأثر مصداقية بحوثهم ولاجودتها إثر ذلك.
* جامعة انديانا، وللمراسلة على البريد التالي: khalid*khalidnet.com